وسط توتر متصاعد مع الغرب في شأن عدد من الملفات، حذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أمس، خصوم موسكو من «تخطي خط أحمر» معها، مؤكداً أن بلاده «لا ترغب في حرق الجسور مع أحد، لكنها سترد بطريقة متكافئة وسريعة وقاسية على أي استفزازات أجنبية، إذ دعت الحاجة لذلك».
وقال في خطابه السنوي إلى الأمة أمام مجلسي البرلمان «آمل ألا يخطر لأحد أن يتخطى خطاً أحمر مع روسيا، وسنقرر بأنفسنا ترسيم هذا الخط»، مضيفاً «نحن نرغب في علاقات طيبة مع المجتمع الدولي، بما في ذلك، مع أولئك الذين لم تتطور علاقاتنا معهم في الآونة الأخيرة».
وتابع «نحن لا نرغب في حرق الجسور مع أحد، لكن إذا نظر أحد ما إلى نوايانا الطيبة على أنها لا مبالاة أو ضعف، وأراد هو حرق الجسور نهائيا أو حتى تدميرها، فعليه أن يعلم أن الرد الروسي سيكون مماثلاً وسريعاً وقاسياً».
واعتبر أن فكرة ومضمون سياسة روسيا على الساحة الدولية، هو ضمان السلام والأمن من أجل رفاهية المواطنين، ومن أجل التنمية المستقرة للبلاد، مضيفاً «يبدو أن الجميع في العالم قد اعتادوا على العقوبات غير القانونية ذات الدوافع السياسية ضد الاقتصاد، وهي محاولات صارخة من قبل البعض لفرض إرادتهم على الآخرين».
وتحدث بوتين من جهة أخرى، عن السعي لتحقيق المناعة الجماعية ضد وباء «كوفيد - 19» في روسيا خلال الخريف، مشيداً بإنتاج بلاده ثلاثة لقاحات.
واعتبر أن «التلقيح يرتدي اليوم أهمية كبرى (...) للسماح بتطوير المناعة الجماعية في الخريف»، مضيفاً أن «علماءنا حققوا اختراقاً حقيقياً، والآن لدى روسيا ثلاثة لقاحات فعالة ضد فيروس كورونا»، بما في ذلك لقاحها الرائد «سبوتنيك-في».
وأشاد بـ«ضبط النفس» من جانب مواطنيه، الذين «احترموا الإجراءات الاحترازية المرهقة»، ودعاهم إلى تلقي اللقاح بينما تعاني حملة التلقيح من بطء في روسيا بسبب عدم ثقة السكان، مؤكداً أنه يريد «إبقاء كل الحدود تحت السيطرة لإبطاء انتشار» الفيروس.
ورأى من ناحية أخرى، أن «الأهم الآن هو ضمان نمو مداخيل المواطنين، وحدد المسار الذي تتبعه حكومته بينما تواجه القوة الشرائية للروس تراجعا منذ سنوات».
وطلب من الحكومة «وضع شروط طويلة الأمد تتيح بمساعدة آليات السوق تحديد الأسعار المتوقعة»، في وقت تسجل روسيا في الأشهر الأخيرة ارتفاعا في أسعار المواد الغذائية.
ومع ذلك، استبعد بوتين فرض ضوابط مصطنعة على الأسعار من أجل تجنب العواقب الاقتصادية الكارثية التي تذكر بثمانينات القرن الماضي في العهد السوفياتي عندما كانت «الأكشاك فارغة».
لكن الأمر الأساسي حسب بوتين هو أن «الدولة يجب أن تقدم دعماً مباشراً للعائلات التي لديها أطفال في وضع صعب».
ووعد بتقديم مساعدة مالية اعتبارا من الأول من يوليو لأبناء الآباء العازبين أو دفع 10 آلاف روبل (108 يورو) للأطفال الذين يدخلون المدرسة.
وفي الملف الأوكراني، ذكرت وزارة الخارجية الروسية، أمس، أن كييف وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، يواصلان الاستعدادات العسكرية، وطالبتهما بالإحجام عن الأفعال التي قد تقود إلى تصعيد.
وأول من أمس، دعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بوتين إلى لقاء في منطقة دونباس لإجراء محادثات بهدف إنهاء الصراع هناك وتهدئة التوتر.
أمنياً، اعتقلت الشرطة اثنين من أوثق حلفاء السياسي المعارض أليكسي نافالني، وهما ليوبوف سوبول، أحد الوجوه المعروفة بقناة نافالني على «يوتيوب»، وكيرا يارميش الناطقة باسمه في موسكو، وذلك في بداية احتجاجات عامة على تدهور حالته الصحية في السجن.
وذكرت جماعة «روسيا المفتوحة» المعارضة أن الشرطة أوقفت أيضاً ثمانية أفراد في مدينة ماجادان شرق روسيا، ودهمت مقار مرتبطة بنافالني في سان بطرسبورغ خصوصاً واعتقلت العديد من حلفائه، حسب ما أعلن معاونوه قبل تظاهرات خططوا لها لدعمه.
وذكرت منظمة «او في دي-انفو» المتخصصة غير الحكومية أن عمليات دهم جرت في 20 مدينة روسية على الأقل خلال الساعات الـ48 الماضية.
وتدهورت حالة نافالني الصحية بعد ثلاثة أسابيع من إضرابه عن الطعام، حيث حض فريقه المواطنين بأنحاء روسيا على الخروج إلى الشوارع أمس، للمطالبة بتوفير العلاج اللازم لإنقاذ حياته.
موسكو - أ ف ب - منذ 20 عاما، لم يكن لدى فلاديمير بوتين من هاجس سوى استعادة مكانة روسيا كقوة عالمية عظمى بأي ثمن.
في خطابه السنوي في 2018 أمام البرلمان، قال «لا أحد يريد التحدث إلينا. لم يرغب أحد في الاستماع إلينا. استمعوا إلينا الآن!».
وكان لتحذير الرئيس الروسي الذي تحدث عن تطوير بلاده صواريخ «لا تقهر»، تأثير كبير. وبصماته واضحة على الساحة الدولية وإن تراكمت الأزمات.
في كل مرة كما في زمن الحرب الباردة، تتبادل موسكو والغرب الاتهامات والتهديدات.
في روسيا أحدث بوتين (68 عاما) فراغا. في جميع المؤسسات لا يوجد سوى موالين له يدينون مثله ما يعدونه مؤامرات غربية معادية للروس. ويتحدث أليكسي نافالني - المعارض البارز الوحيد للكرملين منذ اغتيال بوريس نيمتسوف في 2015 - بسخرية عن بوتين ويتهمه بأنه جعل أصدقاءه من أصحاب المليارات وبنى لنفسه قصرا على البحر الأسود تحت اسم مستعار.
ولكن ما إن تعافى نافالني من تسمم بغاز الأعصاب أدخله في غيبوبة لأسابيع، حتى تم إرساله إلى السجن حيث أضرب عن الطعام وتدهورت صحته، على الرغم من احتجاج الغرب.
مرة أخرى، لم يعر بوتين اهتماماً للعقوبات التي فرضتها على بلاده بروكسيل وواشنطن.
لقد انقطع الحوار تقريباً بين الغرب وضابط الاستخبارات السوفياتي السابق الذي خدم في ألمانيا الشرقية خلال الحرب الباردة.
ويلجأ الطرفان إلى سلسلة من جس النبض والاستفزازات كما حدث عندما رد بوتين على الرئيس الأميركي جو بايدن الذي اتهمه بأنه «قاتل» بقوله: «من يصف الآخر بالقاتل هو القاتل».
كان وصوله في السابعة والأربعين من العمر إلى الكرملين يبشر بعلاقات جيدة مع الغرب. حتى ان الأميركي جورج بوش الابن وصفه بأنه «زعيم رائع».
وكانت صداقته مع الألماني غيرهارد شرويدر والإيطالي سيلفيو برلسكوني، علنية.
وقال الناطق باسم الكرملين ديميتري بيسكوف في مارس إنه «من بين كل القادة الحاليين لا أحد تربطه به علاقة وثيقة اليوم كما في ذلك الوقت».
فبوتين يبغض «الهيمنة» الغربية ويعتبر عمليات التوسع المتتالية لحلف شمال الأطلسي على الحدود الروسية «عدوانا».
«صاحب قضية» بالنسبة له يريد خصومه إبقاء روسيا في الصف الخلفي وإطالة أمد الإهانة التي مثلها سقوط الاتحاد السوفيتي والأزمة الاقتصادية والسنوات الأخيرة لبوريس يلتسين الذي كان في سنواته الأخيرة مريضاً ومدمناً على الكحول.
ويشير الخبير السياسي كونستانتين كالاتشيف إلى أن بوتين «يرى نفسه صاحب قضية... تتمثل بأن يعيد إلى روسيا عظمتها» ويضع حداً «للتأثيرات الأجنبية».
واقتناعا منه بأنه تعرض للخيانة عندما قصف الغرب ليبيا في 2011، انخرط عسكريا في سورية في 2015 وغير مسار الحرب.
ولا يأبه لاتهام نظام بشار الأسد بتنفيذ هجمات كيماوية وروسيا بقصف مدنيين.
في العام السابق تحول إلى رافع لواء «روسيا العظمى» عندما ضم شبه جزيرة القرم الأوكرانية أمام أنظار الأوروبيين والأميركيين العاجزين، رداً على انتفاضة في أوكرانيا حركها الغرب، حسب قوله.
وعززت العملية مكانته في الداخل لكن مع الغرب سببت فرض العقوبات والعقوبات المضادة.
رحلات في التايغا وصلت رغبته في التألق إلى الرياضة.
ابتداء من 2015 تم الكشف عن فضيحة منشطات على مستوى الدولة شملت حتى أجهزة الاستخبارات لا سيما خلال دورة الألعاب الأولمبية التي نظمت بأبهة في 2014 في سوتشي. لكن فلاديمير بوتين رأى فيها أيضا مؤامرة غربية.
ويقدم نفسه أيضاً على أنه حامل لواء «القيم التقليدية» في الكفاح ضد الانحطاط الأخلاقي، ويعبر عن مواقف قريبة من رؤى أحزاب اليمين المتطرف الأوروبية.
وعلى الرغم من تراجع الاقتصاد وركود ما يكسبه الروس، مازال يتمتع بشعبية لكنها انخفضت عن الذروة التي سجلها في 2014.
يرى العديد من مواطنيه، أنه أعاد للبلاد عزتها ولاحق أصحاب المال وسحق النزعة الانفصالية الإسلامية في الشيشان.
لا يهم إن كان ذلك يتطلب قمعاً سياسياً وحشياً للذين لديهم رأي آخر.
وفرضت قيود على حرية التعبير وكذلك على حركات الاحتجاج في 2011 و2018 و2020.
وناور بوتين للبقاء في السلطة.
فقد صار رئيساً للوزراء في 2008 للعودة بشكل أفضل إلى الكرملين في 2012. وتم تمديد ولايته الرئاسية ثم سمح لنفسه أخيراً، عن طريق الاستفتاء، بالبقاء حتى 2036.
وهو حاضر يومياً في كل مكان عبر التلفزيون.
لكن لا يطل الناس على حياته الخاصة سوى من خلال رحلاته إلى التايغا.
لم يعد يرد ذكر زوجته السابقة ولا يُعرف أي شيء تقريباً عن ابنتيه.
ويشير كونستانتين كالاتشيف إلى «إنه يرى نفسه قيصراً وليس رئيساً ومحيطه يراه كذلك أيضاً».