تصعيد إيران النووي يفرض مفاوضات قبل رفع العقوبات

5 يناير 2021 10:48 م

على مدى عام ونصف العام، تلت إعلان الرئيس دونالد ترامب انسحابه من الاتفاقية النووية مع إيران في مايو 2018، أظهرت إيران الكثير من الصبر والأناة، ورفضت الانزلاق الى مواجهة مع الولايات المتحدة تقضي بتصعيد معاكس، يفضي بدوره الى القضاء على الاتفاقية في مجلس الأمن، حسب ما ينص القرار رقم 2231، الذي يكرّس الاتفاقية ويرفقها ببنود تنظّم كيفية انهيارها والعودة التلقائية للعقوبات الدولية، التي كانت مفروضة على طهران قبل أكتوبر 2015.

منذ انسحاب واشنطن من الاتفاقية، اكتفت طهران برفع نسبة اليورانيوم الذي تخصّبه من 3 الى 4.5 في المئة، وهي نسبة غير مقلقة ولا تؤثر جدياً في مصير الاتفاقية، حتى لو علا بعض الأصوات الأوروبية ضد الخطوة الإيرانية. حتى أن وزير الخارجية محمد جواد ظريف أصدر بياناً أعلن فيه أن بلاده مستعدة لفتح مواقع كان مفتشو وكالة الطاقة الذرية الدولية طالبوا بالكشف عنها.

إيران، ورغم التصعيد الأميركي ضدها، بدت متمسكة برباطة جأشها وبالاتفاقية، ومستعدة لتسهيل تنفيذها، للحفاظ عليها، بدلاً من السماح لأميركا بنسفها.

لكن أن ترفع إيران تخصيب اليورانيوم الى 20 في المئة - بعد خسارة ترامب وفوز المرشح الديموقراطي جو بايدن، بالرئاسة، وبعدما صار «خط نهاية» العقوبات الأميركية باديا للإيرانيين - فان الخطوة تدفع الأمور تجاه مجلس الأمن، وتعيد فتح النقاش حول الاتفاقية برمتها، وحول التزام إيران بها، وقد تؤدي حتى الى إعادة تفعيل آلية العقوبات الدولية، وتالياً انهيار الاتفاقية بكاملها، وهو ما سعت إيران لتفاديه على مدى سنين حكم ترامب، بانتظار عودة رئيس ديموقراطي الى البيت الأبيض للعودة للاتفاقية التي يجمع الأميركيون اليوم، من الحزبين، أنها بحاجة لتعديلات.

ترامب كان طرح تعديلات على الإيرانيين، عبر الأوروبيين، قضت بالتخلص من مواعيد انتهاء بنود الاتفاقية وجعل كل البنود دائمة وأبدية، وإضافة بند يحظر تجارب إيران الصاروخية. لكن الإيرانيين رفضوا تعديلات ترامب، فأجبروه على الانسحاب من الاتفاقية وإعادة فرض العقوبات.

ربما اعتقد الإيرانيون أن العقوبات الأحادية لا تؤثر في اقتصادهم مع بقاء الدول الأوروبية وروسيا والصين في الاتفاقية، لكن حساباتهم اتضح اليوم أنها خاطئة، اذ تسببت عقوبات بانهيار اقتصادي. توقع ترامب أن تؤذي عقوباته إيران الى درجة تجبرها على العودة الى طاولة المفاوضات والموافقة على بنوده، لكن الايرانيين آثروا انتظار خروجه من البيت الأبيض، وهو ما سيحصل في 20 يناير الجاري، وهو اليوم الذي يصبح فيه بايدن رئيساً للولايات المتحدة.

وسبق لبايدن أن نشر مقالة على موقع شبكة «سي أن أن»، قبل انتخابه، وأعاد تكرار رأيه في مقابلة مع صحيفة «نيويورك تايمز»، بعد انتخابه، وعد فيهما بالعودة الى الاتفاقية النووية في حال عادت ايران الى نسب التخصيب المتدنية السابقة لانسحاب ترامب. وفي وقت لاحق، قدم وزير الخارجية المعيّن انتوني بلينكن المزيد من التفاصيل، اذ قال إن واشنطن تعود للاتفاقية، فقط بعد عودة طهران الى نسب التخصيب المتدنية، مع أن رفع نسب التخصيب كان رداً على الانسحاب.

هكذا، نسف بايدن - عن قصد أو عن غير قصد - تسلسل الأحداث، فصار مطلوباً من الإيرانيين التراجع في نسب ومخزونات تخصيب اليورانيوم رغم بقاء العقوبات عليهم. ثم بعدما تعود الأمور الى ما كانت عليه بموجب الاتفاقية، وعد بايدن بأن أميركا ستعقد مفاوضات جديدة لتعديل الاتفاقية نفسها.

هذه المفاوضات، حسب مستشار الأمن القومي المعيّن جون سوليفان، ستتمحور حول برنامج إيران الصاروخي، وحول إدراجه في الاتفاقية المعدّلة التي تنوي واشنطن التوصل إليها.

إلا أنه سبق للرئيس الإيراني حسن روحاني، أن قال، في حديث متلفز أيضاً، إن البرنامج الصاروخي لم يكن مطروحاً على طاولة المفاوضات في الماضي، وليس مطروحاً اليوم ولا في المستقبل، وأن «السيد بايدن يعرف ذلك جيداً».

اذا، حتى مع الإيجابية التي ولدها انتخاب بايدن رئيساً، والتي دفعت كثيرين للاعتقاد بأن هذا الانتخاب وحده كفيل بعودة الأمور الى ما كانت عليه في العام الأخير من حكم الرئيس السابق باراك أوباما، إلا أن التصريحات والمواقف من الجانبين، الأميركي والإيراني، تشي بأن العودة الى ما قبل انسحاب ترامب ليست سهلة، بل تتعقد باضطراد.

قد تكون هذه التعقيدات هي التي دفعت الإيرانيين الى التصعيد نووياً مع اقتراب تسلم بايدن الرئاسة، وهو التصعيد الذي تفادوه في كل سنوات ترامب. لكن كيف يفيد هذا النوع من التصعيد الإيرانيين؟ فهو تصعيد يعزز موقف واشنطن المتردد في رفع العقوبات عن إيران، بل يجبرها على الحضور الى طاولة المفاوضات، لا بضغط أميركي، بل بقوة مجلس الأمن الراعي للاتفاقية. وكان الأوروبيون باشروا الإعراب عن قلقهم من الإعلان الإيراني زيادة منسوب التخصيب، كما سبق للوكالة الذرية أن أشارت الى عدد من التجاوزات الإيرانية الأخرى التي أثارت، لا قلق حلفاء واشنطن الأوروبيين فحسب، بل قلق روسيا والصين كذلك.

والحال هذه، ان عادت إيران الى المفاوضات قبل رفع أميركا عقوباتها الاقتصادية، تكون قامت بالخطوة التي رفضت القيام بها على مدى السنوات الأربع الماضية، وهي التفاوض الهادف لرفع هذه العقوبات، إذ سبق للمسؤولين الإيرانيين أن كرروا أنهم يعودون الى الحوار مع أميركا أو المجتمع الدولي، فقط بعد رفع العقوبات، لا قبل ذلك.

أما إن عادت طهران فعلياً الى المفاوضات، قبل أن ترفع واشنطن عقوباتها، فهذا يعني نهاية الاتفاقية الحالية، والبدء بالتفاوض على اتفاقية بديلة، لن يتم التوصل إليها ما لم تتراجع إيران عن ملفها الصاروخي وتوافق على إدراج ضوابط عليه في أي اتفاقية مقبلة.