مجرد رأي

البنك المركزي وعمورية

5 سبتمبر 2021 10:00 م

طالعتنا جريدة «الراي» الأسبوع الماضي بالورقة المقدمة من بنك الكويت المركزي لمجلس الوزراء حول موقع الكويت اقتصادياً حسب مؤشرات مجموعة هورايزون العالمية والتي شملت مؤشرات فرعية عدة بينها أن الكويت متأخرة جداً في الأمن الغذائي بعد تسجيلها المرتبة 119عالمياً.

حقيقة استوقفني المؤشر «هورايزون» حيث ذكّرني بقصة فتح عمورية عندما أراد المعتصم فتحها... وقتها جاءه المنجّمون ليحذّروه من الاتجاه نحو عمورية وأنه سوف يخسر المعركة، فما كان منه إلا تجاهل تحذيراتهم المبنية على توقعاتهم وجهّز جيشه وفتح عمورية، ما دفع الشاعر أبو تمام للاستهزاء وانتقاد هؤلاء المنجّمين في قصيدته المشهورة:

السَيفُ أَصدَقُ إنبـاءً مِـنَ الكُتُـبِ

في حَدِّهِ الحَدُّ بَيـنَ الجِـدِّ وَاللَعِـب

بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ

في مُتونِهِـنَّ جَـلاءُ الشَـكِّ وَالرِيَـب

وَالعِلمُ في شُهُـبِ الأَرمـاحِ لامِعَـة ً

بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ

أَينَ الرِوايَةُ بَل أَيـنَ النُجـومُ وَمـا

صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَـذِبِ

عودة على ذي بدء، مؤشر «هورايزون» لا يعكس في حقيقته واقع الأمن الغذائي في الكويت ولا يحاكيه لأن الأسس والمعايير التي تستند لها المؤشرات العالمية لا تراعي أحياناً اعتبارات رئيسية، فمثلا يبني هذا المؤشر أسسه على الدول الزراعية وحجم استصلاح الأرض الزراعية ومدى توافر المياه الصالحة للزراعة بل يدرس ويتابع البذرة وجودتها منذ زراعتها وحجم الإنتاج الزراعي ومدى كفايته محلياً وحجم التصدير.

ويبدو أن مؤشرات «هورايزون» لم تراع موقع الكويت الجغرافي، التي لا يمكن لها أن تتقدّم في هذا المؤشر بأي حال من الأحوال نظراً لطبيعتها الجغرافية، لذلك يجب على المؤسسات الحكومية أثناء تقديمها للدراسات أن تعتمد على المؤشرات التي تقيس حقيقة واقعنا، والذي يجعل الكويت تحتل المرتبة الأولى عربياً و33 دولياً في مؤشر الأمن الغذائي العالمي GFSI لعام 2020.

ولله الحمد، الكويت ومنذ نشأتها تتمتع بدرجة عالية من متانة مخزون الأمن الغذائي للمواطنين والمقيمين، وذلك بسبب أن القيادة السياسية ومنذ الاستقلال وحتى يومنا هذا أدركت أن الكويت لا يمكن أن تكون دولة زراعية لديها اكتفاء ذاتي بسبب العوامل الجغرافية وتحدياتها ولذلك وضعت القيادة السياسية البديل الإستراتيجي ووضعت أسساً ومعايير تتناسب مع واقعنا منها وجود مخزون أمان من السلع الأساسية وقياس مدة بقاء هذا المخزون، ما يمثل المعيار والمؤشر الحقيقي لتحقيق الأمن الغذائي.

لذلك قامت الحكومة بإعداد المخزون الإستراتيجي للأمن الغذائي منذ أيام الأمير الراحل سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، طيب الله ثراه، من خلال فكرة إنشاء شركة التموين وشركة المطاحن والمخابز والجمعيات التعاونية لتحقق مخزون غذائي يكفي بين 6 شهور وسنة في حال توقف سلسلة التوريد.

وما يزيد من قوة أمن الكويت غذائياً وجود خطط طوارئ لإدارة مخزونها الغذائي خلال الأزمات يتم مراجعتها سنوياً وتطويرها والتدريب عليها ميدانياً بين أجهزة الدولة المعنية، وقد برهنت جميع المحطات التاريخية بأحداثها المتوالية ابتداءً من الغزو الغاشم سنة 1990 وأحداث حرب العراق والأزمة الاقتصادية العالمية 2008 وأحداث «كورونا» أن الكويت تتمتع بمتانة قوية بالأمن الغذائي، ولم ينقصها شيء في وقت تأثرت فيه معظم دول العالم بانقطاع بعض السلع الأساسية بسبب توقف أو تباطؤ سلسلة التوريد أثناء تلك الأزمات وهذا ما لم يحصل في الكويت بسبب حِنكة ووعي القيادة السياسية.

وميدانياً أسهم المخزون الإستراتيجي للأمن الغذائي في تخطي الحكومة للتحديات والمعوقات التي واجهت دول العالم، ولذلك استغرب من الدعوة للمساس بمنظومة دعم التموين الغذائي وتخفيض عدد المستفيدين وأعتقد أن هذه الدعوة ترجع لعدم دراية بفلسفة وجود منظومة التموين الغذائي والتي تستهدف تحقيق 3 ركائز مهمة:

1ـ توفير السلع الأساسية للمواطنين بأسعارمعتدلة تكون في متناول الجميع وتحقيق استقرار أسعار السلع الأساسية.

2ـ دعم مالي وضخ سيولة لقطاع السوق الغذائي لتشجيعه وتنشيطه.

3ـ توفير مخزون غذائي إستراتيجي للدولة بشكل غير مباشر في مخازنها ومخازن القطاع الخاص من خلال المحافظة على كميات محددة لا تقل عن 6 أشهر ولا تجاوز السنة وتتم مراجعة هذه الكميات بشكل دوري كل شهر.

لذلك أي دعوة لخفض الدعم المالي عن منظومة التموين في حقيقتها مساس بمنظومة الأمن الغذائي وبالتالي مساس بالأمن العام للدولة وهدم منظومة أسّسها رجال كانوا يعلمون ويعون أهمية وجودها.

الخلاصة:

لا بد لنا أن نستخلص النتائج والدروس المستفادة من أزمة كورونا وأولها، أنه ليست كل المؤشرات العالمية تعكس الحقيقة كاملة في نتائجها، خصوصاً إذا كانت مثل دراسة «هواريزون» التي يعاب عليها أنها وضعت جميع الدول بمقياس واحد، ما جعلها غير قادرة على تمييز أنه إذا كانت الكويت الصغيرة جغرافياً وهذا بالمناسبة قدر لا يمكن تغييره، إلا أنها كانت ولا تزال كبيرة ومؤثرة على أرض أمنها الغذائي.