أعلن الجيش الأميركي إقامته ورش تدريب لعناصره، في قواعدهم في الداخل وحول العالم، بما في ذلك في مخيم عريفجان في الكويت، هدفها توعية الجنود على معنى التطرف العرقي، وكيفية التنبه إليه، والتعامل معه، والتبليغ عن أي جنود تظهر عليهم علامات هذا التطرف.
وسبق لمدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (اف بي آي) كريس راي، أن أعلن رفع تصنيف مجموعات التطرف العرقي، مثل مجموعات «تفوق البيض»، إلى «درجة خطر» يوازي خطر التنظيمات الإرهابية غير الأميركية، مثل «القاعدة» و«داعش».
وإعلان راي، جاء على إثر قيام السلطات بمحاكمة 37 من قوات الأمن والجيش، بعضهم متقاعد، بتهم ارتكاب أعمال أعنف وتطرف بمشاركتهم في عملية اقتحام الكونغرس في السادس من يناير الماضي.
وعلى إثر اقتحام الكونغرس، قامت السلطات المحلية بنشر الآلاف من قوات الحرس الوطني لحماية مباني الكابيتول هيل، مقر السلطة التشريعية، لكن نشر تلك القوات كان محفوفاً بمخاطر أن يكون أي منهم من المرتبطين بمجموعات «التطرف الأبيض».
ومضت الشرطة العسكرية واستخبارات الجيش في عملية تمشيط ملفات الجنود ومراقبتهم وإجراء مقابلات مع بعضهم للتأكد من خلو الوحدات العسكرية التي وفّرت الحماية الأمنية للعاصمة ولإجراءات قسم اليمين الرئاسي من أي جنود متطرفين.
وبعد عقدين أمضتها واشنطن وكل الوكالات الفيديرالية فيها، في تعريف الإرهاب، وشن تشريعات لمكافحته، وتنظيم برامج للتدريب على كيفية التنبه إليه والتعامل معه، بدأت الإدارة رحلة مشابهة في مكافحة إرهاب من نوع ثانٍ، إذ إن التعرف على من يعتنقون العنصرية العرقية أصعب وأكثر تعقيداً.
وأورد موقع «ميليتاري»، المتخصص بشؤون العسكر، أن «بعض الجنود أعربوا عن إحباطهم من التدريبات التي يقودها مسؤولون عسكريون لم يكونوا مستعدين للإجابة عن أسئلة معقدة حول «كيفية تحديد شكل النشاطات المتطرفة»، فيما قال جنود آخرون أن «التدريب كان فعالاً عندما قاد المدربون المحترفون نقاشات صادقة ومفتوحة».
وكانت وزارة الدفاع (البنتاغون) قدمت إرشادات فضفاضة حول الشكل الذي يجب أن يتخذه التدريب، بما في ذلك النقاشات حول الأنشطة المحظورة، والإبلاغ عن السلوك المتطرف، ودراسات الحالات، والإجابة عن الأسئلة الإشاعة.
ثم قام قادة الوحدات العسكرية والمشرفون على تصميم التدريب.
لكن هؤلاء ليسوا مدربين محترفين، وهو ما أثار بعض الشكاوى لدى الجنود بسبب قلة خبرة قادتهم في التدريب.
وأرسل مكتب الشؤون العامة في الجيش إلى المدربين والجنود رسالة جاء فيها أن «نشاط المتطرفين يتعارض مع الحياة العسكرية»، وأنه «لن يتم التسامح معه».
وأعلنت قيادة الجيش أنه أمام الجنود حتى السادس من أبريل الجاري لإكمال التدريب، وأمهلت قوات الاحتياط شهراً إضافياً للانتهاء من البرنامج.
ويرى الخبراء الأميركيون تغيراً في سياسات وكالات الأمن الفيديرالية في التعامل مع مواضيع التطرف المحلي، خصوصا بعدما شن مكتب التحقيقات عملية ضد مجموعة من «النازيين الجدد» معروفة باسم «القاعدة»، وهي مجموعة أرادت إشعال حرب عرقية، لكن «أف بي آي» نجح في اختراقها، واعتقلت السلطات سبعة أعضاء مشتبه بهم، في يناير، ووجهت إليهم اتهامات فيديرالية.
لكن مسؤولي مكتب التحقيقات، غالباً ما يكررون أنهم يواجهون العنف، لا الأيديولوجيات. وسبق في الماضي أن قام مواطن أميركي برفع علم فصيل من التنظيمات الإرهابية المرتبطة بالإسلام السياسي المتطرف على شباك بيته، إلا أن السلطات لم تتعرض له، إذ إن رفع العلم يندرج تحت خانة حرية التعبير، المكفولة في التعديل الأول للدستور، وكذلك النشاطات السلمية للأحزاب النازية الناشطة، التي تراقبها السلطات عن كثب، ولكن لا تحظر لها نشاطاتها، الى أن تضبطها وهي تخطط لارتكاب، أو تقوم بارتكاب، أعمال عنفية.
في السياق أيضاً، لم تمنع السلطات الأميركية مسيرات نظمتها مجموعتان عنصريتان متطرفتان في المدن الكبرى، واحدة كانت في بورتلاند، في ولاية أوريغون الشمالية الغربية، حيث حاولت مجموعة صغير من «كو كلوكس كلان» المتطرفة تنظيم تظاهرة، لكنها تراجعت عنها في اللحظة الأخيرة بعد إعلان معارضين لها تنظيم تظاهرة مضادة.
لكن في واشنطن العاصمة، قامت «جبهة وطنيون» بتنظيم تظاهرة ارتدى فيها ناشطوها أقنعة لتفادي قيام قوات الأمن برصد هويات أعضائها. وراح المتظاهرون يرددون شعارات مفادها بأن غايتهم «استعادة أميركا»، وهو شعار يتماهى مع الشعار الانتخابي للرئيس السابق دونالد ترامب «إعادة أميركا عظيمة».
هكذا، ورغم الحملة التي يشنها مكتب التحقيقات ضد التطرف المدفوع بدوافع عنصرية، تواصل بعض الجماعات، التحدي، والرقص على الحافة التي تفصل بين حرية التعبير، المسموحة، وعمليات ارتكاب أعمال عنف، الممنوعة.
على أن «حرية التعبير» تواجه ضوابط أكبر في صفوف القوات الأمنية، وخصوصا الجيش، وهو ما حمل القيادة العسكرية على شن حملات توعية واسعة في صفوف الجنود، وهي حملات ذات طابع مستعجل وأولي.
لكن في الأشهر، بل السنوات، المقبلة، من المتوقع أن ترصد الحكومة الفيديرالية أموالاً طائلة على برامج اجتثاث العنصرية والتطرف المحلي، لا بين صفوف القوات الأمنية والجيش فحسب، بل على صعيد البلاد ككل، خصوصا بعدما ارتكبت العنصرية المحلية أعمال عنف كادت تناهز في ضخامتها المعنوية الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها الولايات المتحدة قبل عقدين من الزمن.