يبدو أن الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، تعمّد تفادي الإشارة الى إسرائيل عند حديثه عن نيته العودة للاتفاقية النووية مع إيران.
وقال إنه بعد العودة، ستنخرط واشنطن في حوار مع طهران حول دورها الإقليمي، خصوصاً تطويرها الصواريخ ودعمها الميليشيات، وسيشارك في الحوار حلفاء الولايات المتحدة، الخليجيون.
لكن ماذا عن إسرائيل التي عارضت الاتفاقية النووية منذ زمن الرئيس السابق باراك أوباما؟
في حوار مع عدد من المسؤولين الأميركيين السابقين، والباحثين، والمعنيين بشؤون السياسة الخارجية، قال زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد، إن الدولة العبرية - بكل أطيافها السياسية من اليمين واليسار والوسط - ترى أن اتفاقية العام 2015، «سيئة جداً، وتؤذي إسرائيل ومصالحها».
وألقى لبيد باللوم في مضي إدارة أوباما في توقيع الاتفاقية، على أداء رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي آثر معارضة الرئيس الأميركي السابق، وتحريض الكونغرس ضده، وتلقينه درساً في التاريخ علناً، قبل لقاء ثنائي بينهما في البيت الأبيض.
بمعارضة أوباما، خرجت إسرائيل من الحسابات الأميركية أثناء المفاوضات مع إيران.
ويخشى لبيد من أن يبدأ نتنياهو في تعميم فكرة أن إدارة بايدن هي تتمة لإدارة أوباما، وهو ما يحيّد إسرائيل على مدى السنوات الأربعة المقبلة بدلاً من ابقائها في دائرة تدارس القرار داخل واشنطن.
ويعد المسؤول الإسرائيلي بأنه سيسعى لاقناع نتنياهو بضرورة مسايرة بايدن، وبأنه، لو قيض له تولي رئاسة الحكومة في حال حصلت انتخابات إسرائيلية جديدة، سيعمد الى تعميق الصداقة مع كل الجهات الأميركية، من ديموقراطيين وجمهوريين وغيرهم، في الإدارة كما في الكونغرس، ومحاولة اقناع الأصدقاء في واشنطن بأن الاتفاقية النووية «تؤذي» إسرائيل، ولابد من تعديلها، أو تعليقها، إن تعذر تعديلها.
الأصدقاء، يقول لبيد، يقنعون بعضهم البعض أكثر من الأعداء، وهو المبدأ نفسه الذي أسبغه زعيم المعارضة على الصداقة الماضية في التوسع بين الإسرائيليين والعرب.
ويضيف أنه يمكن للفلسطينيين رفض كل شيء، والتمسك بالوضع القائم، واستصدار القرار الرقم 500 في الجمعية العامة للأمم المتحدة ضد إسرائيل، لكن كل هذه السياسة الفلسطينية لم تثمر في الماضي ولن تثمر في المستقبل.
ويستشهد برئيس الحكومة الإسرائيلية الراحل آبا ايبان، الذي قال إن «الفلسطينيين لا يفوتون فرصة لتفويت فرصة».
أما الصداقة، على غرار معاهدات السلام الجديدة بين إسرائيل، من ناحية، والإمارات والبحرين والسودان والمغرب، من ناحية ثانية، فمفعولها أقوى بكثير.
ويقول لبيد إن 50 ألف إسرائيلي زاروا الإمارات في «عيد الأنوار» المعروف بـ «حانوكه»، ويعتبر أن لا تجربة لهؤلاء مع العرب باستثناء مع عرب إسرائيل، الذين يتكلمون العبرية.
في الإمارات، يتابع لبيد، سيتعرف الإسرائيليون الى عرب جدد لا يعرفونهم... «عرب أذكياء، وعصريون، وأصحاب وجهات نظر متعددة».
بعد نشوء صداقات واتساع الميزان التجاري بين إسرائيل والدول العربية، تصبح للطلبات العربية وزن أكبر لدى إسرائيل، التي ستخشى حينذاك، زعل الأصدقاء أو خسارتهم.
أما في حال استمرار المقاطعة العربية لإسرائيل، فان رأي المقاطعين لا يؤثر بالرأي العام الإسرائيلي، ولا برأي الحكومة.
ويمضي لبيد في الحديث عن إيران، ويرى ضرورة تزويد دول الخليج بأحدث التقنيات العسكرية ودعمها، لمنع نشوب مواجهة.
العلاقة الإسرائيلية مع أميركا، ليست ثنائية فحسب، بل معقدة وتتضمن جوانب عديدة من السياسة الخارجية الأميركية تجاه الشرق الأوسط.
المزاج العام الأميركي، منذ حرب العراق في العام 2003، انقلب الى مؤيد للانعزال عن العالم.
لكن هذا النوع من الانعزال لا ينهي مشاكل العالم، بل يفاقمها، مع محاولة القوى العالمية، مثل روسيا وإيران، السعي لملء الفراغ الذي يخلفه الانسحاب الأميركي، وهو انسحاب قد لا يكون عسكرياً بالضرورة، بل ديبلوماسي وسياسي ولا مبالاة أميركية.
مثلاً في المناظرات الرئاسية، بين بايدن والرئيس دونالد ترامب، وفي مناظرة نائب الرئيس، بين مايك بنس وكامالا هاريس، لم يقم أي من المحاورين بطرح أي من الأسئلة المتعلقة بالسياسة الخارجية، ولا حاول أي من المرشحين التعريج على هذه السياسة.
المزاج الأميركي يرغب في الانسحاب من كل العالم، فيما حلفاء الولايات المتحدة بحاجة إليها: اليابان وكوريا الجنوبية واستراليا بحاجة لأميركا في مواجهة الصين، وإسرائيل وعدد من الدول العربية، بحاجة لأميركا لمواجهة إيران، ودول أوروبا الشرقية وبعض العواصم الأوروبية الكبرى بحاجة لأميركا، لمواجهة روسيا.
إسرائيل هي واحدة من أقرب الحلفاء الى أميركا، وهي في مصافي العواصم الأوروبية الثلاث، لندن وباريس وبرلين. لكن على عكس الأوروبيين، تسعى إسرائيل - وحيدة - لإقناع واشنطن بضرورة تغيير سياستها المتوقعة تجاه إيران، وهي تنوي القيام بذلك - حسب لبيد وبعض أصدقاء إسرائيل في العاصمة الأميركية - بشكل مغاير عمّا فعلته أثناء رئاسة أوباما، اذ تنوي تقوية صداقتها واقناع أصدقائها بضرورة التخلي عن السياسة المتوقعة تجاه إيران، بدلاً من مواجهة البيت الأبيض سياسياً وشعبياً داخل الولايات المتحدة. أما من ينتصر من المدرستين الإسرائيليتين في التعامل مع واشنطن: نتنياهو وصدامه، أم لبيد وصداقاته؟ الإجابة تعتمد جزئياً على الرأي العام ومن سيرجح لقيادة إسرائيل.
حتى لو بقي نتنياهو، فهو لن يتجه للاصطدام مع بايدن، في حال شعر بأن الرأي العام الداخلي، وأصدقاء إسرائيل من الأميركيين، يعارضون هذا النوع من السياسة.
بعد ذلك، ما يبقى هو التكهن كيف ستتفاعل أميركا مع معارضة أقرب حلفائها، للاتفاقية، خصوصا أن إسرائيل تعتبر أن الأمر هو أبعد من السياسة، وأنه خطر يتهدد وجود الدولة العبرية نفسها.