خطّ مشوار الحياة كاريكتيرياً، غامزاً من هنا ولامزاً من هناك، مغلفاً الواقع عبوساً أو ضحكاً... ووفق ما يبصره الرائي.
عبدالسلام مقبول، فنان الكاريكاتير، الذي غادر الفانية عن 69 عاماً، ووري الثرى عصر أمس في مقبرة صبحان، أمضى جل حياته مسلطاً ريشته على قضايا المجتمع وهمومه محلياً وعربياً.
مقبول تقفى خطوات المهمشين والباحثين عن الطمأنينة والهدوء وسط الصخب الحياتي... لم يكن فناناً بالمعنى التقليدي، بقدر ما كان إنساناً، يبحث عن الجديد، الذي من خلاله تكون الرؤية أكثر وضوحاً ونضجاً، تلك التي تساهم بشكل خلّاق في تحريك الساكن، من أجل إلقاء الضوء على الهموم التي تعترض مسيرة المجتمع في كل حالاته.
ورحيل مقبول لم يكن سهلاً على من عرفه عن كثب، وتحدّث معه، وأدرك أن لديه مشاعر صادقة تجاه الجميع، كما أنه كان من الداعمين للشباب، من خلال وجوده معهم خلال أمسياتهم، أو أنشطتهم الفنية المختلفة.
لقد ترك الراحل أعمالاً كاريكاتيرية خالدة، من خلال رسوماته في الكثير من الجرائد اليومية في الكويت وخارجها، بالإضافة إلى معارضه العديدة، التي كانت تبرز الجوانب الإنسانية المضيئة في حياته. واضعاً في أولوياته قضايا الوطن، وما تمثله من حياة.
ونعى عدد من المثقفين والفنانين الرسام الراحل، ومن جانبها نعتت جمعية الكاريكاتير الكويتية الفنان القدير عبدالسلام مقبول، مؤكدة أنه من رواد الفن الكاريكاتيري ومؤسسيه.
وأعربت الجمعية عن خالص تعازيها ومواساتها لأسرة الراحل.
«الراي»، تواصلت مع عدد من رسامي الكاريكاتير، والبداية كانت مع الزميل بدر بن غيث، الذي قال: «المرحوم الفنان عبدالسلام مقبول... هو أول فنان علّمني، رغم أنني لم أره ولم يرني في البداية، وبعد ذلك التقيت به وعرضت عليه أعمالي ورحب بي خير ترحيب، وهو من أعطى لي أول درس في التواضع، فقد أمسك بيدي وشاهد أعمالي المتواضعة في بداياتي وأعطاني ملاحظاته، والتشجيع الكبير، ثم بفضل ذلك قدّمت أوّل معرض شخصي لي في الجامعة، ومنذ ذلك الوقت إلى رحيله، لم أنقطع عن التواصل معه، كما كان يحضر جميع الأمسيات ويدعم الشباب».
وأضاف «أتذكر الكثير من اللحظات السعيدة التي كنا نعيشها في وجوده معنا كشباب، ففي الأمسية التي خصصناها له قال إنه تأثر بوفاة الفنان القدير عبدالحسين عبدالرضا، ومن ثم فقد قدّم له عملاً مميزاً، وبكى وتذكر الكثير من أعماله الخالدة».
وأردف بن غيث: «رحمه الله، أحد رواد الكاريكاتير في الكويت، وله عطاءات كبيرة ومساهمات وأعمال باقية، خصوصاً الوطنية، والتي تتعلق بفترة الاحتلال ومخاطرته في تصوير جيش الاحتلال، وكذلك تصويره الصامدين، ومشاركته في رسم البوسترات وديكورات المسرحيات والأوبريتات الوطنية، فرحمه الله يعدّ مدرسة في الكويت والخليج والوطن العربي».
وقالت الزميلة الفنانة سارة النومس: «الفنان عبدالسلام مقبول كان قامة كبيرة بالنسبة إلى جميع الفنانين الشباب، وكنت أعتقد أن من الصعب بمكان الاندماج مع كبار فناني الكاريكاتير لاختلاف الأعمار والإمكانات بيننا، لكن المرحوم بتواضعه كسر هذه الأفكار، فكان يشجعنا على النهوض بالفن الكاريكاتيري الكويتي، كما كان طيّب القلب وصادقاً وصريحاً جداً، ولم يكن يعرف المجاملات، لذلك أحببت شخصيته جداً... إن وفاته رحمه الله خسارة للفن الكويتي ولنا كفنانين، فهو طاقة فنية كبيرة كنا نحتاجها - وما زلنا - في الساحة الفنية الكويتية».
من جانبه، قال الفنان محمد المشموم: «أستاذنا الراحل عبدالسلام مقبول - رحمه الله - يعد أحد عمالقة فن الكاريكاتير في الكويت، وأحد أهم رواده، حيث تتلمذ على يده العديد من رسامي الكاريكاتير البارعين، كان رحمة الله عليه ملهماً ومشجعاً على الدوام خصوصاً الفنانين الشباب، وكان يرى فيهم مستقبل هذا الفن الهادف والمؤثر والمهم».
وأضاف المشموم «كان رحمه الله دائم الابتسامة، كبيراً بفنه وتواضعه، علم أبجديات فن الكاريكاتير وسلم مفاتيح الإبداع لجيل الشباب، إن رحيله خسارة لا تعوّض أبداً للساحة الفنية والصحافية والثقافية، لقد خسرنا مفكراً مبدعاً وأستاذاً ينهض بالهمم... إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولاقوة إلا بالله».
بدوره، قال فنان الكاريكاتير المهندس مشعل ملا حسين: «الأستاذ الكبير عبدالسلام مقبول - رحمه الله - كان من الداعمين الأساسيين للطاقات الشبابية، ولفكرة تأسيس كيان رسمي يمثل حركة الكاريكاتير والكرتون في الكويت، من خلال دعم أنشطة وفعاليات رابطة الكاريكاتير الكويتية منذ سنه 2012 والتي كانت أحد أحجار الأساس لانطلاق وإشهار جمعية الكاريكاتير الكويتية».
وأضاف «كان المرحوم شعلة لا تنضب من العطاء والدعم للطاقات الشبابية، وانطلاقة للعديد من الأجيال، فقد تعلمت من خلال متابعة رسوماته في مجال الكاريكاتير في الصحف والمجلات، وأنا شخصياً كنت من المحظوظين بمقابلته، لأنني تعلمت منه الكثير من خلال احتكاكي معه في الرابطة والمعارض التي شاركت فيها، ومهما قلت لن أوفي هذا الإنسان حقه... الله يرحمه ويغفر له ويسكنه فسيح جناته».
«الوطني للثقافة»: فقدنا فناناً رائداً وذا فكر نيّر في مجال الكاريكاتير
نعى وزير الإعلام والثقافة وزير الدولة لشؤون الشباب عبدالرحمن المطيري وأمين عام المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب كامل العبدالجليل الفنان ورسام الكاريكاتير الرائد عبدالسلام مقبول الذي وافته المنية أمس.
من جانبه أكد الناطق الرسمي للمجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب الدكتور عيسى الأنصاري: «ان الفقيد يعد علماً من أعلام فن الكاريكاتير في الكويت والوطن العربي، وساهم بفكره وريشته في الارتقاء بدور هذا الفن ذي الرسالة الاجتماعية – السياسية في آن معاً، معالجاً الكثير من القضايا التي تهم المجتمع وحياة الناس وهمومهم اليومية.
فلقد كان للفنان عبدالسلام مقبول دور كبير في الارتقاء بالصحافة الكويتية من خلال رحلة عطاءاته الطويلة والقيمة في العديد من الصحف المحلية اليومية، حيث شارك برسمه وكتاباته فيها بشكل فعّال ومميز، وساهم في رفع الذائقة الفنية من خلال تصاميم البوسترات والديكورات المسرحية والتلفزيونية».
وأضاف «وكان المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب قد احتضن أعماله في معرض بعنوان (40 عاماً في حب الكويت) شهدته قاعة أحمد العدواني قبل سنوات مضت، واستحق بسبب نشاطه وعمله العديد من الجوائز وشهادات التقدير عن أعماله الإبداعية داخل وخارج الكويت».
وتقدم الأنصاري باسم جميع العاملين في المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب بخالص التعازي والمواساة إلى أسرة الفقيد والأسرة الثقافية والفنية الكويتية بغياب هذا الرائد والفنان الكبير، سائلاً المولى عزّ وجلّ أن يلهم الجميع الصبر والسلوان، وأن يتغمده بالرحمة والمغفرة وأن يدخله فسيح جناته.
ريشة وسطور
ولد مقبول في الكويت عام 1952، عمل رساماً للكاريكاتير على الصفحة الأخيرة في الكثير من الصحف الكويتية ومنها الوطن، السياسة، القبس، وأخيراً الأنباء. وحصل على العديد من الجوائز العالمية والعربية والمحلية وشهادات التقدير لأعماله الإبداعية في الكاريكاتير والفن التشكيلي وتصميم الشعارات والبوسترات والديكورات المسرحية والتلفزيونية والكتابات الصحافية.
ومن الجميل أنه - رحمه الله - قد أورث إبداعه لابنتيه الفنانة هيا عبدالسلام والمخرجة لولوة عبدالسلام، كي تكملا مسيرة والدهما في الإبداع، الذي يرقى إلى مستويات إنسانية عالية.
تتقدم أسرة فنون «الراي» بخالص العزاء والمواساة للفنانة والمخرجة هيا عبدالسلام وزوجها فؤاد علي لوفاة المغفور له بإذن الله تعالى والدها الذي وافته المنية. «الراي» تتمنى للفقيد الرحمة والمغفرة ولأهله الصبر والسلوان. «إنا لله وإنا إليه راجعون».