وفقاً لما سبق وأن أوردته «الراي»، كان التراشق الإعلامي بين كل من الرئيس جو بايدن والمرشد الإيراني علي خامنئي موجهاً للاستهلاك الداخلي فحسب.
أما في دنيا الواقع، فان مسؤولي إدارة بايدن لم يقطعوا تواصلهم يوماً مع طهران، حتى في زمن الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو التواصل الذي أسهم في الانفراجات المتسارعة على طريق عودة البلدين إلى الاتفاقية النووية.
ومنذ خروجه من إدارة الرئيس باراك أوباما مطلع العام 2017، عاد روبرت مالي إلى منصبه رئيساً لـ«مجموعة الأزمات الدولية»، وهو منصب سمح له بالإبقاء على اتصالاته المحلية والدولية التي كان راكمها أثناء عمله في مجلس الأمن القومي.
وكان مالي واحد من أعلى ثلاثة مسؤولين ساهموا في صياغة الاتفاقية النووية مع إيران، إلى جانب وزير الخارجية السابق جون كيري ووكيلة الوزارة وندي شيرمان.
وحافظ كيري، بعد خروجه من الحكم، على صداقة شخصية واتصال مع وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، والأرجح أن مالي فعل الشيء نفسه.
ومنذ فوز بايدن بالرئاسة في الثالث من نوفمبر الماضي، اندفع مالي وفريق السياسة الخارجية لدى بايدن لتفعيل الاتصال مع الإيرانيين، وجاء تعيين مالي في منصب مبعوث خاص مسؤول عن الملف الإيراني تتويجا لجهوده واندفاعه، فمضى فيها، ونشر تصوره لكيفية عودة واشنطن وطهران الى الاتفاقية النووية في بحث على موقع «مجموعة الأزمات الدولية»، قبل أيام من تركها وانضمامه رسمياً لإدارة بايدن.
ومن يراقب تطورات الأحداث في الملف الأميركي الإيراني، سيرى شبه تطابق بين البحث المذكور وما يجري حالياً، فالبحث تصور عودة تدريجية من الطرفين، أي أن يقوم كل منهما بخطوة وترد الثانية بخطوة مماثلة. لكن من يبدأ؟ ورد في البحث المذكور أن لا أميركا ولا إيران ستبادر للعودة إلى الاتفاقية، بل ان أوروبا هي التي ستفعل ذلك، وأن الحكومات الأوروبية ستحض شركاتها على العودة إلى إيران لتنشيط اقتصادها، فيما تغض الولايات المتحدة النظر عن هذه العودة ولا تفرض أي عقوبات.
مقابل ذلك، توقف طهران تخصيب اليورانيوم المرتفع النسبة.
في هذا السياق، أعلن الاتحاد الأوروبي تمويل «مؤتمر الأعمال الأوروبي - الإيراني»، بين الأول والثالث من مارس المقبل، برعاية الأمم المتحدة ومنظمة التجارية الدولية، وبهدف تحفيز الأوروبيين على الاستثمار في إيران وإقامة شراكات مع نظرائهم الأوروبيين، حتى أن مجموعة مالي سبق أن دعت الحكومات الأوروبية إلى منح الشركات الأوروبية اقتطاعات ضريبية لتحفيزها على الاستثمار في الاقتصاد الإيراني.
وتماهى بحث مالي مع التحركات الأوروبية ومع تصريحات مشابهة أدلى بها ظريف دعا الأوروبيين إلى القيام بوساطة تساهم في تذليل عقبة من يتراجع أولاً.
هكذا، لم يكن مفاجئاً إعلان الولايات المتحدة موافقتها على المشاركة في جولة ديبلوماسية من المفاوضات مع إيران.
وفي اليوم التالي للموافقة على الدعوة الأوروبية - المنسقة أصلاً مع واشنطن وطهران، أطل الرئيس جو بايدن في خطاب متلفز أمام المشاركين في مؤتمر ميونيخ السنوي للأمن، معلناً: «قلنا إننا مستعدون لإعادة الانخراط في مفاوضات مع مجموعة خمسة زائد واحد في شأن برنامج إيران النووي».
وفيما قد تبدو موافقة أميركا على العودة للتفاوض مع إيران، موافقة على جس النبض الإيراني، إلا أنها في الواقع تعكس تفاهما عميقا، وهو تفاهم آخذ في الاتساع، فالمؤتمر الأوروبي لتنشيط الاقتصاد الإيراني لا يشي بأن المفاوضات التي اقترحها الأوروبيون يمكنها أن تتعثر، إذ أن الشركات تتطلب ضمانات واستقراراً، وعملها يستغرق وقتاً لإطلاقه، ولا يمكن وقفه واستئنافه بحسب التصريحات السياسية أو مجرى سير المفاوضات.
ومع أن بايدن أضاف، في خطابه، أن «علينا أيضاً معالجة أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في كل أنحاء الشرق الأوسط، وسنعمل في تعاون وثيق مع شركائنا الأوروبيين والشركاء الآخرين بينما نمضي قدماً»، إلا أن هذا الاقتراح الأميركي يبدو مؤجلاً إلى ما بعد إعادة العمل بالاتفاقية النووية.
وإعلان بايدن أن على واشنطن والعالم معالجة أنشطة طهران المزعزعة للاستقرار وبرنامجها الصاروخي يتضارب مع تأكيدات إيرانية علنية متكررة وقاطعة، ومفادها أن سياساتها في المنطقة وبرنامجها الصاروخي ليسا على طاولة المفاوضات مطلقاً.
لكن الرفض الإيراني لهذه الدعوة الأميركية لا يتعارض مع الديبلوماسية الأوروبية واستئناف العمل بالاتفاقية النووية، فبايدن واضح في الفصل بين الاثنين: النووي أولاً، ثم بعد العودة للاتفاقية النووية، يتجه الاهتمام نحو صواريخ إيران وميليشياتها في عموم المنطقة، أي أن الصواريخ والميليشيات لا تفسدان في الود النووي، قضية.
أما من يجد الموضوع محيرا، فما عليه إلا العودة إلى البحث الذي نشرته مجموعة الأزمات الدولية منتصف يناير الماضي، وورد فيه أن من شأن الاتفاقية النووية وعودة الاقتصاد الإيراني إلى النمو أن يؤديا لبناء جو من الثقة مع واشنطن.
هذه الثقة هي التي تأمل مجموعة الأزمات الدولية، أن تفتح الباب لنقاش ودي، تقنع فيه واشنطن طهران بوجوب تعديل سياساتها في المنطقة، والتخلي عن الصواريخ والميليشيات.
بكلام آخر، سيعود مالي وبايدن بالزمن مع إيران إلى حيث انتهت إدارة أوباما، أي اتفاقية نووية ونشاط اقتصادي يولّد إيجابية، يمكن البناء عليها للتوصل لتسويات ودية في الملفات الأخرى.
أما ان رفضت إيران هذه التسويات الودية المأمولة، فلا يبقى أمام معارضي الصواريخ والميليشيات، في أميركا وحول العالم، إلا انتظار خروج بايدن والديموقراطيين من الحكم، وعودة الجمهوريين وعودة سياسات الضغوط القصوى التي مارسها ترامب ومن المرجح أن يمارسها أي رئيس جمهوري مستقبلاً.
وانتقد رئيس منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، علي أكبر صالحي، تسريب تقارير الوكالة إلى الإعلام، في إشارة إلى التقرير الذي نشرته وكالة «رويترز»، الجمعة، أمس حول وجود موقعين نوويين مشبوهين في إيران.
وأضاف «بما أن قانون البرلمان (بخصوص تخلي إيران عن التزاماتها النووية) قيد التنفيذ ولم يفِ الطرف الآخر بالتزاماته في مجال رفع العقوبات، فإن الرقابة الإضافية ستتوقف اعتباراً من 23 فبراير».
وأوضح انه في الاجتماع مع المدير العام للوكالة الذرية رافاييل غروسي، اليوم، سيتم النظر في ملاحظات الوكالة، في إطار اتفاقية الضمانات وتعاون الطرفين.
من ناحيته، قال الناطق باسم الحكومة علي ربيعي، إن طهران على يقين من رفع العقوبات قريباً.
ونقلت «وكالة إرنا للأنباء» عن ربيعي أمس، «نحن على ثقة من أن المبادرات الديبلوماسية ستسفر عن نتيجة إيجابية رغم المشاحنات الديبلوماسية التي تُعد مقدمة طبيعية لعودة الأطراف إلى التزاماتها، ومنها رفع كل العقوبات في المستقبل القريب».
والخميس، قال القائم بأعمال السفير الأميركي ريتشارد ميلز القائم لمجلس الأمن، إن الولايات المتحدة ألغت تأكيد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب بإعادة فرض كل العقوبات الدولية على إيران في سبتمبر المقبل.
وردت إيران بفتور، حيث أعلن وزير الخارجية محمد جواد ظريف إن طهران «ستتراجع فوراً» عن الإجراءات التي اتخذتها في برنامجها النووي بمجرد رفع العقوبات الأميركية.
لكن الناطقة باسم البيت الأبيض جين ساكي قالت للصحافيين على متن طائرة الرئاسة بينما كان الرئيس جو بايدن في طريقه إلى ميتشيغن «لا توجد خطة لاتخاذ خطوات إضافية» في شأن إيران قبل إجراء «حوار ديبلوماسي».
وعما إذا كانت إدارة بايدن تدرس أمراً تنفيذياً في شأن إحياء الاتفاق، أشارت ساكي إلى أن «الأوروبيين دعونا... وهي ببساطة دعوة لإجراء محادثات، محادثات ديبلوماسية... لسنا بحاجة لاتخاذ خطوات إدارية إضافية للمشاركة في تلك المحادثات».