رتم الحياة أصبح في غاية السرعة مع توافر الهواتف الحديثة وبرامج التواصل الاجتماعي، لدرجة أن الإنسان يتنقّل بصورة مستمرة من برنامج إلى آخر، والواحد منّا أصبح يجلس مع أناس كثر من دون التركيز على حديثهم وما يقولونه بسبب هذا الانشغال المستمر، وقد يزعل البعض خصوصاً كبار السن عندما ينشغل الواحد عنهم بهذه الأجهزة.
كما أن فراقه أصبح شبه مستحيل، وقبل النوم وأول ما يستيقظ الواحد يتجه إلى شاشة الهاتف... حتى تأتي مدرسة رمضان لتُعيد للإنسان شيئاً من التوازن في الحياة، وتجعله يترك الهاتف لبعض الأوقات، وهذا يساعد في تقليل التوتّرات التي تسبّبها هذه الأجهزة، على الصحة النفسية للإنسان، وتسبّب في تسلل الراحة والسكينة إلى داخل النفس.
إن تجربة ترك الهواتف لفترة من الزمن أو لأوقات محدودة في شهر رمضان المبارك، ستجعلك تشعر بمَنْ حولك في البيت من أبناء ووالدين، وستقضي وقتاً أطول معهم، وستشعر بطعم آخر للحياة يتسلّل إلى أعماقك خصوصاً ونحن في البيوت، بسبب الحظر المفروض على الناس جراء جائحة كورونا.
في هذا الشهر الفضيل يجب الوعي عند استخدام هذه الأجهزة، حتى لا يتضايق منك مَنْ هم حولك، خصوصاً في أوقات معينة لا تردّ فيها على أحد ولا تنظر إلى الهاتف وبرامج التواصل الاجتماعي، بحيث يكون هو وقت خاص لك ولأسرتك.
وتعلّمنا مدرسة رمضان أن الوقت أغلى من الذهب، فكل شيء له وقت محدد من بداية الصيام إلى وقت الفطور، ورمضان يعدّ فرصة سانحة، ونقطة تحوّل ومدرسة حقيقية لمَنْ أراد أن يغيّر في حياته وعاداته.
ويقول علماء النفس: إن الإنسان يحتاج إلى أن يُكرّر الأمر الذي يوّد أن يغيّره إلى 20 مرة تقريباً حتى يحدث نجاحاً حقيقياً، بمعنى آخر أن الإنسان لو أراد أن يتعلّم ويتغلّب على مشكلة الترددّ مثلاً فإنه يحتاج إلى أن يكرّر عملية اتخاذ القرار، حتى تصبح لديه عادة.
إذاً فشهر رمضان يمتنع فيه الإنسان عن الأكل والشرب لمدة 30 يوماً تقريباً، من الفجر إلى وقت المغرب، وفي الحقيقة فإن الإنسان سيتعوّد على عملية اتخاذ القرار، ومن جانب ذاتي على سبيل المثال، إرضاء لله عز وجل.
يأتي علينا شهر رمضان في كل عام لكي يتوقف الإنسان مع نفسه وقفات جادة وسط صخب وملهيات الحياة المادية وبرامج التواصل الاجتماعي، ومدرسة رمضان أجمل فرصة لنزع الأحقاد من النفوس وفتح صفحة جديدة، والتخلّص من الشوائب في القلوب، وأجمل فرصة لكي يرتّب الإنسان نفسه من الداخل، فيُعيد ترتيب حياته، ويحاسب نفسه محاسبة الشريك لشريكه الحريص على دوام الشراكة، ويبحث عن مواطن الخير فيها ويُنميها، ويعاهد نفسه على تغيير نمط حياته للأفضل، ويضع ويرسم لنفسه الأهداف التي يتمناها ويسعى لتحقيقها.
مدرسة رمضان فتحت أبوابها وهي مازالت في البدايات، وهي كذلك لمَنْ استعد لها، وهي أقصر المدارس، فقط تفتح أبوابها لمدة شهر واحد ومستمرة من السنة الثانية للهجرة إلى يومنا هذا في السنة التي فرض فيها الصوم، ولكنها تقدم مواد روحانية مكثفة أكثر من أي مدرسة أخرى، ولكن لمَنْ استعدّ لها الاستعداد الأمثل سواء على المستوى الروحي أو العقلي أو الجسدي.