تشكيلة مجلس 2020 تؤكد نجاح تكتّل المعارضة في استعادة قدرته على توجيه العقل الجمعي، وبكفاءة أعلى من تلك أبّان «الحراك». حيث إنه نجح في توظيف مطالبات وهواجس المواطنين لصالح مشروعه السياسي، بعد أن استثمر في وسائل التواصل الاجتماعي وأنشأ منظومته الإعلامية المتكاملة في الفضاء الافتراضي.
رغم تطوير خطابه الإعلامي، إلا أن تكتّل المعارضة ما زال متمسّكاً ومقيّداً بأجندتيه السياسية والبرلمانية غير المتسقتين مع خطابه المطور. ولذلك بدأ التكتّل بالتحرّر التدريجي من مجموعة القيم الوطنية والإنسانية والأولويات الرقابية والتشريعية التي تبنّاها في خطابه الإعلامي وأنشطته السياسية خلال المرحلة السابقة. بل إنّ المشاورات التنسيقية الجارية تشير إلى أن التكتّل انقلب على تلك القيم والأولويات. وسأكتفي بالإشارة إلى ثلاثة شواهد على الانقلاب.
بدءاً بالقيم الوطنية قبل الانتخابات، نجد أن تكتّل المعارضة دعا الناخبين إلى تعزيز الوحدة الوطنية عبر التصويت لصالح من اعتبرته أيقونة الوحدة الوطنية، الدكتور حسن جوهر. ونجحت في إقناع وتوجيه ناخبين من مختلف شرائح المجتمع، فحصد جوهر 5853 صوتاً واحتل المركز الأول في الدائرة الأولى. ولكن بعد الانتخابات، ألزم التكتّل نفسه بالحواجز الفئوية في تشاورات اختيار رئيس المجلس، رغم مطالباته منذ أيّام «الحراك» بإزالة الحاجز الأسري في اختيار رئيس الحكومة! التكتّل بادر بدعم ترشّح النائب بدر الحميدي لرئاسة المجلس، رغم أن جوهر أولى من غيره من حيث معايير الخبرة البرلمانية والتخصص العلمي والشهادة الأكاديمية، فضلاً عن التمثيل الشعبي. حيث حاز جوهر المركز الأول في دائرته الانتخابية ومنح ثقة ناخبين من مختلف أطياف المجتمع وحصد ثاني أعلى نسبة أصوات من مجموع أصوات دائرته (9.5 في المئة)، بعد المرشح المنافس على الرئاسة مرزوق الغانم (11.5 في المئة). والأهم من كل ما سبق، هو أن جوهر محترف في اتخاذ مواقف ضبابية ترضي الأطراف المتخاصمة.
وبالنسبة للقيم الإنسانية، نجد أن موقف التكتّل تجاه حقوق «البدون» ما زال يتموّج بين قمّة وقاع. بين قمّة تتجدّد كلما احتاج التكتّل إلى استغلال مظلوميتهم للتكسّب السياسي والانتخابي، فيتهجّم التكتّل في حينه على الجهاز المركزي لمعالجة أوضاع «البدون»؛ وبين قاع يدعم فيه التكتّل مرشّحاّ لشغل منصب رئيس المجلس يُثني ويؤكد على ضرورة استمرار الجهاز المركزي.
وأما الأولويات الرقابية والتشريعية، فبعد سنوات من مراقبة مصروفات الحكومة وتنظيم حملات لتشريع قوانين لإسقاط القروض ولتخفيف الضغوط المالية على المتقاعدين والمواطنين، وإمداد تلك الحملات بدراسات أكاديمية تخصصية تؤكّد الملاءة المالية للدولة؛ ظهرت بوادر انقلاب التكتّل على هذه الأولويات، حيث صرّح أحد منظّريه البارزين، أن الأولوية الثانية بعد إعلان نتائج الانتخابات هي «تحقيق وطني كويتي في الوضع المالي للدولة». أتساءل كيف أصبح هذا التحقيق أولوية بعد أن كانت الملاءة المالية للدولة حقيقة غير قابلة للتشكيك؟ رغم قصر المدّة، إلا أن شواهد انقلاب التكتّل على القيم والأولويات - التي تبناها خلال المرحلة السابقة - متعدّدة. لذلك أدعو المواطنين إلى متابعة دورهم الديموقراطي بعد الإدلاء بأصواتهم، عبر مراقبة أداء نوّاب المجلس، وإلزام نوّاب المعارضة بترجمة تلك القيم والأولويات في أدائهم السياسي والبرلماني، بدءاً بدعم المرشح الأفضل تأهيلاً لشغل منصب رئيس المجلس الحالي، تتم تزكيته وفق منهجية متسقة مع تلك القيم والأولويات. ثم التعجيل في تقديم ثلاثة اقتراحات بقوانين: الأول بشأن إسقاط القروض والثاني بشأن شروط التقاعد والثالث بشأن إلغاء فوائد قروض التأمينات الاجتماعية، وذلك بعد أداء القسم الدستوري من دون تأجيلها بحجة عدم المواءمة أو بذريعة أولوية مشاريع مستحقّة أخرى... «اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه».