تتسارع المؤشرات التي تشير الى بدء انحسار وباء فيروس كورونا المستجد في عموم الولايات المتحدة، في وقت قاربت نسبة الملقحين الخمسين في المئة بين السكان، وفي حين وصل معدل المصابين الى 10 بين كل 100 ألف من السكان، وهو الأدنى منذ بدأت الإصابات تتفشى في البلاد في مارس من العام الماضي.
كذلك بدأت الولايات، تسجّل انخفاضاً في أرقام الوفيات والإصابات لم تشهدها منذ بدء انتشار الوباء، فأعلنت تكساس أنها لم تسجل أي حالة وفاة في عطلة نهاية الأسبوع، بينما سجلت ميريلاند، 200 إصابة فقط، يوم الجمعة، مع بلوغ نسبة الملقحين في الولاية 42 في المئة من إجمالي السكان البالغ عددهم ستة ملايين.
وتشير التقارير الأميركية الى أن واحداً من كل أميركيين اثنين تم تلقيحه، وأن سرعة التلقيح اليومية تراجعت لتصل الى مليون و700 ألف، في وقت لدى البلاد المقدرة على تلقيح أربعة ملايين يومياً، وهو الحد الأقصى الذي سجلته للملقحين يومياً قبل أسابيع.
وبسبب تباطؤ أرقام الملقحين الجدد، فتحت الولايات أبواب التلقيح للمراهقين الذين تراوح أعمارهم بين 12 و15 عاما، في وقت تواصل شركة «فايزر»، منتجة أحد أبرز لقاحين أميركيين، اجراء اختبارات على خطين: الأول لتلقيح الأطفال ما دون 12 عاماً، والثاني لانتاج دواء لعلاج المرضى ممن تتم إصابتهم بالفيروس.
أما حكومات الولايات، فتستعين بالمشاهير لحض الأميركيين على تلقيح أنفسهم.
وانخرط الرئيس جو بايدن نفسه في الحملة، اذ دعا الأميركيين جميعاً الى تلقي اللقاح، وقال إن من يرفضون اللقاح يعرّضون أنفسهم لمخاطر صحية، بما في ذلك مرض «كورونا على المدى الطويل»، أي العوارض التي تلازم من تم شفاؤهم من الفيروس لبضعة أشهر أو أكثر.
وتعاني الولايات المتحدة، كما معظم دول العالم، من مجموعات كبيرة من المشككين، لا باللقاح المضاد فحسب، بل لمبدأ التلقيح نفسه، ويعتقدون أن لديه تأثيرات صحية سلبية.
ومن أبرز معارضي اللقاح بشكل عام الممثل الهوليودي الشهير روبرت دينيرو.
وحاول بعض معارضي حملة التلقيح الإشارة الى عدم فعالية اللقاح، وقالوا إنه قد يحمي ضد الفيروس الأساسي، لكنه لا يحمي ضد المتحورات، أو النسخات المتطورة.
لكن التقارير العلمية في أميركا وأوروبا تشير الى أن متحورات البرازيل وبريطانيا والهند تنتقل بفعالية أكبر وبشكل أسرع بين الناس، لكن هذا هو التحور الوحيد الذي طرأ على الفيروس، وهو ما يعني أن فعالية اللقاح في مكافحته وكل متحوراته لاتزال عالية جدا.
على أنه ورغم النجاح الباهر الذي تعيشه أميركا لناحية سرعة عملية التلقيح التي قادتها الحكومة الفيديرالية، والتي جعلت من أميركا الثامنة في العالم من حيث نسبة التطعيم، خلف دول أصغر منها بكثير، هو نجاح شابه فشل تمثل في الارتباك الذي رافق عملية الانتهاء من الوباء.
الاجراءات التي كان المطلوب من الأميركيين اتخاذها ابان انتشار الفيروس، مثل ارتداء كمامات والتباعد الاجتماعي، شهدت ارتباكاً كبيراً وفوضى، وهي إجراءات لم تعمد حكومة الرئيس السابق دونالد ترامب الى فرضها على المستوى الفيديرالي، وهو ما ترك حرية القرار لحكومات الولايات والمجالس المحلية في المقاطعات، فتفاوتت الاجتهادات والقرارات، وتحول موضوع ارتداء الكمامة الى موضوع سياسي، وراح ترامب والجمهوريون يعتبرون أن فرض الكمامة هو تعدٍ على الحريات الشخصية للأفراد، فساهم ذلك في تسريع انتشار الفيروس على أوسع نطاق ممكن.
هذه المرة مع إدارة بايدن، تسود فوضى مشابهة، وأن لا نتائج كارثية لها مثل فوضى ترامب، اذ إن حكومة بايدن لم تصدر قرارات مركزية لانهاء اجراءات الوقاية الاحترازية التي كانت مفروضة لمكافحة انتشار الوباء، واكتفت بقيام «مكتب السيطرة على الأمراض» بنشر تعاميم أشار فيها الى أنه يمكن لمن تلقوا اللقاح بالكامل، أي من مرّ اسبوعين على تلقيهم الجرعة الثانية من اللقاحات التي تتطلب جرعتين، العودة الى الحياة الطبيعية كما قبل «كورونا»، بما في ذلك تواجدهم في اماكن مغلقة مزدحمة من دون كمامة، من دون الخوف من التقاط أي عدوى أو نقلها لآخرين.
وقال مسؤولو الإدارة أن هدف التعاميم هو تحفيز غير الملقحين على المسارعة الى تلقيح أنفسهم للعودة للحياة الطبيعية من دون تباعد اجتماعي ولا كمامات.
لكن التعميم سمح للمشككين بالفيروس وخطورته بالتخلي عن الحذر من دون أن يكونوا قد تلقوا اللقاح، وهو ما يعني أنهم قد يواصلون تعريض أنفسهم وغيرهم لعدوى الفيروس ويساهمون في مواصلة انتشاره.
وقال المستشار الرئاسي لشؤون مكافحة فيروس كورونا الدكتور انتوني فاوتشي إن الحكومة ستعتمد نظام «ميثاق الشرف»، أي أن يقوم من تلقوا اللقاح فقط بالتخلي عن إجراءات الوقاية، وأن يحافظ من لم يتلقوا اللقاح على الاجراءات.
لكن «ميثاق الشرف» قد لا يلتزمه كثيرون، إن لم يكن الغالبية، ما دفع بعض الدول الى انتاج تطبيقات هاتفية هي بمثابة هوية صحية تؤكد ان كان حامل الهاتف قد تلقى اللقاح أم لا.
لكن هذا النوع من التطبيقات يلقى معارضة واسعة في الولايات المتحدة، بسبب هوس غالبية الأميركيين بـ«الحرية الفردية»، واعتبار أي وثائق أو تطبيقات من هذا النوع بمثابة تعقب حكومي للأفراد ووضعهم الصحي وأماكن تواجدهم، وهو ما يقضي على فكرة اصدار بطاقات أو تطبيقات هاتفية تظهر ان كان صاحبها تلقى اللقاح أم لا.
لكن فوضى الانفتاح لا توازي بمآسيها فوضى انتشار الوباء، اذ في الثانية انخفاض للفيروس بشكل عام، وهو ما يعني انخفاض عدد المصابين ممن يتم نقلهم للمستشفيات، التي صارت الأجنحة التي كانت مخصصة فيها لمرضى فيروس كورونا شبه خالية، مقارنة بالفوضى التي نجمت عن الاقفال لمكافحة انتشار الوباء، وهي الفوضى التي نجم عنها ازدحام المستشفيات بشكل كان ينذر بانهيار النظام الصحي الأميركي تحت وطأة تدفق المصابين، الذين سجلوا رقماً عالمياً جعل من أميركا الأولى في العالم لناحية عدد الاصابات.
مع انحسار وباء فيروس كورونا، وتوقعات بأن تتراجع أميركا الى المركز الثاني عالمياً بعد الهند في اجمالي عدد الاصابات، اعتبر المراقبون الأميركيون أن بايدن سيجنى مكاسب سياسية واسعة بسبب انحسار الوباء أثناء رئاسته، بغض النظر عن حجم الدور الذي لعبه في ذلك.