كشفت نتائج دراسة بحثية عالمية النطاق عن وجود أجسام مضادّة ذاتية – توصف بـ«المتمردة» - تُهاجِم أجزاء من دفاعاتنا المناعية وتسهم بالتالي في الإصابة بحالات شديدة من مرض «كوفيد-19»، ومن ثمّ وفاة البعض عقب الإصابة بعدوى فيروس «كورونا المستجد» المسبب لذلك المرض.
الدراسة نُشِرَت في دورية «ساينس إيميونولوجي» العلمية، وتقدم نتائجها أدلّة دامغة تدعم ملحوظات كان قد رصدها فريق الدراسة نفسه في أكتوبر الماضي.
ووفقاً للباحثين الذين أجروا هذه الدراسة المتعددة الجنسيات، فإن تلك الأجسام المضادة المتمردة تقوم بوظيفة معاكسة لوظيفتها الأصلية، وتوجد لدى نسبة قليلة من الأفراد الأصحاء غير المصابين بالعدوى، ويزداد تعدادها مع التقدم في العمر، وهو الأمر الذي قد يفسِّر ارتفاع احتمالية الإصابة بالأعراض الشديدة لمرض «كوفيد-19» بين كبار السن.
فإلى مزيد من التفاصيل حول تلك الدراسة البحثية...
أُجريت الدراسة تحت قيادة الفريق البحثي طبيب المناعة الأميركي الدكتور جان لوران كازانوفا من جامعة روكفلر بمدينة نيويورك. واكتشف الفريق البحثي أن نحو 10 في المئة من المصابين بالأعراض الشديدة لمرض «كوفيد-19» كان لديهم أجسام مضادة ذاتية متمردة هاجمت وثبَّطت الإنترفيرونات من النوع الأول، وهي جزيئات بروتينيّة في الدم تؤدي دوراً مهمّاً في مكافحة العدوى الفيروسيّة بشكل عام.
وتعليقاً على النتائج، قال الدكتور آرون رينج، اختصاصي علم المناعة من كلية طب جامعة ييل في مدينة نيوهايفن، بولاية كونيتيكت الأميركية: «ربما كان التقرير المبدئي لدراسة العام الماضي من أهم الأوراق البحثية عن الجائحة، وما فعله الباحثون في هذه الدراسة الجديدة هو إجراء استقصاء متعمّق لمعرفة مدى انتشار هذه الأجسام المضادة لدى البشر عموماً، وقد اتضح أنها سائدة إلى حدّ مذهل».
وركَّز فريق البحث الذي أجرى الدراسة على اكتشاف الأجسام المضادة الذاتيّة التي قد تعطِّل التركيزات المنخفضة وذات الأهمية الفسيولوجيّة من الإنترفيرونات. ومن ثم، فحص الفريق 3595 مريضاً من 38 دولة مصابين بحالات حرجة من مرض «كوفيد-19»، أي مرضى ممَنْ أصيبوا بدرجة شديدة من المرض استلزمت إيداعهم بوحدة للرعاية المركَّزة.
وبوجه عام، اتضح أن أجسام 13.6 في المئة من هؤلاء المرضى كانت تحمل أجساماً مضادة ذاتيّة متمردة تراوحت نسبتها بين 9.6 في المئة لدى المرضى الذين تقل أعمارهم عن أربعين عاماً، و21 في المئة لدى المرضى الذين تزيد أعمارهم على ثمانين عاماً.
كما وُجِدت الأجسام المضادة الذاتيّة في 18 في المئة من الأشخاص الذين توفوا بسبب مرض «كوفيد- 10».
واشتبه الفريق البحثي في أن تلك الأجسام المضادّة المتمردة هي سبب وليست نتيجة للحالات الحرجة من مرض «كوفيد-19».
وكان هناك ما رجَّح أنها السبب، إذ كان قد سبق للفريق البحثيّ رصدها في نحو 4 من 1000 شخص تمتعوا بصحة جيدة، وجرى سحب عينات منهم قبل الجائحة.
كما اكتشف الباحثون أن الأفراد المصابين بطفرات جينية تعطِّل نشاط الإنترفيرونات من النوع الأول أكثر تعرضاً للإصابة بأعراض المرض التي تُهدد الحياة.
ولتقصِّي هذه العلاقة أكثر، أجرى الباحثون بحثاً مدققاً حول تلك الأجسام المضادة الذاتية لدى مجموعة ضخمة من عينات الدم المأخوذة من نحو 35 ألف شخص تمتعوا بصحة جيدة قبل الجائحة.
واتضح أن 0.18 في المئة من الأشخاص ما بين سنّ 18 إلى 69 عاماً كانت لديهم أجسام مضادة ذاتيّة ضد الإنترفيرون من النوع الأول، وأن هذه النسبة تزداد مع التقدم في العمر؛ حيث وُجِدت الأجسام المضادة الذاتيّة في نحو 1.1 في المئة من الأشخاص بين سنّ 70 إلى 79 عاماً، وفي نسبة قوامها 3.4 في المئة من الأشخاص فوق سن الثمانين.
وعن ذلك رأى الدكتور كازانوفا أن «هناك زيادة هائلة في انتشار هذه الأجسام المضادة الذاتية مع التقدم في العمر، وهذا يفسر بشكل كبير ارتفاع خطر الإصابة بالأعراض الشديدة لمرض كوفيد-19 بين كبار السن».
وأضاف قائلاً:«هذه النتائج لها تداعيات واضحة من الناحية الإكلينيكية.
لذا فإنه ينبغي على المستشفيات فحص المرضى تحسباً لوجود هذه الأجسام المضادة الذاتيّة لديهم، كما أنه ينبغي اكتشاف الطفرات التي تُسهم في تعطيل الإنترفيرونات من النوع الأول.
فمن شأن هذا أن يُساعد على اكتشاف الأشخاص الأكثر تعرضاً للحالات الحرجة من مرض كوفيد-19، وهو ما يساعد الأطباء على تصميم علاجات ملائمة لهم».
ومن جانبه، قال الدكتور رينج:«من الصعب أن نتجاهل ما أسفر عنه تحليل عينات أكثر من 30 ألف شخص حول العالم. وعلى الباحثين الآن إجراء مزيد من الدراسات حول ما إذا كانت الأجسام المضادة الذاتيّة تؤدي دوراً في تحفيز الإصابة بأمراض معدية أخرى أم لا».
وأشار رينج إلى أنه عُثر هو وفريق عمله بالفعل على أدلة أولية تشير بوضوح إلى وجود أجسام مضادة متمردة تهاجم مكونات مختلفة من الجهاز المناعي لدى الأشخاص المصابين بمرض «كوفيد-19».
واختتم بالقول: «أظن أننا قد بدأنا فعلياً في سبر أغوار جانب مهم من جوانب مشكلة إصابات كوفيد- 19 المميتة»، منوهاً إلى أنه من شأن ذلك أن يؤدي إلى تحييد جزء كبير من المخاطر الناجمة عن إصابات «كوفيد- 19» الحادة.