أنجزت وفود الولايات الأميركية الخمسين ومقاطعة كولومبيا الفيديرالية عملية الإدلاء بأصواتها في الانتخابات الرئاسية في الكلية الانتخابية، ما أدى الى تثبيت انتصار الرئيس المنتخب الديموقراطي جو بايدن بـ 306 أصوات انتخابية، مقابل 232 للرئيس الجمهوري المنتهية ولايته دونالد ترامب، وهي نتيجة أكبر من التي انتصر فيها ترامب على منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون قبل أربعة أعوام.
وعلّق بايدن، الذي تلقى مساء أمس، التهنئة من زعيم الغالبية الجمهورية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، على تثبيت النتائج، ليل الاثنين، بالقول إن «هذه الانتخابات كانت أوضح برهان على إرادة الشعب الأميركي»، مضيفاً: «لقد حزت على أكبر عدد من الأصوات في تاريخ الانتخابات».
وكان بايدن حاز على أكثر من 81 مليون صوت، مقابل 74 مليوناً لمنافسه ترامب.
كما شنّ بايدن، هجومه الأعنف حتّى اليوم على ترامب بسبب رفضه الإقرار بهزيمته، متّهماً إيّاه بـ«عدم احترام إرادة الشعب».
وفي خطاب ألقاه في مدينة ويلمنغتون (ولاية ديلاوير)، قال بايدن «هذا موقف متطرّف للغاية لم نشهده من قبل. موقف رفض احترام إرادة الشعب، ورفض احترام سيادة القانون، ورفض احترام دستورنا».
وتابع أن «السياسيين في بلادنا لا يأخذون السلطة بل الشعب هو الذي يمنحهم إياها».
واعتبر أن «الانتخابات كانت نزيهة وأشرف عليها أشخاص أمناء»، وأن «مسؤولين كباراً في إدارة ترامب شهدوا على نزاهة الانتخابات».
وختم مؤكداً أنه «حان وقت طي صفحة الانتخابات»، ووعد بأن يكون رئيساً لكل الأميركيين، لا لمن اقترعوا له فحسب.
وكان بايدن امتنع حتى اليوم عن مهاجمة ترامب علناً بسبب رفض الرئيس المنتهية ولايته الإقرار بهزيمته في الانتخابات، لكنّ هذا الموقف تغيّر بعد أن تكرّس فوز الديموقراطي رسمياً الاثنين بحصوله على غالبية أصوات كبار الناخبين.
ومن المفروض أن يقوم الكونغرس بغرفتيه، في جلسة عامة يترأسها نائب الرئيس مايك بنس، في السادس من يناير المقبل، بالمصادقة على هذه النتائج التي أعلنت نهاية حقبة ترامب، وهي حقبة بدأت منذ نزل المرشح ترامب على السلم الكهربائي قبل أربع سنوات، أمام مناصرين له، للإعلان عن ترشحه الى الرئاسة.
يومذاك، تعاملت كل وسائل الإعلام الأميركية مع ترشيح ترامب على أنه من باب الدعابة، لكن مع مرور الوقت والانتخابات التمهيدية داخل الحزب الجمهوري، راح يحصد الأصوات والانتصارات، التي كللّها بمفاجأة غير متوقعة كانت عبارة عن فوزه على كلينتون، بعدما كانت استطلاعات الرأي تجمع على خسارته وفوزها.
ومنذ ذلك التاريخ، سكن ترامب دائرة الضوء التي يعشقها، وشغل الإعلام على مدار الساعة عبر تغريداته التي كان يبثها في أوقات مختلفة من النهار والليل، وكانت تتراوح بين تهكم وهجوم على خصومه، وبين إعلاناته تعيين وزراء وعزلهم، أو إعلانه سحب القوات الأميركية من هذا البلد أو ذاك.
وواصل ترامب أسلوب حكمه عبر موقع «تويتر» والإعلام الى أن أطل وباء فيروس كورونا المستجد برأسه مطلع العام، وراح يغزو الولايات الأميركية.
شعر الرئيس بأن الفيروس كان يسرق منه الأضواء، واعتبره مؤامرة دبرها ضده خصومه، خصوصاً من الديموقراطيين، لإضعاف حظوظ فوزه بولاية رئاسية ثانية، وهو ما دفعه الى عقد مؤتمر صحافي يومي في الأيام التسعين الأولى بعد إعلان معظم الولايات الأميركية حجراً صحياً لوقف انتشار المرض.
في مؤتمراته الصحافية، لم يلتزم ترامب الحديث عن الفيروس وكيفية مواجهته، بل راح يغوص في عناوين متعددة، تارة يهاجم خصومه السياسيين، وطوراً يفاخر بانجازاته في السياستين الداخلية والخارجية، ثم يعارض لبس الكمامات الواقية، ويعود ليدعو الأميركيين الى الاستماع الى توصيات الخبراء.
ذاك الأداء المزري في التعامل مع الوباء أشعر أميركيين كثراً بأن ترامب ليس رئيساً، بل هو نجم تلفزيون الواقع مهجوس بحبه لنفسه وللظهور، وهو ما قضى على فرصه للفوز بولاية رئاسية ثانية، اذ ورغم الأداء القوي لحزبه في الانتخابات وهو أداء وسّع الكتلة الجمهورية في الكونغرس وقد يؤدي الى حفاظهم على الغالبية في مجلس الشيوخ إلا أن ترامب خسر ولايات تقدم فيها الجمهوريون على الديموقراطيين، ما يعني أن الجمهوريين أنفسهم قاموا بتشطيب الرئيس عن اللائحة الحزبية والاقتراع لها من دونه.
وبعدما صارت خسارة ترامب الانتخابات وخروجه من البيت الأبيض حتمية، تجاوز الرئيس، تقاليد الديموقراطية الأميركية القاضية بقيام الخاسر بتهنئة الفائز، وأعلن أنه تم التلاعب بالانتخابات في الولايات المتأرجحة، خصوصاً التي تأخر فرز نتائجها بسبب نسبة الاقتراع غير المسبوقة، والتي وصلت 66 في المئة، أي الأعلى في التاريخ الأميركي منذ انتخابات العام 1900.
لكن رفض ترامب النتائج لم يكن سببه عدم نيته الخروج من البيت الأبيض، بل كان لأسباب متعددة غير ذلك، أولها أن إعلان الرئيس عن إقامته حملة «دفاع عن الانتخابات» للطعن بالنتائج أمام المحاكم الأميركية سمح له بجمع التبرعات من المناصرين.
بعد نهاية الانتخابات، كانت حملة ترامب، التي عانت من شح في التأييد والتبرعات، راكمت ديوناً بلغت 100 مليون دولار.
أما حملة جمع التبرعات للطعن في نتائج الانتخابات، فجمع ترامب بموجبها 170 مليون دولار، استخدم غالبها لايفاء ديونه الانتخابية، وجزء منها لتمويل فريق المحاماة الذي خسر 64 دعوى من الدعاوى الـ 65 التي تقدم بها، والتي كانت أبرزها دعوى ولاية تكساس أمام المحكمة الفيديرالية العليا ضد ولايات بنسلفانيا وميتشيغن وويسكونسن، بتهمة ارتكاب تجاوزات انتخابية، وهي دعوى لم توافق المحكمة العليا، التي عيّن ترامب ثلاثة من قضاتها التسعة، بالنظر بها حتى.
ويمكن للمحكمة النظر بأي دعوى ان وافق أي من قضاتها على ذلك.
وساهم في تعميق أزمة ترامب للطعن في نتائج الانتخابات، التصريح الذي أدلى به وزير العدل بيل بار، والذي أكد عدم وجود تجاوزات تذكر في الانتخابات، وهو التصريح الذي أغضب ترامب، ودفع بار لإعلان استقالته قبل 35 يوماً فقط من انتهاء ولاية ترامب وبنس وكل الوزراء في 20 يناير المقبل.
وكتب ترامب في تغريدة الاثنين، «عقدت للتوّ اجتماعاً لطيفاً جدّاً مع المدّعي العام بيل بار في البيت الأبيض»، مضيفاً «كانت علاقتنا جيّدة جدّاً... بيل سيغادر قبيل عيد الميلاد لتمضية العطلة مع عائلته»، مشيراً إلى أنّه عيّن نائب وزير العدل جيف روزن وزيراً للعدل بالإنابة.
أما السبب الثاني لرفض ترامب خسارته الانتخابات، فمرده الى نية الرئيس الترشح لولاية ثانية في العام 2024، حسب ما نقل عنه مقربون.
لكن المقربين أنفسهم نقلوا أن ترشح ترامب ليس حتمياً، بينما اعتبر المراقبون أن ترامب يلوّح بإمكانية ترشحه للبقاء في دائرة الضوء، ولمواصلة إمساكه بالحزب الجمهوري وقاعدته، التي أظهرت استفتاءات الرأي أن 53 في المئة منها تؤيد ترشح ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
على أن عقلاء الحزب الجمهوري يدركون شبه استحالة فوزه بولاية ثانية بعد أربعة أعوام، وهم يعزون ذلك الى عدد من الأمور، أبرزها التعب والسأم الذي أصاب الأميركيين من ترامب وأخباره، فالرئيس الأميركي كان مازال جديداً ولماعاً يوم أعلن ترشيحه قبل أربع سنوات... لكن بعد أربع سنوات، لن يكون لدى ترشيح ترامب الحماسة نفسها التي كانت في 2016.
كذلك يخشى كبار قادة الحزب الجمهوري أن يؤدي إصرار ترامب على الإمساك بالحزب على خنقه وعرقلة عملية تطوره. للحزب حالياً ثلاثة مرشحين ممن يتمتعون بحظوظ انتخابية في 2024، وهم بنس، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والسفيرة السابقة للأمم المتحدة نيكي هايلي.
ومن شأن تمسك ترامب بالأضواء وعدم إعلان تقاعده من العمل العام أن يحجب الضوء المطلوب لإعداد مرشحين يمكنهم منافسة الديموقراطيين في الانتخابات الرئاسية المقبلة.
ربما أدرك ترامب أن الأضواء التي تسلطت عليه يوم نزل السلم الكهربائي قبل أربع سنوات لم تكن بسبب نجوميته، بل بسبب النجومية التي تحوزها مؤسسة الرئاسة الأميركية، وهي النجومية التي انتقلت الى بايدن اليوم، وهجرت ترامب، ودفعته لمحاولة الاستعاضة عنها باستخدامه الحزب الجمهوري كمطية في محاولة مستميتة للبقاء في دائرة الأضواء.
وتمنى بوتين لبايدن، النجاح، وقال «من طرفي، أنا مستعد للتعاون والتواصل معك».
وكان الرئيس الروسي بين آخر أبرز قادة العالم الذين فضّلوا الانتظار قبل تهنئة بايدن.
وفي رسالة التهنئة التي وجهها إلى بايدن، قال بوتين إن بلديهما «يتحمّلان مسؤولية خاصة حيال الأمن والاستقرار العالميين».
وأعرب عن ثقته بأنه بإمكان موسكو وواشنطن «رغم خلافاتهما، المساهمة حقاً في حل العديد من المشكلات والتحديات التي يشهدها العالم حالياً».
ويتوقع أن يتّخذ بايدن موقفاً أكثر تشدداً حيال روسيا مقارنة بسلفه دونالد ترامب.
وسبق أن انتقد بايدن، الرئيس المنتهية ولايته، خلال الحملة الانتخابية لـ «تقربه من العديد من المستبدين حول العالم، أولهم فلاديمير بوتين».