بعد سنتين من انحباس الأمطار، دخلت ولاية كاليفورنيا الغربية، التي يسكنها 40 مليون نسمة وصاحبة أكبر اقتصاد بين الولايات الأميركية، ومعها جارتها نيفادا، حيث كازينوهات لاس فيغاس الشهيرة عالمياً، مرحلة الجفاف الشديد، يرافقه تناقص سريع للثلوج على قمم الجبال الشمالية التي تغذي بحيرات الولايتين وانهاريهما، مع انخفاض في مستويات المياه الجوفية إلى معدلات غير مسبوقة تاريخياً، بينما تشير تقارير الوكالات البيئية الفيديرالية الى أن ما يقارب 40 في المئة من الولايات تعيش الآن في ظروف قحط وجفاف قاس.
وأثار الجفاف القاسي في كاليفورنيا ونيفادا وجنوب البلاد الغربي عموما المخاوف حول امكانية اندلاع موسم حرائق الغابات قبل موعده بأشهر، مع تراجع قدرة اطفاء الحرائق بسبب شح المياه، وكذلك بسبب ضعف القدرة على توليد الكهرباء مع انخفاض المياه في البحيرات الى معدلات أقل ارتفاعاً من المطلوب خلف السدود لتشغيل محطات التوليد الكهرومائية، وهو ما سيضطر حكومات هذه الولايات الى زيادة الانفاق للاعتماد على الكهرباء التي يتم توليدها عن طريق النفط والغاز، ما يفاقم من أزمة ارتفاع معدلات ثاني أوكسيد الكربون في الهواء.
ودق خبراء البيئة ناقوس الخطر، في وقت وقف وزير الخارجية انتوني بلينكن أمام لجنة المخصصات المالية في مجلس الشيوخ لطلب تخصيص مليارين ونصف المليار دولار لتسريع الاستجابة العالمية لأزمة المناخ.
هذه الأموال سيتم تخصيص نصفها لـ «صندوق المناخ الأخضر الأميركي لمساعدة البلدان النامية على تنفيذ برامج التكيف مع المناخ، وتخفيف الانبعاثات، وهو ما يصب في مصلحتنا مباشرة»، حسب الوزير الأميركي.
وصادفت تصريحات بلينكن في ذكرى يوم المحيطات العالمي، والذي أصدرت لمناسبته، وزارة الخارجية بيانا جاء فيه أن المحيطات تغطي «أكثر من 70 في المئة من سطح الأرض، وتقدم سبل العيش لمليارات البشر حول العالم، وتوافر أكثر من نصف الأوكسجين الذي نتنفسه».
وأضاف البيان أن «الولايات المتحدة حددت هدفاً يتمثل في تحويل 30 في المئة من أراضينا ومياهنا الى محميات طبيعية بحلول العام 2030»، وأن «الجهود المبذولة لتوسيع المناطق البحرية المحمية هي جزء مهم من تحقيق هذا الهدف، لأنها أداة أساسية يمكن أن تساعد في حماية التنوع البيولوجي، ودعم مصايد الأسماك، والتقاط الكربون وتخزينه، وبناء قدرة المحيطات على الصمود».
وتابع البيان أن على الولايات المتحدة «معالجة أزمة تلوث المحيطات بالبلاستيك، والعمل مع الدول والتنسيق في اتخاذ إجراء عالمي» في هذا السياق.
عن أزمة المناخ، أشار البيان الى أنها أزمة للمحيطات كذلك، إذ هي «تمتص من 20 إلى 30 في المئة من انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون التي يسببها الإنسان»، وأن «أكثر من 90 في المئة من ارتفاع درجة حرارة الأرض - على مدار الخمسين عاما الماضية - كانت في المحيطات».
كما أن «ارتفاع مستوى سطح البحر، وتحمّض المحيطات، وابيضاض الشعاب المرجانية، وأضرار العواصف والفيضانات، والتغير في وفرة وتوزيع الأنواع البحرية، وفقدان التنوع البيولوجي، كلها ليست سوى بعض من آثار التلوث والاحتباس الحراري»، وهو ما «يعرّض المجتمعات للخطر في كل أنحاء العالم».
في هذه الأثناء، أشارت تقارير الوكالات البيئية الفيديرالية الى أن ما يقارب 40 في المئة من الولايات المتحدة تعيش الآن في ظروف قحط وجفاف قاس، وأن الجزء الغربي من البلاد عموماً يعاني من أشد جفاف اتساعا وشدة في القرن الحادي والعشرين.
ويقول الباحثون في مجال المناخ إن جبال سييرا نيفادا في كاليفورنيا «شهدت أسرع ذوبان للجليد من على قممها هذا العام، اذ أدى ارتفاع معدلات درجات الحرارة، وفقدان الماء في الغلاف الجوي، الى تحوّل الكثير من الثلج مباشرة إلى هواء، بدلا من الذوبان والجريان بشكل سطحي لتغذية المياه الجوفية».
والجليد على قمم جبال كاليفورنيا يوفر 30 في المئة من إمدادات المياه للولاية سنوياً، وهو هذا العام تبخّر قبل شهرين من الموعد المعتاد، في وقت تعاني الخزانات الرئيسية للولاية، مثل بحيرة أوروفيل، انخفاضاً في مخزونها الى مستوى أدنى مما كانت عليه خلال الجفاف القاسي الذي شهدته بين 2012 و2016.
في الأثناء، يشهد حوض نهر كولورادو حالة جفاف شديدة، كما رجّح الباحثون امكانية اندلاع موسم حرائق شديد في غابات كاليفورنيا، بسبب مزيج النباتات الجافة مع درجات حرارة أعلى من المعدّل، وان حصل ذلك، سيكون في أعقاب أسوأ موسم حرائق شهدته الولاية في تاريخها، العام الماضي.
وتشير الدراسات إلى أن هذا الجفاف، الذي تم قياسه باستخدام بيانات رطوبة التربة وحلقات الأشجار، هو ثاني أسوأ جفاف تشهده البلاد في الأعوام الـ 1200 الماضية.
كما تظهر الدراسات أنه مع استمرار ارتفاع درجة حرارة الكوكب، سيصبح الجنوب الغربي للولايات المتحدة أكثر جفافا وسخونة، وهو أمر مقلق، بالنظر إلى احتمال زيادة الضغط على الموارد المائية، وسط طفرة سكانية في ولايات مثل أريزونا ونيفادا، المجاورتين لكاليفورنيا.
هكذا، يحذّر الخبراء الأميركيون من مغبة عدم تقليص العالم لانبعاثات غازات الاحتباس الحراري بشكل حاد، ابتداء من هذا العقد، تحت طائلة ارتفاع درجة حرارة المزيد من المناطق الأميركية والعالم، وهو ما يهدد بإطلاق العنان لتأثيرات كارثية، مثل ذوبان أجزاء من الغطاء الجليدي في انتاركتيكا.
أما في الوقت الحالي، فيقدم الجفاف القاسي في جنوب أميركا الغربي، وموسم حرائق الغابات المتوقع، عيّنة مؤسفة عمّا قد يليه في السنوات القليلة المقبلة.