يا طويل العمر احسمها وتوكل

1 يناير 1970 01:19 م
صبحك الله بالخير طويل العمر وكل عام وانتم بخير وديرتنا بخير والعرب والمسلمون بخير.

لن اطيل الكلام عليك يا ولي الامر فما عندكم من قضايا وهموم لا يحتاج الى اضافات، لكن الخصوصية الكويتية والعادات ونظامنا الحر والحواجز المكسورة بين الحاكم والمحكوم تدفعنا دائما الى التواصل من اجل المشاركة الايجابية في عملية البناء الوطني التي لن تتوقف بإذن الله.

طويل العمر... في الكويت ازمات سياسية. تصعيد اعلامي. شد وجذب بين الحكومة والمجلس. فساد اداري. تجاوزات على القانون. محاولات دائمة للالتفاف على الدستور. مشاريع مجمدة. آلام متجددة. آمال متقلصة. وغيرها وغيرها من الامور التي تملأ فضاءات حياتنا وتلونها بألوان داكنة.

لكن هذه القضايا موجودة ايضا بنسب متفاوتة في مختلف دول العالم، بل في الدول التي تحوز على ارقى معدلات التقدم والتنمية، ولسنا هواة جلد الذات لنبني على خلل شائع جبلا من الاحباط الاسود بل علينا دائما ان نواجه الازمات بمزيد من ارادات العمل والانجاز والحل، فالمجتمع المثالي والدولة الفاضلة لا مكان لهما في الواقع ولا حتى في قناعة الفيلسوف افلاطون الذي بنى النظرية وروج لها.

نعرف يا طويل العمر انك ترغب دائما في البناء على الايجابيات لمزيد من الايجابيات، ومحاربة السلبيات لمزيد من الايجابيات، وان تتسع رقعة البياض في الصورة القاتمة بجهود الجميع، وان تلعب وسائل الاعلام دورا رئيسيا في تحقيق هذه الرغبة... لكن السلطة الرابعة مرآة عاكسة في غالب الاحيان وليست اداة توجيه وتصعيد، ودائما دائما تقرع ناقوس التحذير للتنبيه والتصرف قبل ان يصبح مستصغر الشرر حريقا كبيرا.

كل ما ذكرناه سابقا من ازمات نشهدها تشهده كل دول العالم بنسب متفاوتة، رغم ان ما في نظامنا الديموقراطي التعددي من نقاط بيض كاف لنتباهى به ونؤسس عليه المزيد من الحريات والتنمية. لكن الاخطر من ذلك كله هو المنحى الذي تتجه اليه الامور خارجة من الطابع السياسي الى الطابع المذهبي ومن الطابع الوطني الى الطابع القبلي ومن الطابع الانساني الى الطابع التصنيفي... وهذه العوامل يا طويل العمر اذا اجتمعت واشتدت وقوي عودها اطاحت بالأمة والوطن.

السجال السياسي طبيعي وموجود في كل الدول، لكن ما هو غير طبيعي ان ينتقل من اطاره الوطني الى الاطار المذهبي فيختلط الامر وتبدأ التعبئة ويصبح الاصطفاف مع المساءلة او الاستجواب او المحاسبة او التقصير قائماً مثلا على طائفة من قدم السؤال ومن تقدم اليه السؤال، ثم تبدأ التعبئة في الشارع استنادا الى النظام الذي يسمح بحرية التجمع فتنقسم النفوس وتنشحن القلوب وتتحول الازمة السياسية شيئا فشيئا الى ازمة طائفية ومذهبية تتسع بعلم اصحابها او من دون علمهم.

وما ينطبق على الموضوع الطائفي ينطبق ايضا على الموضوع القبلي. يأتي جاهل من هنا او حاقد من هناك ويبدأ بإثارة قضايا انقسامية تسيء الى عوائل وقبائل كريمة ويجد من يصفق له او يدعمه لتصفية حسابات سياسية.

وما ينطبق على الموضوع القبلي ينطبق ايضا على الموضوع المناطقي، فنسمع عن «الدم الازرق» و«الداخل والخارج» و«من خلف السور ومن امامه»، ويحشد كل طرف جماعته وانصاره وحججه وتختلط الامور بسبب المصالح الضيقة حينا وبسبب الجهل والغباء في معظم الاحيان.

كل طرف يا طويل العمر يعتقد انه يعزف منفردا بينما سمفونية هدم الكويت تكاد تكتمل. كل طرف يعتقد انه يشعل نارا صغيرة في ركن من اركان الخيمة التي يستظل بدفئها بينما النار ستحرقه قبل غيره وستحرق الاخضر واليابس. كل طرف يعتقد ان تأجيجه للموضوع الطائفي او القبلي او المناطقي سيبقى محصورا في دائرته بينما الدوائر ستلتف عليه وعلينا وعلى الجميع.

والنتيجة يا طويل العمر واضحة وقد حذرت سموك منها مرارا في كل خطاب او نطق. النتيجة هي السقوط في دوامة العنف والانقسامات والفوضى. لا يريد المغامرون النظر مليا الى الدول المجاورة للاتعاظ مما يحصل، ولا قراءة تجارب دول بعيدة نسبيا للاتعاظ مما حصل، ولا اتقاء الله في بلدهم ووحدته واستقراره ومنعته وعزته ودوامه. كل همهم ترك الغريزة تقود دون الاستماع الى صوت المنطق والحق والاعتدال والمسؤولية، وكل همكم (وهمنا معكم) ان نوقف عجلة الهذيان والشحن المحموم عند حدودها كي لا تتطور الامور الى ما لا تحمد عقباه.

ما نقوله اليوم لا علاقة له باي تطورات داخلية على جبهة المجلسين ولا بأي سجال سياسي مشروع ولا بالاستجوابات المقدمة. ما نقوله صرخة تحذير من فتنة تطل برأسها في شارع لا يتحمل. من الذين يريدون تحويل الشارع الى مسرح لصراعات بغيضة لم تعرفها الكويت ولا تريد ان تعرفها، والنافخون في الكير يا طويل العمر هم في كل السلطات وليس في سلطة واحدة، والسلطات يا طويل العمر لا تتحمل بمجملها خطيئة فرد في صفوفها وبالتالي لا يجوز اخذ كثرة بجريرة قلة. فلا تؤخذ السلطة التشريعية بجريرة خطأ لنائب او عشرة نواب، ولا تؤخذ السلطة التنفيذية بجريرة خطأ لوزير او خمسة وزراء، ولا تؤخذ السلطة الرابعة بجريرة خطأ لوسيلة اعلامية او ثلاث وسائل.

الامور وصلت حدها يا طويل العمر ولا بد من اجراء يحررنا من الخوف على الوحدة والامن والاستقرار، فنحن لسنا رهائن لخطاب الانقسام الطائفي او القبلي او المناطقي، ولا نريد ان نبقى في مدارج المتفرجين التي ستسقط بنا عاجلا ام آجلا. نحن لدينا قيادة تملك الرؤية والحزم والحسم، فاحسمها يا طويل العمر، وجميعنا معك في معركة القضاء على الانقسامات وحماية النسيج الاجتماعي للكويت والكويتيين قبل ان تفتك بنا تلك الانقسامات ولات ساعة مندم.

الانقسامات السرطانية في جسد الدولة والمجتمع لا تداوى بالحبوب المهدئة يا طويل العمر، ولا بالمعالجات الظرفية، والتعامل معها يجب ان يكون بمستوى الحرص على وحدة هذا الجسد ولو اقتضى الامر اللجوء الى الكي والبتر. فالكويت اولا والكويت ثانيا والكويت هي البداية والنهاية.



جاسم بودي