نظرة تفاؤلية تمد جسر الأمل بين سَنة تستعد للأفول وخليفتها المُوشِكة على الوصول

بشائر طبية «غُرِست» في 2020 ... و«ستُثمِر» في 2021

24 ديسمبر 2020 10:00 م

صحيح أن جائحة كورونا خيّمت بظلالها القاتمة والكئيبة على العالم خلال العام 2020 الذي يستعد للرحيل وأسهمت هي وأحداث أخرى في جعله واحداً من أثقل السنوات وطأة على العالم ككل، لكنه في المقابل انطوى على بشائر طبيّة تدعو إلى التفاؤل بالعام الذي يستعد للوصول ليكون خليفته.

فهناك ابتكارات وتقنيات طبيّة واعدة شهد العام 2020 «غرسها» (بمعنى اكتشافها وتطويرها وإثبات نجاحها عملياً)، وهي ابتكارات ترقى إلى مستوى الاكتشافات الخارقة ويتوقع لها أبرز الخبراء والمختصون العالميون في المجال الطبي أن «تُثمر» خلال العام 2021 - بمعنى أنها ستسهم في شفاء كثيرين حول العالم من أمراض مستعصية وسيكون لها دور إيجابي في تعزيز الرعاية الصحية.

وعلى سبيل المثال، شهد العام 2020 اكتشاف وتطوير علاج جيني غير مسبوق وواعد لأمراض الدم... وفئة جديدة من الأدوية المبشرة بمعالجة التليُّف الكيسي... وأجسام مضادة لمعالجة التصلُّب اللويحي التقدمي.

تلك الابتكارات – وغيرها – اختيرت بعناية فائقة من جانب لجنة تحكيم رفيعة المستوى تألفت من أطباء وباحثين من مستشفى كليفلاند كلينك الأميركي المرموق بالتنسيق والتعاون مع نسخة العام 2020 من المؤتمر العالمي للابتكار الطبي، وهي القمة التي تقوم في أواخر كل عام بإصدار قائمة شرف تضم أهم الابتكارات والتقنيات الطبية الواعدة التي شهد العام المحتضر مخاضها ومن المتوقع لها أن تترعرع وتثمر خلال العام الذي بعده.

علاج جيني لاعتلال الهيموغلوبين

اعتلال الهيموغلوبين هو عبارة عن مجموعة اضطرابات جينيّة تؤثر على بنية أو إنتاج جُزيء الهيموغلوبين - وهو البروتين الأحمر المسؤول عن نقل الأكسجين في الدم. ومن بين اضطرابات الاعتلال الهيموغلوبيني الأكثر شيوعاً: مرض فقر الدم المنجلي ومرض الثلاسيميا. وتؤثر تلك الاضطرابات مجتمعة على بضعة ملايين من الأطفال الذين يولدون مصابين بها على مستوى العالم سنوياً.

• الابتكار المرتقب:

خلال 2020، أسفرت جهود بحثية مكثفة عن التوصل إلى اكتشاف علاج جيني تجريبي أثبت فعالية في معالجة اضطرابات الاعتلال الهيموغلوبيني العلاج ذات المنشأ الجيني. وستسمح التقنية العلاجية الرائدة في منح أجسام المصابين بتلك الأمراض القدرة على تكوين جزيئات الهيموغلوبين الوظيفية – وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تقليص وجود خلايا الدم المنجلية أو خلايا الدم الحمراء غير الفعالة بما يمنع المضاعفات التي تنجم عن وجود تلك الخلايا المعطوبة.

علاج غير مسبوق للتصلُّب اللويحي التقدمي

لدى المصابين بمرض التصلب المتعدد (MS)، يهاجم الجهاز المناعي غمد المايلين الذي هو عبارة عن واق دهني يكسو الألياف العصبية، وهذا يسبب مشاكل في الاتصال بين الدماغ وبقية الجسم إلى درجة يمكن أن تؤدي إلى تلف أو تدهور دائم أو حتى الموت في نهاية المطاف.

ويعاني نحو 15 في المئة من المصابين بالتصلب اللويحي المتعدد من مجموعة فرعية من الأمراض تُعرف باسم التصلب اللويحي التقدمي الأولي (PPMS)، وهي الأمراض التي تتسم بمرحلة بداية تدريجية ثم تطور وتدهور ثابت للأعراض.

• الابتكار المرتقب:

أجازت إدارة الأغذية والعقاقير في الولايات المتحدة نوعاً جديداً من الأجسام المضادة العلاجية وحيدة النسيلة، والتي تعتبر العلاج الأول والوحيد للتصلب اللويحي التقدمي الأولي.

تقنية ذكية لتنظيم ضربات القلب

في تطور ثوري، نجح باحثون في ابتكار أجهزة ذكية فائقة الدقة قابلة للزرع في الجسم لتقوم بتنظيم نبض القلب، حيث تقوم ببث نبضات كهربائية منتظمة إلى غرف القلب لحثها على الانقباض وضخ الدم إلى الجسم بسلاسة.

وتتميّز تلك الأجهزة الدقيقة بالكفاءة العالية في ضبط أو تصحيح مشكلة عدم انتظام ضربات القلب. وبطبيعة الحال فإن المراقبة عن بعد لمثل هذه الأجهزة هي جزء أساسي من الرعاية.

وتقليدياً، فإن المراقبة عن بعد لهذه الأجهزة تتم من خلال وحدة تحكم بجانب السرير تنقل بيانات منظم ضربات القلب أو مزيل الرجفان إلى الطبيب. وعلى الرغم من أن هناك عشرات الملايين من المرضى حول العالم مزودون بأجهزة كتلك، إلا أن معظمهم يفتقرون إلى الفهم الأساسي لكيفية عملها.

• الابتكار المرتقب:

نجح علماء في تصميم وتطوير أجهزة تنظيم ضربات قلب مزودة بتقنية البلوتوث بما يسمح لها بأن تشكل جسر اتصال فوري ودائم من خلال الهاتف الذكي بين المريض وطبيبه. ومن خلال تطبيق إلكتروني متصل بالإنترنت، ستسمح تلك الأجهزة المبتكرة لمستخدميها بقدر غير مسبوق من الإحاطة الفورية بالبيانات التي ترصدها الأجهزة ونقل المعلومات إلى أطبائهم أولاً بأول.

توليفة لعلاج «التليُّف الكيسي»

حالياً، هناك نحو 3 ملايين شخص حول العالم يعانون من مرض التليُّف الكيسي(cystic fibrosis) الذي هو عبارة عن حالة وراثية بإفراز مخاط سميك ولزج يسد المسالك الهوائية ويحبس الجراثيم بداخلها، ما يؤدي إلى التهابات ومضاعفات أخرى. وينجم التليُّف الكيسي عن خلل في بروتين معين مسؤول عن تنظيم حركة مرور وتدفق الإفرازات عبر أغشية الجسم. وهناك فئة من العقاقير تسمى مُعدِّلات CFTR تصحح عمل ذلك البروتين، لكن المشكلة تكمن في أن جميع تلك الأدوية ليست فعّالة سوى مع مجموعة فرعية من المرضى الذين لديهم طفرات جينية بعينها، ما يعني أنها لا تعالج سوى نسبة محدودة من المرضي.

• الابتكار المرتقب:

أجازت إدارة الأغذية والعقاقير في الولايات المتحدة تركيبة دوائية جديدة تتألف من توليفة عقاقير، وهي التركيبة التي أثبتت كفاءة في جلب الراحة لأكثر من 90 في المئة من مرضى التليُّف الكيسي، خصوصاً الذين لديهم الطفرة الجينية (F508 del) الأكثر شيوعاً بين حاملي ذلك المرض على مستوى العالم.

علاج شامل للالتهاب الكبدي C

مرض الالتهاب الكبدي C منتشر على نطاق واسع عالمياً، ومصنف باعتباره «وباء صامتاً». ويمكن أن تؤدي العدوى بالفيروس المسبب للالتهاب الكبد C إلى مشاكل صحية خطيرة تهدد الحياة مثل: فشل وتليُّف الكبد وسرطان الكبد.

وفي ظل عدم وجود لقاح مضاد لذلك الفيروس، ظلت الخيارات المتاحة للمرضى مقتصرة على الأدوية الاحتوائية، ولكن معظمها لها آثار جانبية ضارة أو لا تكون فعالة إلا مع بعض الأنماط الجينية للمرض.

• الابتكار المرتقب:

تم تطوير توليفة دوائية جديدة أدى تعاطي جرعة ثابتة منها إلى تحسين تخفيف الالتهاب الكبدي C بدرجة كبيرة جدا، حيث أثبت فعالية في معالجة أكثر من 90 في المئة من الأنماط الجينية الستة الأولى من مرض الالتهاب الكبدC. وبهذا يمكن القول إن سيكون خياراً علاجياً فعّالاً لنطاق أوسع من المرضى.

مثبطات PARP لسرطان البروستاتا

وفقا لإحصائيات عالمية، يصاب 10 في المئة تقريباً من الرجال بسرطان البروستاتا عند مرحلة ما في حياتهم. وعلى الرغم من إحراز تقدم في العلاجات خلال العقد الماضي، فإن هذا المرض لا يزال هو ثاني مسبب رئيسي للوفاة بالسرطان بين الرجال في دول عدة من بينها الولايات المتحدة. وهناك مثبطات PARP التي تعالج السرطان، لكن مشكلتها تكمن في أنها تكبح البروتينات التي تساعد في إصلاح الحمض النووي في الأورام لدى الأشخاص المصابين بـالطفرتين الجينيتين BRCA1 و BRCA2.

• الابتكار المرتقب:

على الرغم من أنهما معروفان بنجاحهما في معالجة سرطانات النساء، أثبت اثنان من أدوية تثبيط بروتينات PARP فعاليتهما الكبيرة في عرقلة وتأخير انتشار سرطان البروستاتا لدى الرجال المصابين بالنوع المقاوم للعلاجات. وخلال العام 2020، أجيز الدواءان رسمياً في الولايات المتحدة لمعالجة لسرطان البروستاتا، ومن المتوقع السماح بتصديرهما وتسويقهما عالمياً خلال العام 2021.