بتهمة تسهيل وصول «حزب الله» إلى النظام المالي الدولي

«أنياب» العقوبات الأميركية مرشّحة لتشمل شخصيات لبنانية في القطاع المصرفي... و«المركزي»

1 ديسمبر 2020 10:00 م

- واشنطن ستواصل فرض عقوبات على متورطين مع الحزب من دون استهداف مؤسساتهم
- العقوبات لا تستهدف محاسبة الفساد الحكومي بل منع «حزب الله» والتنظيمات الإرهابية من استغلال النظام المصرفي اللبناني
- الحزب أقنع بعض أركان الفساد بأن «التدقيق الخارجي» سيكشف المستور

تعمل أربع وزارات أميركية، هي الخارجية والخزانة والدفاع والعدل، على إضافة أكثر من 20 شخصية لبنانية على لائحة العقوبات، بتهمة تسهيل وصول «حزب الله»، الذي تصنفه الولايات المتحدة تنظيماً إرهابياً، الى النظام المالي الدولي عبر النظام المصرفي اللبناني.

الرؤساء الأميركيون المتعاقبون، الديموقراطي بيل كلينتون، والجمهوري جورج بوش، والديموقراطي باراك أوباما، والجمهوري دونالد ترامب، كلهم قاموا بتوقيع قوانين أصدرها الكونغرس - غالباً بالاجماع - لفرض عقوبات مالية على الحزب، وأي من المتعاونين اللبنانيين معه، وغير اللبنانيين.

وكان أوباما وقّع قانوناً على عقوبات مالية على «حزب الله» نهاية 2015، تلاه ترامب، الذي وقّع في 2018 على تعديل للقانون نفسه، وحمل القانون الجديد اسم «تعديلات قانون منع التمويل الدولي لحزب الله».

وتمحورت التعديلات، التي أدخلها السناتور الجمهوري عن ولاية فلوريدا ماركو روبيو، حول فرض عقوبات على «المتعاونين» مع الحزب، أي من يقومون بتسهيل وصوله الى النظام المصرفي العالمي.

ومن المرجح أن يواصل الرئيس الديموقراطي المنتخب جو بايدن، سياسة العقوبات على الحزب واللبنانيين المتعاونين معه، بعد دخوله البيت الأبيض في 20 يناير المقبل.

مكافحة وصول «حزب الله» الى النظام العالمي، لا ترتبط بسياسة حزب من الحزبين الأميركيين، أو بهوية الرئيس، بل هي عملية تلقى إجماعاً استثنائياً من الديموقراطيين والجمهوريين، ويقوم بالعمل عليها المتخصصون في الوزارات الأربع المعنية.

المصادر الحكومية الأميركية ترفض عادة تسريب أي من الأسماء التي يستهدفها البحث والتمحيص، السابقان لعملية فرض العقوبات.

لكن المصادر نفسها لا تمانع في شرح وتبيان السياسة المعمول بها خلف عملية فرض العقوبات على «حزب الله» والمتعاونين معه.

وتقول المصادر الحكومية أنه عندما فرضت الأمم المتحدة عقوباتها على ايران بين 2008 و2016، لجأت طهران الى محاولة استخدام الأنظمة المصرفية في الدول التي تفرض نفوذها فيها. في العراق، عمدت الى استغلال المقاصات المصرفية الدورية التي يصدرها «مصرف الرافدين» المركزي لضخّ العملات الصعبة في السوق وتثبيت سعر صرف الدينار.

وأدت هذه السياسة الايرانية لانخفاض سريع وكبير في مخزون العملة الصعبة لدى «الرافدين» من أكثر من 75 مليار دولار الى أقل من 20 ملياراً، وهو ما حمل صندوق النقد الدولي، إلى الطلب الى بغداد التوقف عن استنزاف احتياطها من العملات الصعبة، فيما هدد «الاحتياطي الفيديرالي» الأميركي، بوقف إرسال شحنات الدولارات من مطابعه الى أقبية «المركزي» العراقي.

تراجعت بغداد، لكن طهران لم تتوقف عن محاولتها استخدام النظام المصرفي العراقي لتبييض الأموال وادخالها النظام المصرفي العالمي. وقام الباحث العراقي هشام الهاشمي، بتوثيق الشبكة الايرانية - اللبنانية التي عمدت لاستغلال بغداد في عمليات تبييض الأموال... فتعرّض لعملية اغتيال.

وفي وقت لاحق من هذا العام، عمدت بغداد الى تحديد كمية النقد الأجنبي الذي يمكن لأي مواطن حيازته، شرط تقديم اثباتات الحاجة اليه مثل بطاقات السفر الى الخارج أو تكاليف تعليم خارج العراق أو السياحة أو الاستشفاء.

وحدد «مصرف الرافدين» أقصى ما يمكن للمواطن العراقي شراءه بمبلغ خمسة الاف دولار، وجرى بعد ذلك تخفيض الكمية الى ثلاثة آلاف، بهدف الحفاظ على الاحتياطي الاجنبي في خزائن المركزي العراقي، ومنع ايران - التي تحتاج لهذا النقد بشدة بسبب العقوبات الأميركية عليها - من استنزاف الاحتياطات العراقية.

في لبنان، تقول المصادر الأميركية، يسعى «حزب الله» منذ سنوات لاستغلال القطاع المصرفي - الذي يحكمه مصرف لبنان - في عمليات تبييض أموال وإدخالها في النظام العالمي.

وتشرح أن «حزب الله» ليس الجهة الوحيدة التي تحاول استغلال القطاع المصرفي اللبناني، اذ سبق لمافيات دولية أن قامت بأعمال مشابهة، وهو «ما أدى الى قيامنا بفرض إغلاق البنك اللبناني الكندي وجمال ترست»، فيما أدت عمليات التبييض لانهيار «بنك المدينة».

تتابع المصادر الأميركية أن لكل هذه المصارف اللبنانية التي انخرطت في نشاطات مالية غير مشروعة سجلات مودعة في أقبية مصرف لبنان، وأن صندوق النقد الدولي اشترط إجراء «تدقيق خارجي» مستقل في حسابات البنك المركزي لمعرفة هوية من قاموا بتبييض الأموال، والمسؤولين الذين سهّلوا لهم هذه المهمة ووقّعوا على عمليات مالية غير مشروعة... «بعضهم فعل ذلك خوفاً من تهديد الحزب له، وبعضهم الآخر تقاضى ثمن تعاونه»، بحسب المصادر.

لم يسمح مصرف لبنان بإجراء تحقيق كامل وشفاف، فجاء التدقيق الخارجي شكلياً، وهو ما أثار غضب المعنيين في المؤسسات الأميركية التي تعنى بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب، وهو ما حمل بعض الأوساط في واشنطن الى التسريب الى وسائل الاعلام - رداً على منع حصول تدقيق خارجي مستقي لبيانات مصرف لبنان - أن الولايات المتحدة بصدد فرض عقوبات على عشرات المسؤولين اللبنانيين المتورطين في هذه العملية والمتغاضين عن حصولها.

وتشير المصادر إلى أن الهدف ليس محاسبة الفساد الحكومي، على أهميته، بل «منع حزب الله وأي تنظيمات إرهابية أخرى من استغلال النظام المصرفي اللبناني لتبييض الأموال وتمويل الإرهاب حول العالم».

لكن يبدو أن الحزب أقنع بعض أركان الفساد، بأن «التدقيق الخارجي» في حسابات مصرف لبنان سيكشف المستور، وهو ما دفعهم الى الوقوف صفاً واحداً ضد التدقيق... «هذا يعني أن بيروت ستجبرنا على زيادة ضغوطنا على المسؤولين المتورطين في التبييض وفي التغطية عليه»، وفق المصادر الحكومية.

وتذكّر المصادر أن واشنطن دأبت على تفادي فرض عقوبات على أي مؤسسات تابعة للحكومة اللبنانية. وتقول إن «سياسات إداراتنا المتعاقبة تقضي بتقوية دولة لبنان ضد حزب الله وعملياته غير المشروعة، لكن هناك مسؤولين حكوميين لبنانيين متورطين، وهو ما يجبرنا على معاقبتهم».

وتختم المصادر الأميركية بأن الولايات المتحدة ستواصل سياستها فرض عقوبات على مسؤولين متورطين مع «حزب الله» من دون استهداف مؤسساتهم، أي أنه حتى لو تم فرض عقوبات على مسؤولين في مصرف لبنان، إلا أن العقوبات لن تستهدف البنك المصرفي نفسه أو أي مؤسسة حكومية لبنانية.

«لوموند»... «المركزي صندوق باندورا» للنظام ‏
المجتمع الدولي يُبقي على «حبل السرة» الإنساني مع لبنان
| بيروت - من وسام أبو حرفوش وليندا عازار |
يتبلور في الساعات المقبلة خطان متوازيان سيحكمان تَعاطي المجتمعِ الدولي مع الواقعِ اللبناني الذي يتقاذفه الانهيارُ المالي بمسبّباته «التقنية» كما السياسية الموصولةِ بالصراع الكبير في المنطقة الذي صارت بيروت في عيْنه ربْطاً بدخولها في كنف المحور الإيراني عبر إمساكِ «حزب الله» وحلفائه بكل مفاصل السلطة منذ فوزه بانتخابات 2018 البرلمانية. ويتمثّل هذان المساران في توفير منصةِ إغاثة إنسانية للشعب اللبناني الذي يتصدّر لوائح الفقر والبؤس والتضخم والكآبة والفساد في العالم، وإكمال مسار ضغط الحدّ الأقصى خصوصاً من إدارة الرئيس دونالد ترامب على «حزب الله» مع اتجاهٍ لتوسيع دائرة استهدافه بالعقوبات لتشمل، بعد حلفائه بوصْفهم يساعدون في تمكين نفوذه بالفساد أو إعطائه المدى السياسي الرحب، القطاعَ المصرفي وصولاً إلى شخصيات في البنك المركزي وذلك ترجمةً لـ «الغضب» من إحباط مسار التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان وأدوار مفترضة في «خدمات» للحزب وتغطية أنشطة مالية له. ومع تَصاعُد مؤشراتِ استقرار لبنان بجوار «جمهوريات الموز»، يتكرّس اليوم في باريس حرص المجتمع الدولي على الإبقاء على «حبل السرة» الذي يساعد شعبه على الصمود في وجه أعتى أزمة مالية - اقتصادية، وفي الوقت نفسه تثبيت انقطاع «حبل الثقة» بالطبقة السياسية التي لن يمرّ «قرشٌ» عبرها قبل حصول التدقيق الجنائي وبلوغ اتفاق مع صندوق النقد الدولي. فالعاصمة الفرنسية، تستضيف اليوم «المؤتمر الدولي الثاني لدعم بيروت والشعب اللبناني» الذي يُعقد بواسطة تقنية الفيديو بدعوة من الرئيس ايمانويل ماكرون الذي يترأس الاجتماع مع الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس، بهدف تقويم نتائج الاجتماع الأول في 9 أغسطس الماضي الذي خصص لمواجهة تداعيات انفجار مرفأ بيروت، وسط توقعاتٍ بأن يشارك فيه قادة يمثلون نحو 35 دولة مهتمة بتقديم مساعدات إنسانية للبنان. وارتسمت عشية المؤتمر ملامح جدول أعماله الذي يرتكز على بداية تنفيذ خطة العمل ضمن «إطار الإصلاح والتعافي وإعادة الإعمار للبنان» الذي أعدّته الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والبنك الدولي والذي قدرت تكلفته بمليارين و500 مليون دولار، والتي وُضعت في ضوء التقرير الأول الذي قُدم في أغسطس تحت عنوان «تقييم الأضرار والحاجات السريعة» بعد انفجار المرفأ تفادياً لوقوع أي أزمة إنسانية في لبنان. علماً أن هذا الإطار يفترض استحداث صندوق جديد لتسهيل تمويل لبنان لتحقيق الإصلاح والانماء على أن يخضع «كل دولار سينفق من الصندوق لمراقبة مستقلّة حول وجهة استعماله». وفي حين يجري رصْد مستوى المشاركة في المؤتمر كما التقديمات التي سيخلص إليها باعتبارها من مؤشراتِ «الرصيد البقية» للبنان لدى أصدقائه العرب والغربيين، لم يكن عابراً أن تلتئم هذه المحطة على وقع غياب شبه تام لعنوان تأليف الحكومة العتيدة عن المشهد السياسي في بيروت بما عَكَسَ تسليماً ضمنياً بترحيل هذا الملف لسنة 2021، وسط ازدياد مؤشرات اشمئزاز الخارج من أداء الطبقة السياسية، وهو ما عبّرت عنه افتتاحية صحيفة «لوموند» الاثنين، تحت عنوان «لبنان: الدولة المسخ غير القابلة للحُكم»، محذّرة من انتقال الخارج من «الغضب» إلى فقدان الاهتمام ببلاد الأرز «وهو أسوأ عقاب لبلدٍ أذهل يوماً العالم». وترافقت الافتتاحية مع تقرير «مصرف لبنان، دولة ضمن الدولة لا يُمكن المسّ بها»، واصفة «المركزي» بأنه «صندوق باندورا للنظام اللبناني». ‏
تهنئة سعودية لعون بالاستقلال
تلقى الرئيس اللبناني ميشال عون برقية تهنئة بذكرى الاستقلال من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز. وبحسب المكتب الإعلامي في القصر الجمهوري، قال الملك سلمان في البرقية: «يطيب لنا بمناسبة ذكرى الاستقلال أن نبعث لفخامتكم أطيب التهاني وأصدق التمنيات راجين للشعب اللبناني الشقيق المزيد من التقدم والازدهار». كما أبرق مهنئاً ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
البنك الدولي: فقراء لبنان سيتخطون نصف السكان بحلول 2021
نبّه البنك الدولي، أمس، إلى أن الأزمة الاقتصادية الحادة في لبنان جعلت الاقتصاد عرضة «لكساد شاق»، وصفه بـ«المتعمد»، مع إخفاق السلطات في احتواء الانهيار، داعياً إلى تشكيل حكومة تنكبّ على تنفيذ برنامج إصلاح شامل على وجه السرعة. وأكد أن الفقر سيواصل التفاقم على الأرجح، ليصبح أكثر من نصف السكان فقراء بحلول 2021، فيما من المتوقع أن تبلغ نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 194 في المئة ارتفاعا من 171 في المئة في نهاية 2019. واعتبر البنك الدولي، وفق ما جاء في النص العربي لتقرير أصدره بعنوان «الكساد المتعمد»، «الافتقار المقصود إلى إجراءات سياسية فعالة من جانب السلطات أدى إلى تعريض الاقتصاد لكساد شاق وطويل». وحذّر من أنّ لبنان «يعاني استنزافاً خطيراً للموارد، بما في ذلك رأس المال البشري، حيث باتت هجرة العقول تٌمثل خياراً يائساً على نحو متزايد». ورأى أنّ «عبء التعديل الجاري في القطاع المالي يتركّز بشكل خاص على صغار المودعين» إضافة الى القوى العاملة المحلية والشركات الصغيرة. ورجّح البنك الدولي تراجع معدل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي بشكل حاد إلى -19،2 في المئة عام 2020، بعد انكماشه بنسبة -6،7 في المئة عام 2019. وأعلن أنّ انهيار العملة أدى إلى «معدلات تضخم تجاوزت حد المئة في المئة». وقال المدير الإقليمي لدائرة المشرق في البنك الدولي ساروج كومار جاه «غياب التوافق السياسي حول الأولويات الوطنية يعوق بشدة قدرة لبنان على تنفيذ سياسات إنمائية متبصرة طويلة الأجل». وشدّد على أنّه «يتعيّن على الحكومة الجديدة أن تنفّذ على وجه السرعة استراتيجية ذات مصداقية لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد الكلي، مع اتخاذ تدابير قصيرة الأجل لاحتواء الأزمة، فضلاً عن اتخاذ تدابير متوسطة إلى طويلة الأجل للتصدي للتحديات الهيكلية». ورجّح البنك الدولي أن تكون الأزمة الاقتصادية «أعمق وأطول من معظم الأزمات الاقتصادية»، موضحاً أن «المساعدات الدولية والاستثمار الخاص يشكلان ضرورة لتحقيق الانتعاش وإعادة الإعمار الشاملين».