السعوديّة واليمن... وأميركا وإيران

29 أبريل 2021 07:00 م

لعلّ اهمّ ما ميّز الحديث الأخير للأمير محمّد بن سلمان وليّ العهد السعودي، تلك اللهجة التصالحيّة مع "الجمهوريّة الإسلاميّة" في ايران وتأكيد أن المملكة العربيّة السعودية تسعى إلى علاقات جيّدة معها، إذ قال "إنّ السعودية تنظر إلى إيران بصفة كونها دولة جارة" مشيراً إلى أن الرياض "تطمح الى تكوين علاقات جيدة معها، لكن المشكلة في سلوك طهران السلبي سواء عبر برنامجها النووي أو دعم ميليشيات خارجة عن القانون".

يعكس كلام وليّ العهد السعودي، كذلك اشارته الى اليمن وعلاقة الحوثيين بايران من دون استبعاده الجلوس مع الحوثيين الى طاولة المفاوضات، إلى أنّ المملكة تتعاطى مع الواقع. قد يكون التعاطي مع الواقع وراء الاجتماعات السعوديّة – الإيرانية التي انعقدت في بغداد وما يقال عن اجتماعات أميركية – سعوديّة – إيرانية شارك فيها وليام بيرنز مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركيّة (سي. آي. إي) الذي قام بزيارة للعاصمة العراقيّة احيطت بالسرّية ولم تكشف عنها وسائل اعلام أميركية الّا بعد حصولها.

تشير هذه الزيارة الى انّ إدارة بايدن غير مستعدّة للتوصل الى اتفاق جديد مع ايران في شأن ملفّها النووي من دون مشاركة اطراف اقليميّة أخرى واطلاعها على ما يدور بين واشنطن وطهران.

تختلف إدارة بايدن في هذه النقطة عن إدارة اوباما التي حصرت المفاوضات السرّية مع ايران بها. اجري معظم هذه المفاوضات في سلطنة عُمان التي لا تزال تلعب دوراً متميّزاً في الوقت الحاضر في التقريب بين السعودية والحوثيين عن طريق جهود يبذلها المبعوث الأميركي الى اليمن تيموثي ليندركينغ.

ثمّة معلومات تؤكّد التوصل الى اتفاق بين السعوديين والحوثيين في شأن وقف شامل لاطلاق النار وذلك في موازاة المبادرة التي أعلنت عنها المملكة في العشرين من مارس الماضي. لم تتحدّث المبادرة السعوديّة عن وقف شامل للنار فحسب، بل تحدّثت أيضاً عن رفع جزئي للحصار عن مطار صنعاء وميناء الحديدة.

ما كشفه تطوّر الأحداث أن القرار الحوثي قرار إيراني اوّلا وأخيراً، اذ سارع حسن ايرول، الضابط في "الحرس الثوري" الإيراني المقيم في صنعاء، الى رفض المبادرة السعوديّة مع ما يعنيه ذلك من اعتراض إيراني على أي اتفاق تتوصّل إليه الرياض مع الحوثيين.

يظهر، من خلال زيارة مدير "سي. آي. إي" لبغداد ان إدارة بايدن لن تقدم على أي خطوة في اتجاه ايران من دون تشاور مع حلفائها الخليجيين. في النهاية، انّ بيرنز ليس شخصاً عادياً في ضوء الدور الذي لعبه في عهد أوباما في التوصل الى الاتفاق في شأن الملفّ النووي الإيراني. يعرف بيرنز تماماً هذا الملفّ بادق تفاصيله ويوليه اهمّية كبيرة.

أكثر ما يدلّ على ذلك ان عنوان كتابه الذي صدر قبل سنوات عدّة، وكان نوعاً من المذكرات، كان "القناة الخلفيّة". أراد ان يؤكّد بذلك ان من أهم ما قام به خلال سنوات طويلة أمضاها في الخارجية الأميركية كان انشاء تلك القناة الخلفيّة مع ايران في مرحلة ما قبل التوصل الى الاتفاق النووي صيف العام 2015 قبل اشهر قليلة من مغادرة باراك أوباما البيت الأبيض.

من المفيد العودة الى حديث محمّد بن سلمان للتوقف عند نقطة مهمّة هي العلاقة الأميركية – السعودية واشارته الى تفاهم بين الجانبين بنسبة تسعين في المئة مع ما يعنيه ذلك من رغبة سعودية في اعتماد الصراحة والشفافيّة بين الجانبين.

لكنّه يبقى الاهمّ من ذلك كلّه السؤال المطروح في شأن ايران وما تنوي عمله. هل صحيح انّها مستعدة للدخول في مفاوضات مع الجانب الأميركي تشمل بين ما تشمل برنامجها النووي وصواريخها البالستية وسلوكها في المنطقة، وهو سلوك لا يطمئن اطلاقاً، خصوصا في ضوء ما مارسته، وما زالت تمارسه، ميليشياتها في العراق وسورية ولبنان... واليمن.

لدى إيران فرصة كي تؤكّد انّها قادرة، بنظامها الحالي، على ان تكون عامل استقرار في المنطقة، خصوصاً ان إدارة بايدن تؤكّد يوماً بعد يوم استعدادها لايجاد صيغة اتفاق تشمل إعادة الحياة الى الاتفاق في شأن ملفّها النووي في اطار أكثر شمولاً يأخذ في الاعتبار عوامل أخرى بينها الصواريخ والسلوك الايراني خارج حدود "الجمهوريّة الاسلاميّة".

ثمّة مكان تستطيع ايران ان تُظهر فيه انّها ستتعاطى مع اميركا ومع دول الجوار بحسن نيّة. هذا المكان هو مدينة مأرب والمنطقة المحيطة بها التي تصر "الجمهورية الاسلاميّة" على السيطرة عليها وذلك قبل السماح للحوثيين في الجلوس الى طاولة المفاوضات.

تستخدم ايران حالياً الهجمات التي تتم عن طريق الموجات البشريّة للاستيلاء على مأرب. يدفع اليمنيون المساكين الذين جيّشهم الحوثيّون الثمن. يمتلك الحوثيون القدرة على الاتيان بمزيد من المقاتلين من أجل شن مزيد من العمليات الانتحارية في حين، يبدو ان سلاح الجوّ التابع للتحالف العربي استطاع الى الآن مساعدة "الشرعيّة" اليمنية في صدّ الهجمات على مأرب نفسها.

تعتقد إيران أن سقوط مأرب سيعني انّه صار لدى الحوثيين دولة متكاملة قابلة للحياة، لديها موارد طبيعية، خصوصاً ان في مأرب معامل كهرباء وسدّ للمياه وثروة نفطية وخط أنابيب يمتدّ الى ميناء الحديدة.

مثلما أن لبنان صار ورقة في الجيب الإيراني، تريد ايران ان تكون الدولة الحوثية في شمال اليمن ورقة أخرى تستخدمها في ايّ مفاوضات مع الولايات المتّحدة ودول الجوار. وهذا ما يفسّر الى حد كبير ذلك الإصرار على تحقيق انتصار في مأرب في هذه الايّام بالذات.

تبدو المعادلة اليمنيّة في غاية التعقيد، حتّى على ايران نفسها التي ترفض الاعتراف بان أيام باراك أوباما ولّت الى غير رجعة. ما لم تستوعبه ايران، على الرغم من أنّ استثمارها في اليمن لم يكلّفها الكثير، انّه مثلما ان لا فائدة تذكر من "الشرعيّة" اليمنيّة القائمة من دون إعادة تشكيل لها، لا يستطيع الحوثيون ان يكونوا دولة. يستطيع هؤلاء، الذين يسمّون أنفسهم "جماعة انصار الله"، ان يكونوا جزءاً من دولة.

وهذا ما يفهم من كلام محمّد بن سلمان. إنّهم جزء لا يتجزّأ من التركيبة اليمنية التي لا يستطيع فيها أحد إلغاء أحد. إذا فهمت إيران هذا الواقع واستوعبته يمكن أن يكون للقاءات التي حصلت في بغداد أفق سياسي ما، إن بالنسبة الى العلاقات الأميركية – الإيرانية او السعوديّة – الايرانيّة.