انسجمت نفسياً وفكرياً مع زوجة البواب.
امرأة من بدو الأرياف.
غير متعلمة.
جارت عليها الدنيا.
قاست وعانت كثيراً وضحت بمرارة قاسية، ثم جنت ثمار تجاربها حكمة ومنطقاً ورجاحة عقل ومهارة في الإنصات والحديث والتحليل؛ ما يعادل عشرات الكتب وحصص الجامعات وشهادات الامتياز.
انجذبت روحي إليها وارتحت لمجالستها.
فصرت أقتنص الفرصة لعمل القهوة اللذيذة والصعود للجلوس معها والحديث.
تخبرني عن حياتها ومعاناتها المختلفة فتطير روحي بعيداً تصوّر وتتخيل.
فأكتب وأرسم في خيالي مع كلماتها وتعبيراتها وانفعالاتها... فكأنني في محيط مدرسة أتعلم معها كل جديد، أو بين جدران مكتبة عظيمة أنهل من كتبها ولا أشبع أو أملّ.
وكيف وأنا المحاطة إما بشرور مافيات الأوساط الثقافية والأكاديمية، التي تعج بالحقد والغيرة والتنافس غير الشريف.
أو المعجونة بالغربة، وإما للفقدان واليتم ونبذ الأهل والأصحاب والمجتمع.
رأتني جارتي «المثقفة المتعلمة» أكثر من مرة بجوارها نتكلم أو نضحك.
وبعد مرور يومين.
رنّ جرس الباب وإذا جارتي تنهال علي عتباً وتسمعني محاضرة طويلة عن أهمية ترك مسافة بيني وبين زوجة البواب... ثم «كيف تتنازلين وتجالسينها وأنت أكاديمية وكاتبة معروفة»!
شعرت بالاشمئزاز من كلامها، لدرجة أنني أغلقت الباب دون أن أرد أو أعلّق.
فقط أردت أن أنتهي من الموقف بسلام وأنساه.
يااااه يالقبح العنصرية والطبقية والتعالي والغرور.
إن تلك البدوية الريفية أكثر علماً ونبلاً وحكمة من حملة الشهادات الذين يفتقدون لفن الذوق والتواضع والتأدب.
ما أبشعكم، وأبشع نفوسهم المشوهة الضيقة ووعيكم المحدود.
إن الطبقات وجدت كي نكمل بعضنا البعض، وليس لندوس ونحتقر من هم أقل حظاً منا... هكذا علمني ورباني أبي.
إن لم يستطع العلم تهذيب نفسي وغرس الأخلاق فيها.
فلا وزن له.
فالعلم والخلق الرفيع لا ينفصلان... العلم دون خلق مجرد ورقة في برواز معلقة على الجدار.