في ضوء كون معظم دول العالم ما زالت تسعى جاهدة وتواجه صعوبات في الحصول على لقاحات «كوفيد- 19» كافية لتطعيم مواطنيها البالغين، فإن هناك من يرون أنه من الرفاهية تطعيم الأطفال واليافعين الذين تتراوح أعمارهم بين 11 و17 عاماً.
ففي التاسع عشر من يوليو الماضي، أوصى مستشارو التطعيم في بريطانيا بتأجيل إعطاء اللقاحات للأغلبية العظمى من الصغار الذين دون سن 16 عاماً. وفي ذلك الصدد، استند أولئك المستشارون في رأيهم إلى المعدلات شديدة الانخفاض لحدة الإصابة بأعراض المرض لدى هذه الفئة العمرية.
لكن في المقابل، قرّرت بعض الدول الأخرى - ومنها الولايات المتحدة - المضي قدماً في طريق تطعيم اليافعين. وأعلنت دول أخرى أنها تعتزم أن تحذو ذلك الحذو عندما تسمح الإمدادات المتاحة بذلك.
ومنذ الأيام الأولى للجائحة، يشعر الآباء والأمهات حول العالم بقدرٍ من الارتياح في ضوء الحقيقة التي ترجح أن فيروس كورونا المستجد لا يصيب الأطفال واليافعين بأعراض حادة مقارنة بالبالغين.
لكن مع ذلك، لا يزال بعض اليافعين يُصابون بحالات شديدة من مرض «كوفيد- 19»، ولذلك فإن شبح الإصابة بأعراض طويلة الأمد من جرّاء العدوى – وهي حالة تتضمن في بعض الأحيان طائفة من الأعراض المنهكة التي يمكن أن تستمر شهوراً حتى بعد التعرض لنوبة خفيفة من «كوفيد- 19» – دفع عدداً من الأطباء المختصين إلى الحث على تطعيم الأطفال واليافعين في أقرب فرصة ممكنة.
كنوع من المقارنة التحليلية بين هذين الموقفين، نضع بين أيديكم في التالي مقتطفات مختارة من تقرير استطلاعي استعرضت دورية «نيتشر» العلمية من خلاله أحدث ما توصلت إليه الأدلة البحثية بخصوص مدى ضرورة تلقّي اليافعين للقاحات المضادة لمرض «كوفيد- 19».
هل تطعيمهم ضرورة؟
في هذا السياق، قال الدكتور آدم راتنر، أخصائي أمراض الأطفال المعدية بجامعة نيويورك الأميركية: «لقد أمضيت فترة من الجائحة الراهنة في رعاية صغار السن في أحد مستشفيات الأطفال، ولاحظت أن أعداد اليافعين المصابين لم تكن بحجم أعداد المصابين البالغين، لكن مع ذلك فإن عدد المصابين بأعراض شديدة من اليافعين لا يُستهان به».
ورأى الدكتور آدم فين - وهو طبيب أطفال/ يافعين بجامعة بريستول - أن الحالات الشديدة من المرض وكذلك حالات الوفاة بل وحالات «كوفيد- 19 طويل الأمد»، نادرة الحدوث بين الأطفال واليافعين الذين يتمتعون بصحة جيدة.
ومع ذلك، أوصى مستشارو التطعيم في بريطانيا بأن يقتصر التطعيم في الوقت الحالي على المراهقين المعرضين للخطر من الناحية الإكلينيكية فحسب، بالإضافة إلى أولئك الذين يقيمون مع أشخاص بالغين معرّضين للخطر.
لكن في بعض الدول، ما زالت المعلومات والبيانات البحثية محدودة بشأن كيفية تأثير «كوفيد- 19» على اليافعين. فعلى سبيل المثال، لا تُصنّف بعض الإحصائيات الرسمية أعداد المرضى الذين يدخلون المستشفيات وحالات الوفاة جَرَّاء «كوفيد- 19». ومن ثمَّ، لا يتمكن أطباء الأطفال واليافعين من الإلمام بحالات الوفاة التي وقعت بين تلك الفئة، وكيف يمكن أن تتأثر النتائج التي يتمخض عنها مرض «كوفيد- 19» بحالات مرضية أخرى مثل سوء التغذية، أو الإصابة بالسل أو بفيروس نقص المناعة البشرية في وقت متزامن مع «كوفيد- 19».
وعن ذلك، قالت الدكتورة نادية سام - أغودو، وهي طبيبة أطفال ويافعين بكلية الطب التابعة لجامعة ميريلاند الأميركية وتعمل حالياً في نيجيريا: «الواقع أننا نشعر بحال من الجهل الشديد في هذا الصدد».
وإضافة إلى ذلك، يساور القلق بعض أطباء بشأن ما سيحدث للأطفال واليافعين الذين يصابون في وقت متزامن بفيروس كورونا المستجد وغيره من الفيروسات الشائعة، مثل الفيروس المخلوي التنفسي، الذي يُعد أحد أسباب الإصابة بنزلات البرد، ولكنه في بعض الأحيان قد يكون سبباً في إصابتهم بمرض تنفسي أكثر حدة من «كوفيد- 19».
وقال الدكتور دانيلو بونسينسو، وهو طبيب أطفال بمستشفى غاميلي في روما: «إجراءات الإغلاق التام أسهمت في تفادي هذه المشكلة في بعض المناطق. ولكن مع التخفيف من تدابير التباعد الاجتماعي، ظهرت علامات ودلائل تشير بالفعل إلى أن عدوى الفيروس المخلوي التنفسي آخذة في التزايُد لدى اليافعين»، مضيفاً: «نحن لا نعرف حتى الآن مدى الأعباء التي يمكن أن تترتب على الإصابة بعدوى متزامنة لدى اليافعين عندما يحدث انتشار هائل للفيروسات المعتادة جنباً إلى جنب مع كوفيد- 19».
هل هو آمن؟
اختبر علماء وباحثون عدداً من اللقاحات على أطفال ويافعين تزيد أعمارهم على 12 عاماً، بما في ذلك لقاحات قائمة على الحمض النووي الريبي المرسال (mRNA) التي صنعتها شركتي «مودرنا» و«فايزر- بيونتيك»، إلى جانب لقاحين صينيين من إنتاج شركتي «سينوفاك» و«سينوفارم»، حيث توفر بعض الدول - ومنها الولايات المتحدة والصين - لقاحات لهذه الفئة العمرية في الوقت الحالي.
ومن المتوقع قريباً أن تُعلن نتائج دراسات أخرى عن النتائج التي توصلت إليها في ما يخص صغار السن الذين تزيد أعمارهم على 12 عاماً، بما في ذلك دراسات أُجريت على لقاح من إنتاج شركة «زيدوس كاديلا» ولقاح «كوفاكسين» وكلاهما مصنوع في الهند وتعتمد تركيبتهما على نسخ معطلة من فيروس كورونا المستجد،.
وحتى الآن، تبدو تلك اللقاحات آمنة للأطفال واليافعين، وقد مضت بعض الشركات قدماً إلى إجراء تجارب إكلينيكية على يافعين حتى سن 16 سنة. وفي الولايات المتحدة، ربما تتوافر في وقت لاحق من هذا العام لقاحات للصغار ممن هم دون سن 12 عاماً، حسبما قالت طبيبة اليافعين أندريا شين، من جامعة إيموري في أتلانتا بولاية جورجيا الأميركية.
لكن منذ أن بدأت الولايات المتحدة في إعطاء اللقاح لصغار السن، ظهر ارتباط محتمل بين لقاح شركة «فايزر» وبين الإصابة بالتهاب في عضلة القلب، وبالتحديد حالات تُعرف باسم التهاب عضلة وغشاء القلب. ومع ذلك، ما زال يتحتم على الباحثين إثبات أن اللقاح هو السبب وراء حدوث ذلك الالتهاب الذي تعافى معظم الذين أصيبوا به، كما تشير البيانات البحثية إلى أن الخطر الناتج عن تلك الحالات «محدود للغاية».
وعن معدل ذلك الخطر، قال الدكتور ديفيد بيس طبيب الأطفال واليافعين في مستشفى جامعة مالطا: «المعدل هو نحو 67 حالة لكل مليون ممن تلقوا الجرعة الثانية من اليافعين الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 12 و17 عاماً، وتسع حالات لكل مليون فيما يخص اليافعات الإناث في الفئة العمرية نفسها».
هل سيكبح الجائحة؟
قال الدكتور بيس: «حتى الآن، استطاعت مالطا تطعيم نحو 80 في المئة من سكانها بالكامل، وهو ما يُعد أحد أعلى معدلات التطعيم على مستوى العالم. والآن، تستعد مالطا لتلقيح يافعيها ومراهقيها الذين تزيد أعمارهم على 12 عاماً. وقد اتُّخذ قرار تطعيم الصغار في هذه الدولة بناءً على عوامل كثيرة، منها الترابط الأسري الوثيق في بلد يحافظ فيه المراهقون غالباً على التواصل المستمر واللصيق مع أجدادهم».
وأضاف: «على مستوى السكان، قد يؤدي تلقيح المراهقين إلى تقليل انتقال العدوى إلى كبار السن المعرضين للخطر»، مشيراً إلى أن اليافعين والمراهقين في مالطا يسافرون غالباً إلى الخارج للدراسة، ويكون من المحتمل أن يجلبوا معهم من الخارج إصابات بفيروس كورونا والسلالات المتحورة من الفيروس».
ومن جانبها، قالت كاثرين بينيت عالِمة الوبائيات بجامعة ديكين في ملبورن بأستراليا: «تشير بيانات بحثية إلى أن اليافعين والمراهقين بوجهٍ خاص يمكن أن يكون لهم دور بالغ الخطورة في انتقال عدوى فيروس كورونا. وتتزايد المخاوف بشأن انتقال العدوى من اليافعين والمراهقين مع ظهور سلالات متحورة جديدة من فيروس كورونا. ومن الممكن أن تنجح السلالات المتحورة الأكثر قابلية للانتقال في تطوير طريقة لاختراق الاستجابة المناعية لدى المراهقين، وهو الأمر الذي يعزز من ضرور تلقِّي هؤلاء الشباب للتطعيم».
وأضافت: «من الواضح أن الآمال المعقودة على تحقيق مناعة القطيع من خلال التطعيم قد تلاشت، ومن ثم تحتاج دول العالم إلى بذل قصارى جهدها لخفض معدلات انتقال العدوى بشكل دائم. لا يحتاج الأمر أكثر من أن يكون هناك شعب واحد فقط لديه انخفاض في معدلات التطعيم كي يكون ذلك الشعب منصة انطلاق لإنتاج سلالات متحورة على المستوى العالمي».
التعجيل... والتريث
شرعت جمهورية تشيلي، وهي واحدة من الدول التي تتمتع بأحد أعلى معدلات التطعيم ضد فيروس كورونا على مستوى العالم، في توفير لقاحات كوفيد- 19 للأطفال واليافعين ممن هم في سن 12 عاماً أو أكبر.
لكن الدكتور ميغيل أوريان - وهو عضو سابق في لجنتين استشاريتين تابعتين للحكومة في تشيلي وكان من بين مَن طالبوا بإطلاق حملات تلقيح مكثفة – قال إنه يجد نفسه الآن يتساءل عما إذا كان الوقت قد حان للتريُّث.
ويقول أوريان، وهو اختصاصي أمراض الأطفال واليافعين المعدية بجامعة تشيلي في سانتياغو: «ربما لا ينبغي للدول أن تمضي قدماً في تطعيمات الأطفال واليافعين بهذا الإيقاع السريع؛ فثمة دول أخرى، حتى من بين جيراننا، تواجه صعوبات في سعيها للحصول على لقاحات كافية للفئات البالغة المُعرضة للخطر الشديد».
الدكتور أوريان ليس الشخص الوحيد المهموم باستخدام لقاحات غالية لتحصين الأطفال واليافعين في حين أن فئات السكان الأكثر تعرضاً للخطر حول العالم لا يزالون يكافحون لتوفير الإمدادات المطلوبة. ففي مايو الماضي، قال رئيس منظمة الصحة العالمية، تيدروس أدهانوم غيبريسوس: «إن الدول الأكثر ثراءً التي تعكف على تلقيح أطفالها ومراهقيها تفعل ذلك على حساب العاملين في مجال الرعاية الصحية والفئات الأكثر تعرضاً للخطر في دول أخرى».
لكن المدافعين عن فكرة تطعيم الأطفال واليافعين يحتجون بأنه ليس من الضروري أن يتعلق الأمر بترجيح جانب على الآخر. ومن بين أولئك المدافعين الدكتور راتنر الذي قال: «هذه مقارنة مغلوطة نوعاً ما»، وتوافقه الدكتورة سام-أغودو على ذلك، مشيرة إلى أن بعض الدول الغنية اشترت جرعات أكثر من كافية لتطعيم سكانها بشكل كامل، مضيفة: «الحجة الداعية إلى إرسال اللقاحات إلى خارج البلاد لا ينبغي أن تحول دون تلقيح الأطفال واليافعين في الدول ذات الدخل المرتفع».
ورأت الدكتورة بينيت أن «هناك خطواتٍ أخرى يمكن اتخاذها لتحسين إمداد الدول الفقيرة باللقاحات»، مشيرة إلى أنه يمكن تنفيذ مزيد من الإجراءات لتوجيه التبرعات باللقاحات بشكل أفضل. وتابعت موضحة: «على سبيل المثال، بدلاً من تخصيص جرعات اللقاح المهداة على سبيل التبرع للدول استناداً إلى عدد سكانها فقط، يمكن توزيع تلك اللقاحات بناءً على عوامل أخرى مثل: الحاجة إلى الحفاظ على خدمات الرعاية الصحية في مواجهة موسم الملاريا الوشيك أو الحصبة».
واختتمت بالقول: «ربما لم تتوافر لدينا حتى الآن غرفة العمليات الوبائية المطلوبة لتحديد نطاق المشكلة والطريقة المُثلى للتصدي لها، لكن هناك ثمة طائفة واسعة من الطرق والوسائل التي يمكن من خلالها النظر في هذه المسألة وإيجاد حلول مناسبة لها».