بعد غيابٍ عن الساحة الغنائية، أطلّ الفنان القدير عبدو ياغي في «ذا فويس سينيور» وفاز باللقب بعد منافسة مع 3 أصوات مهمة شاركت في البرنامج نفسه، وكلها لها تاريخها واسمها على الساحة الغنائية العربية.
عبدو ياغي الذي يقيم حالياً في كندا، أشار عبر «الراي» إلى أن الهدف الرئيسي من مشاركته في البرنامج هو لبنان، موضحاً أن عائلته اعترضت في البداية، وكاد يتراجع عن المشاركة، ولكنهم ما لبثوا أن دعموه ووقفوا إلى جانبه، مؤكداً أنه لن يلتفت إلى التعليقات التي انتقدته.
وفيما وصف الفن في لبنان بـ«المنحطّ»، لافتاً إلى أن هذا الأمر يحزّ في قلبه كثيراً، تساءل «هل يُعقل أن تصل الأغنية إلى هذا المستوى المتدني في لبنان الذي أخذ أول مطبعة إلى مصر، لبنان ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وفيروز والأخوين الرحباني؟».
• كيف تتحدث عن مشاركتك كفنان عريق وصاحب اسم كبير في برنامج للهواة؟
- البرنامج ليس للهواة، وأقل فنان شارك فيه يملك 40 سنة خبرة فنية ويضم رصيده الكثير من الأعمال، وكلنا فنانون محترفون.
• كثيرون عتبوا على مشاركتك في البرنامج، فماذا تقول لهم؟
- ما قيمة الإنسان من دون وطن؟ وأنا شاركتُ في البرنامج من أجل لبنان، ومَن انتقدوا لن أعلّق على كلامهم، ولا يهمّني أبداً أن أفعل ذلك. يجب ألا ننسى أن 400 مليون عربي تابعوا البرنامج في بلدانهم ودول الاغتراب. وهناك قسم كبير من الجيل الجديد لا يعرفني، ومَن لا يعرفني كانت مشاركتي في البرنامج فرصة كي يتعرّف عليّ وعلى وجهٍ آخَر للبنان يتجسّد في هذا الفنان الذي يغنّي وهو يبلغ من العمر 71 عاماً، وليس لبنان الذي ارتبط اسمه ببعض السياسيين الفاسدين.
• هل أحببت التجربة؟
- بكل شوق ورغبة شاركتُ في البرنامج، بالرغم من معارضة أهل بيتي.
لن أتحدث عن نفسي، ولكنّ هناك عدداً كبيراً من المطربين اللبنانيين تقدّموا للمشاركة في البرنامج ولم يتم قبولهم، ولكن ثقتي بنفسي دفعتْني لأن أتقدم وتم قبولي.
أملك موهبة وعرفتُ كيف أحافظ عليها، وأعرف إمكاناتي وما أملك من خبرة وتجربة، كما أن إيماني الكبير بوطني ووطنيتي، كانا السبب الأبرز للإقدام على هذه الخطوة.
كل هدفي كان لبنان وتقديم صورة جميلة عنه.
لذلك، لا أهتمّ لكل التعليقات والانتقادات.
• ولماذا رفضتْ عائلتك؟
- هم قالوا لي لماذا تشارك في البرنامج بما أنك تغني منذ 47 عاماً؟ ربما لن يقبلوا بمشاركتك أو ربما لن تصل إلى النهائيات، فترددتُ قليلاً وما لبثتُ أن عدتُ إلى موقفي الأول، ووقفتْ ابنتي إلى جانبي ومن ثم زوجتي، وبعدهما أولادي جميعاً وقالوا لي ثقتك بنفسك عالية جداً ونحن نعرفك ونعرف شخصيتك والموهبة التي أعطاك إياها الله، وما دام كل هدفك هو لبنان فنحن معك.
نعم، رغبتُ في أن يعرف كل العالم أن لبنان ما زال موجوداً في صورته الجميلة وأنه ليس فاسداً كله، بل فيه حياة وثقافة وفن وحضارة.
لستُ بحاجة إلى الشهرة وهي ليست هدفي.
• هل ترى أن الفن في لبنان، لن أقول منحرفاً، ولكن هل يعطي الفنان الجيّد ما يستحقه؟
- بل الفن في لبنان منحطّ، ومنحرفٌ ليست الكلمة المناسبة.
وهذا الأمر يحزّ في قلبي كثيراً.
هل يُعقل أن تصل الأغنية إلى هذا المستوى المتدني في لبنان الذي أخذ أول مطبعة إلى مصر، لبنان ميخائيل نعيمة وجبران خليل جبران وفيروز والأخوين الرحباني! في الدول العربية لا يزالون يحافظون على الكلمة، وفي الخليج يكتبون شعراً غنائياً جيداً جداً.
عندنا، اللغة العربية فقدتْ قيمتها بسبب مدارسنا ووزارة التربية، وأيضاً بسبب طريقة تنشئتنا لأولادنا.
• مَن يلفتك بين الموجودين على الساحة؟
- أحترم الجميع وهناك أصوات عليها القدر والقيمة وأتمنى أن تحافظ على مستوى الكلمة، لأنه يوجد في لبنان شعراء جيّدون بينهم نزار فرنسيس وفارس إسكندر، لكن المشكلة أن المغنّي عندما يجد أن هناك القليل من المال في جيْبه، أو أنه ورثه من والده أو والدته، يقوم بتسجيل أغنية ويدّعي أنه مطرب.
أنتَ لست مطرباً بل مغنّ.
• أي يظن نفسه نجماً؟
- كلا هو ليس نجماً.
هم يقومون بتسجيل أغنيات ظناً منهم أنهم نجوم، ولكن بمجرد أن يعتلوا خشبة المسرح، فإنهم يضيعون.
أنا أغني 10 ساعات على المسرح، ومع احترامي للبعض ممن عليهم القدر والقيمة.
الموهبة موجودة ولكنها تتفاوت بين فنان وآخَر.
الموهبة فنّ وعمل، ومَن يملك موهبة يجب أن يشتغل عليها، بينما هناك مَن يملك المال ويحبّ الشهرة، فيسجّل أغنية بكلامٍ لا مستوى له، ويأتي بألحان من تركيا أو اليونان ويلصق عليها كلاماً باللغة العربية.
• ومَن هم الفنانون الحقيقيون في لبنان؟
- عددهم لا يتجاوز أصابع اليدين، وبينهم ملحم زين ووائل كفوري وهناك أصوات أخرى، ولكنني لا أتابع كثيراً لأن همي الوحيد هو لبنان.
• هل أنت متشائم بالنسبة إلى مستقبل لبنان؟
- جداً، وأنا أعطيتُ الحل.
وأتمنى أن يكون ظني في غير محله وأن تمرّ الغيمة السوداء من سماء لبنان.
السياسيون قتلوا حلمَ أولادنا، وهل هناك أكبر من هذه الجريمة، وانفجار المرفأ ألا يُعدّ جريمة؟ والجريمة الأكبر أننا حتى اليوم لم نعرف نتيجة التحقيق ولا تمّ القبضُ على أي فاسد.
• تعيش في كندا؟
- بل أتيتُ إليها قبل شهرين.
أنا أقيم في لبنان ولكنني أسافر كثيراً، وقد جلتُ في العالم كله.
• وكم تبلغ المدة التي غبتَ خلالها عن الحفلات والإصدارات؟
- أنا أعمل، ولكن حفلاتي متواضعة، وأركز على العمل بين أميركا وكندا، ولكن بسبب «كورونا» توقفتْ الحفلات.
جئتُ إلى كندا العام 1987 وأحببتُها وشعرتُ بأن فيها نظاماً واحتراماً للإنسان، لذا تقدمتُ على الهجرة العام 1992 وحصلتُ عليها العام 1995.
وخلال تلك الفترة جلت على الولايات الأميركية، وإخوتي يعيشون فيها، وأملك الجنسيتين الأميركية والكندية. في كندا الطفل والأم والكبير في السن لهم الأولوية وممنوع المساس بهم.
• سيتمّ إنتاج أغنية لك كهدية من البرنامج؟
- هذا صحيح. ولديّ مجموعة أغنيات سأطرحها من بعدها، ولكن كل شيء مكلف ولا توجد لدي شركة إنتاج أتعامل معها لإنتاج أعمالي، وحالياً أركز على ابنتي بريجيت.
• أهديتَ الجائزة للبنان؟
- نعم، الجائزة رمزية أكثر منها مادية.
• هل ساورك الشعور بالقلق خلال المسابقة؟ومَن الفنان الذي شعرتَ بأنه يمكن أن يشكل مصدرَ خطرٍ عليك؟
- نحن كمشتركين لا نسمع بعضنا، وهذا الأمر لم يَحْدُث على الإطلاق إلا قليلاً وفي الحلقة الأخيرة، لأننا كنا نجلس في أماكن قريبة من المسرح في الكواليس.
وأنا تابعتُ البرنامج كما سائر الناس.
ولكنني أعرف تاريخ جميع المشتركين، وكلهم فنانون معروفون في بلدانهم وفي المحيط العربي.
وأنا أحترمهم جميعاً وأقدّر موهبتهم، ولكن الغرور مرفوض، والخوف كان موجوداً بوجود زملاء يملكون مثل خبرتي.
ولكنني عبدو ياغي ولي بصمتي الخاصة، وثقتي بنفسي عالية جداً وإيماني بوطني كان كبيراً وكنت أغني له باندفاع كبير ولم أخف من أحد.
لا شك أن الشعور بالمسؤولية كان موجوداً وكنت أحرص على الانتباه جيداً، عدا عن أن الوقتَ المخصص للغناء على المسرح لا يتعدى دقيقتين، وبناء على طلبي تم تمديده نصف دقيقة إضافية.
لكنه قانون البرنامج وفكرته عالمية.
• هل أنتَ مع برامج الهواة؟
- طبعاً، ونحن سمعنا الأطفال كيف أبدعوا في غناء أصعب الأعمال.
• ولكن مَن يتخرجون من هذه البرامج «يضيعون» بعد انتهائها؟
- هم يوصلونهم إلى مرحلة معينة، وفي فترة لاحقة عليهم الاعتماد على أنفسهم، كما أنهم بحاجة إلى شركات إنتاج.
لكن غالبية شركات الإنتاج تمر في ظروف صعبة، علماً أنني لم أتعامل يوماً مع أي منها، بل كنتُ أنتج لنفسي. مَن يعطي من قلبه لا بد وأن يترك أثراً في نفوس الناس، لأن الجمهور هو الذي يقيّم الفنان.
وبعض الفنانين «ضَربوا»، ولكن ليس جميعهم يستحقون ما وصلوا إليه والألقاب والنجومية التي ينعتونهم بها، وهذه مسؤولية بعض الإعلام.
• هل تتوقع غربلةً فنية في الفترة المقبلة؟
- ما دامت هناك بطون تلد فالمواهب موجودة، والغربلة ترتبط بكل بلد وكيفية نظرته إلى الفن.
وبالنسبة إلى مَن يَبْرزون في الإعلام، فإنها مسؤولية الإعلام المرئي والمكتوب والمسموع، ويجب أن يعرفوا الفنانين الذين يستحقّون أن يُبْرِزوهم والفنانين الذين يجب أن يَصرفوا النظر عنهم.
هذه ملاحظتي لوسائل الإعلام، خصوصاً أنه مع الوقت تعتاد الأذن على الرديء، وهذا ما يؤدي إلى تراجع مستوى الفن، وتالياً إلى الانحطاط.
ونعيش حالياً أكبر زمن انحطاطٍ للأغنية اللبنانية مع احترامي لبعض الشعراء والملحنين الذين يضطرون أحياناً لمسايرة الفنان لأنهم يريدون أن يعتاشوا.