رواق الفكر

سقوط المثقفين

17 أغسطس 2021 10:00 م

تنتشر في وسائط التواصل الاجتماعي، أساليب هابطة من السباب والشتائم والتهكم والازدراء بين أبناء الوطن العربي.

وينتشر بينهم تضخم الذات وازدراء الآخر، وبيع الضمير والفجور في الخصومة والطعن في الذمم، رغم تقارب الثقافة واللغة والدين... والمصير المشترك! كل ذلك تحت عناوين الثقافة الكاذبة؛ وحرية النقد؛ والصحيح أن المثقف المسلم ليس بالسباب واللعان والفاحش والبذيء !

وتحت عناوين الدفاع عن الكرامة أو الحرية أو الدين؛ ولكن المثقف الحقيقي هو من يرتقي في حواره وأخلاقه؛ ولا يكون فظاً ولا غليظاً؛ ولا محتكراً للحقيقة، كأنه الحق وما سواه في ضلال مبين.

وإننا نتساءل: أين البناء التربوي والتعليمي العروبي والإسلامي طيلة خمسة عقود أو يزيد؟

إن المنطقة العربية تمتلئ بالمؤسسات الثقافية والإعلامية والدينية. وتزخر تلك المؤسسات على مدار العام بالندوات والمؤتمرات والمعارض والمهرجانات، التي تعزز قيم الحوار والحرية واحترام الرأي الآخر، وتساق الأدلة والتجارب والقوانين، التي تنادي وتكفل تلك القيم.

لا شك أن كل ذلك من المكتسبات التي يجب المحافظة عليها؛ لأنها امتداد حضاري وتنموي ووقود لمسارات النهضة، والبناء الاجتماعي نحو المستقبل.

ورغم ذلك كله يبدو لنا انكشاف سوءة مؤسساتنا، تلك مع المنعطفات والتحديات. وتسقط أقنعة كثير ممن انخدعنا بهم وأطروحاتهم البراقة.

تذكرت مقولة قديمة: (من كان مقتدياً، فليقتد بمن مات؛ فإن الحي لا تأمن عليه الفتنة)!

إذا أردت أن تقيم عقل شبابنا اليوم فكرياً وثقافياً، فما عليك سوى مراجعة تغريدات تويتر، لتدرك حجم المستوى الذي نعانيه. ولو بحثنا الأسباب الرئيسية لمثل هذه الكوارث، لقادنا البحث إلى الخيط الأساسي لها كلها وهو انهيار الأخلاق !

نعم الاخلاق؛ إذا انهارت، فلا تسأل عن المؤسسات ولا منتجاتها مهما كانت قداستها.

أليس الخلق القويم يحثنا على احترام الناس وكراماتهم وآرائهم. أليس الخلق هو من يوجهنا نحو التواضع المعرفي وتقدير الكبار من العلماء والمختصين؟!

لن تٌبنى أمة تهاوت أخلاق أبنائها، ولن تسود حضارة وئدت بنيات أفكارها !

حين تنتهك حرمة المعلم؛ ويهان الطبيب؛ ويطعن في القضاء؛ وتلوك الدهماء... فانتظر البلاء.

حين يتعطش شبابنا إلى الظهور البائس في منصات التواصل، كسباً للمال والشهرة والنجومية الخادعة، وتسويقاً للتفاهة والسطحية... فانتظر البلاء !

جاء في الحديث: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

لنراجع ما نكتب ونقول... ولنرفع من مكانة المعلم والطبيب والمهندس والقاضي، لنرفض كل إساءة... ونرحب بالنقد البنّاء المؤدب... فالتحديات كثيرة والطموحات أكثر، وعلى الشباب أن ينشغلوا بالبناء الذاتي من علم ومعرفة وبحث ورياضة... وغيرها من النافع المفيد... ومن استعجل الثمر والتصدر قبل بلوغه عوقب بحرمان... ولكل أجل كتاب.