قطاع ناشئ لتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة لا يزال رهن التحذيرات والمنع والنظرات الحائرة

التمويل الجماعي... طفرة استثمارية عالمية تفتقد وعاءها القانوني في الكويت

21 أبريل 2021 07:00 م

ظهرت مع الطفرة الإلكترونية التي يعيشها عالم الأعمال اليوم، حلول عملية لتمويل الشركات الناشئة الصغيرة منها والمتوسطة، من بينها صور التمويل الجماعي، والتي تعتمد على منصات إلكترونية تنطلق منها الإعلانات الخاصة بطلبات التمويل للمشاريع الناشئة والقائمة على حد سواء، ليقوم بعدها المستخدمون بالاشتراك بعمليات المساهمة في دعم تلك المشاريع. هذا القطاع الناشئ بدأ العمل به فعلياً في دول عدة، لكنه مازال في الكويت رهن التحذيرات والمنع والنظرات الحائرة.

«الراي القانوني» استطلعت آراء المختصين القانونيين في مجال القانون التجاري وأسواق المال حول تعريف التمويل الجماعي وآلياته ومعوقات العمل فيه وفق النظام القانوني الكويتي، حيث أكدوا أن هذا القطاع الناشئ يفتقد وعاءً قانونياً في الكويت، ويحتاج إلى تشريعات لتنظيم العمل به.

الشرف: البنك المركزي مطالب بتنظيم هذه الطريقة الحديثة في التمويل

دعا أستاذ القانون بكلية الحقوق بجامعة الكويت الدكتور شرف الشرف البنك المركزي إلى مواكبة غيره من الدول بتنظيم هذه الطريقة الحديثة في تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة، لما تحققه من فوائد على المستثمر والمستفيد كما أنها تعزز نمو الاقتصاد الوطني.

وأكد أن نظام التمويل الجماعي يهدف إلى دعم فرص النمو والتطور الاقتصادي للمشروعات المتوسطة والصغيرة من خلال تيسير وتنظيم أنشطة التمويل الحديثة، ويمكن تعريفه بأنه: نشاط لجمع الأموال من المشاركين من خلال منصة رقمية، ذلك لمنح الائتمان بعقود للمنشآت المستفيدة – وهي الشركات (والمشروعات) متناهية الصغر أو الصغيرة أو المتوسطة فقط والتي تسعى إلى الحصول على التمويل عبر منصة التمويل الجماعي بالدين بعد الحصول على الترخيص لممارسة هذا النشاط، فبدلا من لجوء صاحب المشروع الصغير والمتوسط إلى البنك للحصول على تمويل – قرض – لمشروعه أو طلب الدعم والمساعدة من الأهل و الأصدقاء، يمكنه البحث في الإنترنت عن منصات خاصة لدعم المشروعات الصغيرة والتي يقدم فيها المستثمرون أموالهم لدعم هذه المشروعات والأفكار الرائدة.

وأضاف الشرف أن التمويل الجماعي بالدين يتميز بأنه يقوم بممارسة نشاطه عن طريق منصة قائمة على شبكة الإنترنت أو أي وسيلة رقمية أخرى كالتطبيقات الإلكترونية، كما أنه يخضع عادة لإشراف البنك المركزي في بعض الدول أو لرقابة هيئة أسواق المال، حيث يقوم المستفيد – الشركة الصغيرة – بعرض مشروعه وفكرته على المرخص له بنشاط التمويل الجماعي ب– فيقوم الأخير بعرضها على الموقع والمنصة الإلكترونية لتجميع الأموال اللازمة لهذا المشروع، فهو يتميز أولاً بانخفاض نسبة الفائدة – قد تكون الأرباح متوافقة مع الشريعة - مقارنةً بالقرض التجاري التقليدي من البنك وثانياً بسرعة الحصول على التمويل حيث يلتزم المرخص له بتجميع المبلغ خلال 60 يوماً، كحد أقصى على أن يتم تحويل المبلغ للمستفيد خلال 5 أيام بعد اكتمال تجميعه، كما أنه - باعتباره مخصصاً للمشروعات الصغيرة - لا تتجاوز عادة قيمة الائتمان الممنوح عن مليون دينار كويتي – وذلك لتحقيق الأهداف المرجوة منه، وأهم ما يشجع أصحاب المشروعات الصغيرة والمتوسطة على هذا التمويل أنهم لن يتنازلوا عن أسهم أو حصص السيطرة من شركتاهم للغير وإنما يحتفظون بكامل الملكية لأنفسهم وللشركاء المؤسسين.

الشمري: 3 أشكال للتمويل الجماعي... محاصصة وإعانات وإقراض

أكد أستاذ القانون التجاري المساعد بجامعة الكويت الدكتور فهد الشمري أن التمويل الجماعي يعد قناة تمويلية تعمل من خلال إشراك عدد كبير من الأشخاص يسهمون بمبالغ صغيرة لتمويل أفكار المبادرين وأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة، حيث يتم عرض الفكرة من قبل صاحب المشروع من خلال منصة في الإنترنت، وإذا أعجبت إحدى الشركات بهذه الفكرة، تقوم هذه الشركة بإعلانها للجمهور، وذلك دون الحاجة الى اللجوء إلى إجراءات الاكتتاب العام التي تقوم بها شركة المساهمة العامة، متابعا «لقد عرف الاتحاد الأوروبي التمويل الجماعي بأنه دعوة الجمهور لتمويل ودعم مبادرة أو مشروع، وعادة ما تكون هذه الدعوة من خلال مواقع إلكترونية على شبكة الإنترنت، وذلك من خلال تسويق هذه الدعوة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي».

وأوضح الشمري أن أهمية التمويل الجماعي تكمن في أنه سيساعد أصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة Startups من الحصول على التمويل اللازم الذين قد لا يحصلون عليه من البنوك، خصوصا بعد الأزمة المالية العالمية، حيث تشدد البنوك من سياسة الإقراض، أو من قبل صناديق رأس المال المغامر التي تميل إلى التركيز على استثمارات أكبر، وفي مناطق جغرافية معينة يكثر بها الابتكار التكنولوجي، فضلاً عن أنها تكون انتقائية للغاية في الشركات التي يستثمرون بها، وهذا ما يصعب حصول المبادرين على التمويل اللازم.

وأضاف أن التمويل الجماعي يتضمن ثلاثة أنواع، النوع الأول وهو التمويل الجماعي القائم على (المحاصصة) أي تملك حصة في المشروع Equity -Based Crowdfunding، أما النوع الثاني فهو التمويل الجماعي القائم على شكل إعانات«Donation Fund» والذي تكون فيه إسهامات الأفراد على سبيل التبرعات في التمويل الجماعي، أما النوع الثالث فهو التمويل الجماعي الذي يقوم عن طريق الإسهام في المشروع على شكل الإقراض«Peer-to-peer lending»، حيث يقدم الأفراد فيه الأموال لصاحب الفكرة مقابل سداد هذه الإسهامات من قبل صاحب الفكرة لاحقاً دون أي فوائد.

وبيَن الشمري أنه ونظراً لأهمية التمويل الجماعي في دعم وتمويل المشاريع الصغيرة والمتوسطة، أصدر المشرع الفيديرالي الأميركي في عام 2012 قانون دعم المشاريع الصغيرة الناشئة the Jumpstart Our Business Startups ليعدل بعضا من أحكام قانون الأوراق المالية Securities Act of 1933 وذلك بالسماح لأصحاب المشاريع الصغيرة والمتوسطة باللجوء الى التمويل الجماعي القائم على الاكتتاب. ونظمت جمهورية فرنسا التمويل الجماعي في المرسوم رقم 559 - 2014 رقم في عام 2014. وفي بداية عام 2018 أصدرت هيئة سوق المال السعودية لائحة تنظم إجراءات ومتطلبات الحصول على رخصة استخدام التقنية المالية كأداة من أدوات الابتكار المالي. وفي عام 2021، أصدر البنك المركزي السعودي قواعد ممارسة نشاط التمويل الجماعي بالدين، والتي تهدف الى تنظيم أحكام الترخيص للشركات التي تعمل بالتمويل الجماعي.

المطوع: يتعين إعادة النظر في التشريعات حمايةً لأموال المواطنين والمقيمين

قال المحامي أحمد المطوع «يتعين إعادة النظر في التشريعات ذات العلاقة حمايةً لأموال المواطنين والمقيمين وللنهوض بمشروعية تلك العمليات كقانون إنشاء هيئة أسواق المال وقانون الشركات وقانون النقد وبنك الكويت المركزي، لاسيما وأن التشريعات المقارنة ومنها دولة خليجية سمحت للأشخاص بتمويل مشاريع اقتصادية واجتماعية كالمشروعات الصغيرة والمتوسطة للاستثمار في الأوراق المالية من خلال عمليات تمويل جماعي لتلك المشاريع».

وذكر أنه إزاء انتشار دعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي تهدف إلى تمويل مشاريع اقتصادية واجتماعية كالمشروعات الصغيرة والمتوسطة للاستثمار في الأوراق المالية من خلال عمليات تمويل جماعي لتلك المشاريع يتم فيها جمع مبالغ معينة من عدد من المساهمين، أدركت هيئة الأسواق خطورة تلك الدعوات ونشرت بياناً صِحافياً في 26 مارس 2020 دعت من خلاله المواطنين والمُقيمين للتريث والحذر من المشاركة في تلك الدعوات، حمايةً على أموال المواطنين والمقيمين وتدعوهم للتواصل مع الهيئة والجهات الرقابية، للتأكد من قانونية إجراءات هذه الأنشطة وحصول الجهات المروجة لها على التراخيص المطلوبة، قبل المشاركة فيها بما يحمي حقوقهم وأموالهم.

وأضاف المطوع «حسناً فعلت هيئة أسواق المال بالتحذير من اجراءات مخالفة للنظام العام وإن كنت أرى أنه يتعين على الهيئة أن تذهب لنشر بيانٍ تطالب من خلاله المُشرّع والحكومة بغربلة التشريعات لأجل استكمال مسيرة النهوض بدولة الكويت لتكون مركزاً مالياً واقتصادياً، من شأن تلك التشريعات تعزيز حرية الأفراد في عمليات تمويل لمشروع معين لأجل الاستثمار في الأوراق المالية بغية الحصول على ربح أو منفعة»

الاصطدام بمعوقات اقتصادية وقانونية

أشار أستاذ القانون التجاري المساعد بجامعة الكويت الدكتور فهد الشمري إلى أن فكرة التمويل الجماعي الفريدة تصطدم بمعوقات اقتصادية وقانونية، يتمثل المعوّق القانوني بعدم سماح قانون الشركات الكويتي للشركات غير المساهمة باللجوء للجمهور للحصول على رأس المال وهو ما يعرف بالاكتتاب العام وبالتالي فإن المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تتخذ في الغالب شكل الشركات ذات المسؤولية المحدودة فإنه لا يسمح لها بالاكتتاب العام حيث يشكل هذا الفعل جريمةً يعاقب عليها القانون في صورته الحالية.

10 مليارات دولار استثمارات «التمويل الجماعي»

أكد الشمري أن الأموال المستثمرة في سوق التمويل الجماعي قدِّرت في الآونة الأخيرة بما يقارب 10 مليارات دولار في نهاية عام 2018، مع توقع العديد من الدراسات أن يصل حجم الاستثمارات في سوق التمويل الجماعي الى 28 مليار دولار في نهاية عام 2025، مستدركا«ومن النماذج الشهيرة لمنصات التمويل الجماعي منصة Kickstarter والتي نجحت بجمع ما يزيد على 4 مليارات دولار في عام 2019، كذلك منصات Indiegogo، GoFundMe، Fundable، Go Get Funding، Crowdcube والتي لعبت دوراً جوهرياً في إبراز أهمية التمويل الجماعي القائم على الاكتتاب».

مخاطر احتيال المواقع الإلكترونية

أكد أستاذ القانون الدكتور شرف الشرف أنه وعلى الرغم من تبسيط الإجراءات وتشجيع نشاط التمويل الجماعي إلا أنه لا يخلو من المخاطر وأهمها المواقع الإلكترونية الاحتيالية التي قد تأخذ الأموال وتستثمرها في غير النشاط المخصص لها أو التي لا تلتزم بالشروط واللوائح الخاصة بجمع الأموال وكيفية صرفها أو إعادتها للمستثمرين في حال عدم اكتمال المبلغ المطلوب، لذلك كان من الضمانات الأساسية قيام البنك المركزي بمراقبة النشاط لتوفير الاطمئنان للمشارك في التمويل والمستفيد وذلك من خلال الزام المرخص له بقواعد الإفصاح والحفاظ على سرية المعلومات وعدم تعارض المصالح وتوقيع اتفاقية خدمة بين أطراف العلاقة توضح حقوق والتزامات كلاً منهم، فهذا النشاط -كغيره- في نهاية الأمر يخضع لإشراف ورقابة البنك المركزي الذي يلزم المرخص لهم بوضع الخطط المناسبة لاستمرارية الأعمال في الحالات الطارئة والالتزام بمبادئ السلوك وأخلاقيات العمل وحماية العملاء حفاظاً على الائتمان الوطني والاستقرار المالي.

على الشركات المؤسسة من التمويل الجماعي الحصول على تراخيص استثمار من «سوق المال»

حول ما يتعلق بالنظام العام، أوضح المحامي أحمد المطوع أنه من المقرر قضاءً أن الشارع متى ما حظر نشاطاً اقتصادياً معيناً على الأفراد وقصره على بعض الأشخاص، فإن ذلك الحظر يكون متعلقاً بالنظام العام مما لا تجوز مخالفته، حيث إن ما نصَّ عليه المشرع في حكم المادة 54 من القانون 32 /1968 في شأن النقد وبنك الكويت المركزي وبعد أن عرّف البنوك والمؤسسات التي يكون عملها الأساسي والذي تمارسه عادة قبول الودائع لاستعمالها في عمليات مصرفية كمنح القروض والسُّلَف وغير ذلك من أعمال البنوك، وقررت المادة 56 من ذات القانون على قاعدة مفادها عدم جواز ممارسة مهنة الصيرفة إلا من مؤسسات متخذة شكل الشركات المساهمة يؤذن لها في مرسوم تأسيسها بذلك، ومن ثم فإن دعوة الأفراد إلى تمويل مشاريع اقتصادية للاستثمار في الأوراق المالية من خلال عمليات تمويل جماعي على شكل عقود استثمار أموال بين المساهمين وبين الشركات يُعد محظوراً ويترتب على مخالفة الحظر الوارد في القانون المُشار إليه بطلان تلك العُقود بسبب قيام عملية تمويل من أشخاص لا يجوز لهم القيام بمثل تلك العمليات، على اعتبار أن قبول الأموال من الشركات أو الأفراد لأجل استثمارها في نشاط الأوراق المالية من أجل استثمارها في أجل معيّن ثم إعادتها مُضافاً إليها أرباحاً يضحى عملاً من أعمال البنوك ولا يجوز للأفراد أو للأشخاص الاعتبارية التي تخالف شكلها القانوني للشركات المساهمة التي يؤذن لها في مرسوم تأسيسها بمزاولة هذه الأعمال بالتالي يضحى العقد محل التمويل باطلاً مُنعدماً عملاً بحكم المادة 187 من القانون المدني، فضلاً على أنه يتعين على الشركات التي دعت الأشخاص إلى تمويل مشاريع اقتصادية واجتماعية للاستثمار في الأوراق المالية من خلال عمليات تمويل جماعي لتلك المشاريع يتم فيها جمع مبالغ معينة من عدد من المساهمين، يتعين أن تتحصل على ترخيص الاستثمار من هيئة أسواق المال للقيام بعملية الاستثمار حتى لا تصبح تلك الشركات أمام جريمة مزاولة نشاط من دون ترخيص وهي جريمة من الجرائم الواردة في القانون 7 /2010 في شأن إنشاء هيئة أسواق المال وتنظيم نشاط الأوراق المالية والقوانين المعدلة له.