«الراي» تحدثت إلى خبراء
لبنان على مشارف «تسونامي» غلاء
بيروت - «الراي»
9 ديسمبر 2020
02:17 م
يتهيأ اللبنانيونَ للانتقال الى مرحلةِ "التضخّم المفرط"، بجيوبٍ خاوية ومدخرات محبوسة في البنوك. وكأن ما حلّ بهم من ويلاتِ الانهيار النقدي وتَوَسُّع دائرة الفقر لتشمل 60 بالمئة من المقيمين وتَفَشي البطالة التامة والجزئية في مجمل أنشطة القطاع الخاص، لم يكن سوى توطئة لتجربة القحط الشديد الآتي سريعاً على إيقاع نفاذِ الاحتياطات الموجّهة لدعم أسعار السلع الاستراتيجية والأساسية.
ولم يترافق انهماكُ وزراءِ حكومة تصريف الأعمال برئاسة حسان دياب ومعهم حاكم البنك المركزي رياض سلامة بمحاولة "ترشيد" الدعم، مع أي إشاراتٍ جدية تعاكس حقيقة أن الباقي من "رمق" العملات الصعبة البالغ نحو 800 مليون دولار ينذر بكارثةٍ معيشية محتمة، ما دام أن إنفاق نحو 5 مليارات دولار على "خاناتِ" الدعم في العام الحالي، أي ما يمثل 6 أضعاف الرصيد المتبقي، لم يكن مؤثّراً بالقدر المطلوب في كبْح الانحدار الاقتصادي والاجتماعي وسرعته.
ويدرك المقيمون في لبنان أن التحذير من "الأسوأ" يقابله تنصّل أهل الحكم من مسؤولياتهم. فلا اختراقات إنقاذية أو تحوّطية تتم المبادرةُ إليها على كل مستويات الحُكْم، رئاسيةً وتشريعيةً وحكوميةً، تكفل إحداث صدماتٍ مُعاكِسة يرتجى أن تضخّ "الأوكسجين" الخارجي في الشرايين "المجفّفة" للاقتصاد والقطاع المالي وصدور الناس. وذلك عبر وضع خريطة طريق تستجيب للموجبات والشروط الدولية للمساعدة ومعاودة تسريع التفاوض المُلِحّ مع إدارة صندوق النقد الدولي وفتْح أقفال المُساعَدات والقروض السخية لدى البنك الدولي.
وضمن مشهدية الحقيقة الساطعة، يمكن الرصد مسبقاً، بحسب استطلاع أجرتْه "الراي" مع خبراء ومعنيين، أن تأخير ارتطام " كويكب " انفلات الغلاء في سماء البلاد وميادينها، لشهرين أو ثلاثة بواسطة "الرصيد" المتاح استخدامه لدى البنك المركزي هو جلّ ما ستفضي اليه الاجتماعات الماراتونية بشأن الآليات الجديدة للدعم، والتي تكثّفت في اليومين الماضييْن في السرايا الحكومية بهِمّة "متأخرة" لأشهر عديدة، ما سيشكّل هروباً موصوفاً من المسؤولين السياسيين إلى الأمام ... إلى عين العاصفة. علماً ان هذا مسار غير مفاجيء للمواطنين المدركين لواقعهم والمتروكين لمصيرهم.
ولأن الأرقام أصدق إنباءً من بهلوانيات أولي الأمر وتصريحاتهم، يستدلّ الخبراء على الترقبات المتصلة بالتشظي الكبير للأزمة المعيشية، من واقع أحْدث البيانات المجمعة لدى إدارة الإحصاء المركزي. فالغلاء يراوح بين 400 و 700 في المئة على السلع غير المدعومة. وبالتالي يمكن محاكاة هذا الارتفاع الصاروخي عقب تعذُّر استمرار الدعم بعد أشهر، والتقدير أيضاً لنتائج عملية "الترشيد" الموعودة، سواء بتقليص الدعم على المحروقات والدواء بالسعر الرسمي البالغ 1515 ليرة، أو بتخفيفه وإلغائه على مجموعات من السلع الغذائية المدعومة بسعر 3900 ليرة للدولار البالغ صرفه فعلياً نحو 8200 ليرة في السوق الموازية.
وقد سجّل مؤشّرُ تضخّم الأسعار لدى إدارة الإحصاء المركزي زيادةً وسطية نسبتها 136.8 بالمئة حتى نهاية الشهر العاشر من العام الحالي . لكن التدقيق في مكونات المؤشر يُظْهِر ان بند "التجهيزات والصيانة المنزلية" المثقل بنحو 4 في المئة في احتساب المتوسط، ارتفع بنسبة 694 بالمئة. وارتفعت أسعار "الألبسة والأحذية" بنسبة 467.81 بالمئة (تثقيل بنسبة 5.2 بالمئة). بالتوازي زادت أسعار "المواد الغذائيّة والمشروبات غير الروحيّة" بنسبة 441.16 بالمئة (تثقيل بنسبة 20 بالمئة). وارتفعت كلفة "النقل " بنسبة 133.18 بالمئة (تثقيل بنسبة 13.1 بالمئة) . كما زادت أسعار "المشروبات الروحيّة والتبغ" بنسبة 462.86 بالمئة (تثقيل بنسبة 1.4 بالمئة).
وبذلك، فإن جمْع تثقيل المواد الغذائية والنقل بوصفهما من السلع غير القابلة للاستغناء المؤقت أو التأجيل لأي سبب، يعني أن ثلث متوسط المؤشر سيزيد تلقائياً عند رفع الدعم عن المشتقات النفطية وسلة الغذاء المدعومة تبعاً للنسبة التي سيجري اعتمادها، وستكون موجة ثانية عند نفاذ الاحتياطات. كذلك يتوجب التنويه بأن "تسونامي" أكثر خطراً بدأ بالتشكل من التفاعلات المتوقّعة على الأبواب الأقل تأثراً بموجات الغلاء حتى ساعة رفْع الدعم. وتشكل بنود الانفاق على الصحة والتعليم والاتصالات أبرز مكوّنات هذا الخطر المحدق سنداً لسعر الدولار الساري في الأسواق الموازية.