شن جو بايدن، هجوماً غير مسبوق ضد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، متهماً إياه بالتحريض على الإرهاب، ودعا مجلس الشيوخ إلى محاكمته وإدانته، من دون أن يؤدي ذلك الى عرقلة المساندة التشريعية المطلوبة لتسهيل مهمة الرئيس الأميركي المنتخب في الحكم، على الأقل في أيامه المئة الأولى.
وقال بايدن، في بيان، ليل الأربعاء - الخميس، إن الهجوم على مبنى الكونغرس، قبل 10 أيام، «نفّذه متطرفون سياسيون وإرهابيون محليون حرّضهم الرئيس ترامب على هذا العنف».
وجاء البيان على أثر إقرار مجلس النواب خلع ترامب، للمرة الثانية في رئاسته، ليصبح الرئيس الوحيد في تاريخ الولايات المتحدة، ممن يتم خلعهم مرتين في مجلس النواب، ولينضم بذلك الى رئيسين سبقاه في «الخلع»، الجمهوري ريتشارد نيكسون والديموقراطي بيل كلينتون.
وصوت مجلس النواب لمصلحة توجيه الاتهام الى الرئيس بغالبية 232 صوتاً في مقابل 197.
واتهم الملياردير الجمهوري (74 عاماً) بتشجيع الهجوم الذي شنه أنصاره على الكابيتول في 6 يناير، وأوقع خمسة قتلى وهز أسس الديموقراطية الأميركية.
وقالت رئيسة مجلس النواب الديموقراطية نانسي بيلوسي، لدى توقيعها على القرار الاتّهامي تمهيداً لإحالته على مجلس الشيوخ، إنّ «مجلس النواب أظهر بمشاركة من الحزبين، أنّ ما من أحد فوق القانون، ولا حتّى رئيس الولايات المتّحدة»، مكرّرة التحذير من أنّ ترامب يشكّل «خطراً واضحاً وفورياً» على البلاد.
في الأثناء، مازال الجمهوريون يعانون من سيطرة ترامب عليهم، حتى بعد خسارتهم البيت الأبيض والكونغرس بغرفتيه تحت قيادته على مدى الأعوام الأربعة الماضية، إذ لم يجرؤ إلا 10 من النواب الجمهوريين على الانضمام للديموقراطيين للتصويت على الخلع.
والخلع في مجلس النواب، هو بمثابة قرار اتهامي يدين الرئيس، ويتم إرساله الى مجلس الشيوخ، الذي يتحول إلى محكمة برئاسة رئيس المحكمة الفيديرالية العليا جون روبرتس، ويتحول الشيوخ الى أعضاء محلّفين، ويتطلب قرار الإدانة تصويت ثلثي الأعضاء (67 سناتوراً).
ويلي قرار الإدانة، في حال المصادقة عليه، مشروع قرار تلقائي حول مستقبل المدان سياسياً، ويتطلب منعه من الترشح الى أي منصب في الدولة، موافقة غالبية الأعضاء، أي 51 من الأعضاء البالغ عددهم 100.
من جهته، وبعد أن سرّب ميتش ماكونيل، زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ، حتى المصادقة على سناتوري جورجيا الديموقراطيين في 22 يناير الجاري - أنه لا يمانع إدانة ترامب، عن تغيير في موقفه، وقال إنه لا ينوي عقد جلسات للمجلس قبل المقررة في 19 الجاري، أي عشية قسم الرئيس المنتخب بايدن اليمين الدستوري ليصبح رئيساً فعلياً للبلاد، وقبل ثلاثة أيام فقط من انتقال زعامة مجلس الشيوخ الى الديموقراطيين، وهو ما يعني أن أي محاكمة لترامب سيديرها الديموقراطيون، وأن أي إدانة ستتطلب غالبية الثلثين، التي تحتاج انضمام 17 سناتوراً جمهورياً.
هذا من الناحيتين الدستورية والقانونية... أما من الناحية السياسية، فيرى الديموقراطيون أن الجمهوريين يسعون للقضاء على ترامب، لكنهم ما زالوا يخشونه ويخافون تهديداته بالعنف عن طريق مناصريه.
وتداول العاملون في الكونغرس من الحزبين أن أكثر من نصف جمهوريي مجلس النواب، والبالغ عددهم 211، كانوا ينوون التصويت على قرار الخلع، لكنهم تراجعوا خشية الأذى الذي قد يتعرضون له، أو أفراد عائلتهم، على أيدي «بلطجية» الرئيس النتهية ولايته.
وفي مجلس الشيوخ، يتمنى عدد من الطامحين للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في العام 2024 الى تدمير ترامب حتى تخلو الساحة لهم. كذلك ينقل البعض عن ماكونيل طموحه بأن يرى نهاية حقبة ترامب التي دمرت الحزب الجمهوري، وكادت تقضي على الديموقراطية الأميركية برمّتها.
لكن يبدو أن ماكونيل يريد تدمير ترامب من دون أن تتلوث يداه أو أن يخسر أي من مؤيديه الجمهوريين ممن لا يزالون يدافعون عن ترامب، وهو ما يشي بأنه يرغب في رؤية الديموقراطيين يدمرون الأخير، حتى بعد خروجه من الحكم.
إلا أن الديموقراطيين لا يعنيهم ترامب ولا يشكل مشكلة لديهم بالحجم نفسه الذي يعاني منه الجمهوريون، فترامب هدية مجانية بالنسبة إليهم، اذ إن استمراره في قيادة الحزب الجمهوري تعني استمرار الانتصارات الديموقراطية، لذا فان مصلحتهم تقضي بالتخلي عن ترامب، وإعادة إصلاح الحزب، وإعادة مقدرته على التنافس انتخابياً.
ومع رمي ماكونيل، كرة تدمير ترامب في ملعب الديموقراطيين، الذين يتسلمون مقاليد الحكم كاملة - أي البيت الأبيض والكونغرس بغرفتيه - ابتداء من 22 يناير، وعلى مدى العامين المقبلين على الأقل، يصبح موضوع التعامل مع انزال العقوبة بترامب على عاتق الحزب الديموقراطي.
على أن بايدن لا يرغب في أن تبدأ ولايته وهي منغمسة في ترامب ومشاكله، بل يسعى جاهداً للقيام بأكبر كمية من الإنجازات الممكنة في الأيام المئة الأولى من ولايته، وهو ما يتطلب أن يكون الكونغرس مجنداً خلف الرئيس وأجندته، ومستعداً للمصادقة على تعييناته، وعلى إقرار التشريعات التي يتطلبها، والموازنات التي يحتاجها، خصوصا في مواجهة فيروس كورونا المستجد، وفي إطلاق أكبر عملية تلقيح يسعى إليها في التاريخ البشري.
أمام طموح بايدن الجامح في تثبيت وضع البلاد، داخلياً وخارجياً، سياسياً واقتصادياً، يبدو موضوع الانغماس في محاكمة ترامب في مجلس الشيوخ عملية معقدة ستستنزف الطاقة، وستسرق الأضواء من الإنجازات التي يطمح إليها، وستكرس الانقسام بين الحزبين، بدلاً من أن ينشغل الجمهوريون في ترتيب بيتهم الداخلي والتخلص من ترامب، وينشغل الديموقراطيون في إعادة اللحمة قدر المستطاع.
بدوره، رد ترامب على الخلع الثاني له بإدانة العنف الذي طاول الكابيتول، وقال إنه «لا يمكن لأي مؤيد حقيقي لي أن يؤيد العنف السياسي، ولا يمكن لأي مؤيد حقيقي لي ألّا يحترم تطبيق القانون أو علمنا الأميركي العظيم».
وتابع في فيديو مسجل قصير: «الآن أطلب من كل من آمن بي في أي وقت مضى أن يفكر في طرق لتخفيف التوترات وتهدئة الأعصاب والمساعدة في تعزيز السلام في بلادنا».
كما شجب ترامب ما وصفه بـ«الاعتداء غير المسبوق على حرية التعبير»، على خلفية إلغاء مواقع التواصل حساباته ومنعه من المشاركة فيها. وقال إن «الجهود المبذولة لفرض رقابة وإلغاء وإدراج مواطنينا في القائمة السوداء خاطئة وخطيرة».
وختم مؤكداً أن «ما نحتاجه الآن هو الاستماع لبعضنا البعض، لا إسكات بعضنا البعض».
قرار حظر ترامب على وسائل التواصل يطرح «إشكالية» قوة شركات الإنترنت
اعتبر مؤسّس «تويتر» ورئيسه جاك دورسي، أنّ قرار الموقع فرض حظر على الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب، كان «الخيار الصحيح» لكنّه مع ذلك يرسي «سابقة خطرة» بشأن مقدار السلطات التي تتمتّع بها كبريات شركات الإنترنت.
وفي سلسلة تغريدات تناول فيها قرار «تويتر» منع ترامب من استخدام المنصّة إلى أجل غير مسمّى، قال دورسي إنّ هذا القرار يمثّل «إخفاقاً من جانبنا في الترويج لمحادثة صحّية».
وأضاف أنّ فرض حظر على الملياردير الجمهوري «يرسي سابقة تبدو لي خطرة:
القوة التي يتمتع بها فرد أو شركة على جزء من المحادثة العامة». وعلّق «تويتر» بشكل دائم حساب ترامب الجمعة بعد يومين من اقتحام حشد من أنصار الرئيس الجمهوري «الكابيتول» في أعمال شغب أوقعت خمسة قتلى وألحقت خراباً بالمبنى وصدمت الولايات المتحدة وأضرّت بسمعتها في العالم. وكان «فيسبوك» ومواقع أخرى مثل «سنابتشات» و«تويتش» و«يوتيوب» علّقت حسابات ترامب لأجل غير مسمّى.
لكن مع أكثر من 88 مليون متابع، كان «تويتر» المنصة المفضلة لترامب للقيام باعلانات سياسية او مهاجمة وسائل إعلام أو إهانة خصومه بشكل يومي. وأثار القرار ردود فعل سياسية متباينة في الولايات المتحدة وخارجها. واعتبرت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أن إغلاق العديد من شبكات التواصل الاجتماعي وبينها «تويتر» حسابات ترامب «يطرح إشكالية» لأن هذه المنصات لديها «مسؤولية كبيرة جداً ويجب ألا تبقى من دون تحرك» في مواجهة محتوى يتضمن حقداً او عنفاً، في حين أنّ «حرية التعبير هي حق جوهري له أهمية أساسية». ورأى وزير الاقتصاد الفرنسي برونو لومير أنّ «تنظيم العمالقة الرقميين لا يمكن أن تقوم به الأوليغارشية الرقمية نفسها».
وفي سلسلة تغريداته، اعتبر دورسي أنّ توازن القوى محترم طالما أنّه «بإمكان الناس أن يذهبوا بكل بساطة إلى خدمة أخرى إذا كانت قواعدنا وطريقة تطبيقنا لهذه القواعد لا تناسبهم». لكنّه اعترف بأنّ «هذا المفهوم وُضع على المحكّ الأسبوع الماضي عندما قرّر عدد من مزوّدي أدوات الإنترنت الأساسيين عدم استضافة ما يعتبرونه خطيراً».
وكان ترامب حاول الالتفاف على قرار «تويتر» بتعليق حسابه بأن غرّد مستخدماً الحساب الرسمي لرئيس الولايات المتحدة @بوتوس (بوتوس هي الأحرف الأولى بالإنكليزية لعبارة رئيس الولايات المتحدة)، لكنّ المنصّة سارعت إلى حذف تغريداته.
والأربعاء، أعلن المدعي العام لولاية تكساس كين باكستون أنّه طالب من شركات «أمازون» و«آبل» و«فيسبوك» و«غوغل» و«تويتر» شرح الأسباب التي دفعتها لفرض حظر على ترامب. واعتبر أنّ الخطوة التي قامت بها الشركات «تبدو منسّقة» وتهدف «لإسكات أولئك الذين لا يتماشى كلامهم ومعتقداتهم السياسية مع قادة الشركات التكنولوجية الكبرى».
لكنّ مؤسّس «تويتر» نفى أن تكون هذه الخطوة منسّقة، وقال «لا أعتقد أنّ هذا الأمر كان منسّقاً. الأكثر ترجيحاً هو أنّ الشركات توصّلت إلى استنتاجاتها الخاصة أو شجّعتها عليها تصرّفات الآخرين».