مارادونا... وأنا

26 نوفمبر 2020 10:00 م

ليس كاتب هذه السطور في موقع يسمح له، ربما، بتحليل مسيرة الأرجنتيني دييغو أرماندو مارادونا، بالنظر إلى عدم تكشّف كل أسرار النجم اللامع، وتسليماً بأن «ما خُفي أعظم»، لكن عندما يكون جزء من الراحل راسخاً في كيان وحياة الكاتب نفسه، فالموضوع يصبح مباحاً، نسبياً.

مارادونا، ذاك الاسم الموسيقي الرنّان، احتل جزءاً من مخيلة من عايشه، وإن عن بعد.

حظيت بفرصة متابعته «مباشرةً على الهواء» في كأس العالم 1986 التي أقيمت في المكسيك، وقبلها مع نابولي، وبعدها، وصولاً إلى مونديال 1994 في الولايات المتحدة الأميركية والذي أقصي منه بسبب تعاطيه المنشطات، كما قيل.

في 1982، بلغت يداي مجلة تتحدث عن المونديال الذي أقيم في تلك السنة وتوجت به إيطاليا. وفي الفصل الخاص بمنتخب الأرجنتين، صورة لمارادونا الفتيّ وهو يخرج من الملعب إثر طرده في المباراة أمام البرازيل ضمن الدور الثاني. لفت انتباهي ما كُتب عنه، وتحديداً عبارة «سوبر ستار».

بدأت الصورة تكتمل عن الصبيّ اليافع عندما علمتُ بأن دييغو انتقل إلى نادي نابولي الإيطالي، وما صاحب تلك الخطوة من ضجة، تحديداً في الصحف التي كنت حريصاً على قراءة الصفحات الرياضية فيها يومياً.

ثم جاء مونديال 86 وفهمت لمَ سمي اللاعب القصير بالـ«سوبر ستار».

بالتأكيد لم أسعد بتتويج مارادونا والأرجنتين بكأس العالم في تلك السنة، خصوصاً أنه جاء على حساب منتخبي المفضل، ألمانيا.

سيناريو المباراة كان جارحاً: الأرجنتين تتقدم بهدفي خوسيه لويس براون وخورخي فالدانو. ألمانيا تُعادل عبر كارل هاينتس رومينيغه ورودي فولر، ثم ينهي خورخي بوروتشاغا المسألة بهدف ثالث من تمريرة «قاتلة» لدييغو.

أصبح مارادونا عدوي الأول منذ تلك اللحظة لأنه حرم ابن الـ13 سنة من احتفال منتظر بعد دموع نهائي 1982 الخاسر أمام إيطاليا.

بعد 4 سنوات، وتحديداً في 1990، عادت ألمانيا لتلاقي الأرجنتين بقيادة مارادونا في نهائي المونديال.

فاز الألمان عن جدارة واستحقاق بهدف من ركلة جزاء قيل عنها الكثير، بيد أن التتويج كان مستحقاً بالنظر إلى تفوق «ناسيونال مانشافت» في البطولة ككل، باعتراف الجميع، إلا مارادونا الذي استسلم لدموعه.

هنا شعرتُ بأنني ومارادونا في حال وئام تام. لم أعد أشعر بتلك الكراهية الطفولية تجاهه.

تعاطفت معه قليلاً في مبارياته مع نابولي خصوصاً بعدما قرأت بأن هذا النادي «الجنوبي» الفقير كسر هيمنة «أندية الشمال الغنية».

في مونديال 2010 في جنوب أفريقيا، عادت الأرجنتين لتواجه ألمانيا، لكن هذه المرة في الدور ربع النهائي.

مدرب «راقصي التانغو» كان مارادونا نفسه. مواجهة جديدة بيني وبينه.

هذه المرة، لم تترك ألمانيا مجالاً لليونيل ميسي وزملائه حتى للتنفس. فوز برباعية نظيفة وضع «أرجنتين مارادونا» خارج سياق البطولة.

لن أنسى أيضاً فوز نابولي بقيادة مارادونا على شتوتغارت الألماني في نهائي كأس الاتحاد الأوروبي (يوروبا ليغ حالياً) 1988-1989، لكن المناسبة لم تكن «جارحة».

لسنوات ظل مارادونا يزورني من خلال مواجهاته للمنتخب الألماني والأندية الألمانية. رافقني طويلاً في معترك عشقي لكرة القدم.

فخور أنني كنت شاهداً على عظمة ذاك اللاعب. لم أقرأ فقط عن بطولاته وزلّاته، بل كنت أحرص على متابعة مبارياته مباشرةً على الهواء لأنني قرأت يوماً عنه، كما ذكرتُ آنفاً، بأنه «سوبر ستار»، قبل أن أتبيّن، على الأرض، بأنه أكثر من ذلك، هو أفضل لاعب في تاريخ كرة القدم.