أثار طرد الرئيس دونالد ترامب، مدير الأمن السيبراني كريس كريبس، حفيظة الجمهوريين كما الديموقراطيين، الذين يتحسبون مما يمكن أن يفعله ترامب الجريح - الذي يعاني بسبب خسارته الانتخابات الرئاسية أمام المرشح الديموقراطي جو بايدن - قبل شهرين من موعد انتهاء صلاحياته الرئاسية وخروجه من البيت الأبيض في 20 يناير الجاري.
ويخشى الجمهوريون والديموقراطيون أن لدى ترامب «لائحة سوداء» من الموظفين ممن يحمل ترامب ضغينة ضدهم بسبب معارضتهم له أو إدلائهم بتصريحات تتناقض وأقواله، وهي لائحة يبدو أنها كانت تتضمن وزير الدفاع مارك اسبر، الذي طرده ترامب، إلى جانب أعلى ثلاثة في هرم البنتاغون. كما طرد ترامب كريبس بسبب تصريحات اعتبر فيها مدير الأمن السيبراني، أن لا تزوير في الانتخابات الرئاسية بتاتاً.
ولخص تعليق السيناتور الجمهوري عن ولاية تكساس جون كورنين، وهو من المعروفين بتأييده ترامب، المزاج الأميركي بقوله إن الوظائف في الحكومة وإنهائها هي «من اختصاص الرئيس، لكني أعتقد أن ما يقوم به يؤدي فقط إلى نشر الارتباك والفوضى».
وأضاف كورنين، للصحافيين: «أنا متأكد من أني لست الشخص الوحيد الذي يرغب في العودة إلى الوضع الطبيعي». لكن السناتور الجمهوري تنبّه أن كلمة «طبيعي»، هي التي يتداولها الأميركيون لوصف الرئيس المنتخب جو بايدن وإدارته المتوقعة، فاستطرد قائلاً :«لا أعرف حتى ما هو الطبيعي بعد الآن».
وسبق للرئيس المنتهية ولايته أن هدد بطرد رئيس قسم الأمراض المعدية الدكتور انتوني فاوتشي، الذي ناقضه مراراً حول مواضيع فيروس كورونا المستجد وكيفية مكافحته.
وعلى لائحة الرئيس «السوداء» يرد اسم مديرة وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي اي) جينا هاسبل، ومدير مكتب التحقيقات الفيديرالي (أف بي آي) كريستوفر راي. ويبدو أن ترامب يعتقد أن الاثنين لم يقوما بالأدوار اللازمة لفرض تفوقه في عدد الأصوات.
وكان ترامب تلقّى صفعة سياسية من مجلس الشيوخ، الذي رفض المصادقة على مرشح ترامب لمقعد في الاحتياطي الفيديرالي (المصرف المركزي).
وعلمت «الراي» أن المقربين من ترامب يسعون إلى إقناعه بأن طرد كبار المسؤولين في الدولة الأميركية، خصوصاً ممن يخدمون فترات طويلة مثل مديري «سي آي اي» و«أف بي آي» ممن تبلغ مدة خدمتهم عشر سنوات، هو بمثابة خدمة للرئيس المنتخب جو بايدن، إذ ان الرئيس المقبل سيجد مراكز فارغة ليملأها بمن يختارهم، بدلاً من بقاء المسؤولين الحاليين الذين اختارهم ترامب والجمهوريون.
في السياسة الخارجية، خبت المخاوف من قيام ترامب - في الأيام المتبقية له في الحكم - بمغامرات ترضي غروره وقاعدة مؤيديه، ولكن تؤذي الولايات المتحدة ومصالحها القومية.
ومن الأفكار التي بدا أن ترامب ناقشها مع مستشاريه، إمكانية انسحاب فوري وشامل للقوات الأميركية من افغانستان والعراق وسورية، وطلبه الى كبار الجنرالات تزويده بلائحة من الخيارات لتنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران «بسبب قيامها بتخصيب يورانيوم بنسب أعلى من الذي تسمح به الاتفاقية النووية معها».
في موضوع سحب القوات الأميركية من الشرق الأوسط، تراجع ترامب بعد ضغط مارسه كبار الجنرالات ونجحوا في اقناع مجلس الشيوخ، ذي الغالبية الجمهورية بمساندتهم، فأصدر زعيم الغالبية السناتور ميتش ماكونل بياناً اعتبر فيه أن أي انسحاب كامل ومفاجئ يؤذي المصالح الأميركية، فتراجع ترامب، واستعاض عن الانسحاب الكامل بإعلانه تخفيض العديد الى الحد الأدنى... لكنها خطوة دعائية، إذ دأبت القيادة العسكرية على عدم الإعلان عن عديد قواتها المنتشرة في الخارج، ونجحت في إخفاء الأرقام عن ترامب نفسه، حسب تصريح المبعوث السابق الى التحالف الدولي ضد تنظيم «داعش» جيمس جيفري.
أما في الملف الايراني، فواجه ترامب كذلك معارضة من المؤسسة العسكرية، التي حذرته من أن أي انزلاق لحرب مفتوحة «قد يؤدي لانهيار النظام الإيراني، فتجد واشنطن نفسها أمام فوضى شبيهة بفوضى افغانستان والعراق»، وهو موقف أجبر ترامب على التراجع عن موضوع الضربة العسكرية، واستعاض عنه بحملة تشديد العقوبات الاقتصادية عليها.
وتسارع إدارة ترامب الى تثبيت العقوبات التي فرضتها على الكيانات الإيرانية عبر استصدار قرارات وزارية حكومية، وهي تختلف عن المراسيم التنفيذية الصادرة عن البيت الأبيض، والتي يمكن للرئيس المقبل نقضها بتوقيع واحد.
هكذا، راحت إدارة ترامب تستصدر تشريعات حكومية ضد الكيانات الإيرانية بتهم رعاية الإرهاب وتجاوز حقوق الإنسان، وهي تهم تجعل من الصعب جداً على بايدن نقضها، وقد تسمح للرئيس المنتخب بإقناع الإيرانيين أن يديه مكبلتان، وأنه لا يمكنه رفع هذه العقوبات ما لم تغير طهران تصرفاتها وتعمل للتوصل على تسوية مع العالم حول «نشاطاتها المزعزعة للاستقرار في المنطقة».
كما يخشى الأميركيون - من الجمهوريين والديموقراطيين والمراقبين المحايدين - من «فم ترامب الكبير» بعد خروجه من الرئاسة. وغالباً ما يلتزم الخارجون من الحكم في واشنطن، من منصب رئيس وحتى أدنى منصب في الدولة، بعدم إفشاء أي أسرار حكومية حصلوا عليها أثناء فترة عملهم في الحكومة.
لذا، يشترط إصدار المسؤولين السابقين كتب مذكراتهم أن تمر مسوداتها عبر وكالات الاستخبارات الفيديرالية للتأكد من تنقيحها من أي معلومات لم تقم الدولة برفع السرية عنها.
أما ترامب، فقد أظهر عدم انضباط في تعامله مع أسرار الدولة، التي قام بافشاء كثير منها أثناء رئاسته، بعضها تقارير رفع عنها السرية فعرّض هوية المصادر السرية للخطر.
وأفشى ترامب سرّين للدولة، مرة لدى استقباله وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في البيت الأبيض وإبلاغه أن «داعش» كان ينوي شن هجمات بكمبيوترات محمولة مفخخة، وهي معلومة كان حصل عليها الأميركيون من الإسرائيليين وهددت مصادر الإسرائيليين داخل التنظيم الإرهابي.
والسرّ الثاني كان قيام ترامب بنشر صورة، على موقع «تويتر»، ظهرت فيها قاعدة إيرانية فشلت في إطلاق صاروخ الى الفضاء، وكشف بذلك أن لدى أميركا تقنية سرية غير معروفة للعالم بعد، تستخدمها لمراقبة القواعد العسكرية والصاروخية، الإيرانية وغير الإيرانية، حول العالم.
هكذا، يخشى الجمهوريون والديموقراطيون من خطوات متهورة قد يقوم بها ترامب في ما تبقى من رئاسته، ويتخوفون من إفشائه بعض أسرار الدولة بعد انتهاء رئاسته، وكلها مخاوف تشي بأن الأميركيين قد يكونون تخلّصوا من رئاسة ترامب، لكنهم بالتأكيد لم يتوصلوا لخاتمة لعدم انضباطه وإثارته القلاقل التي تؤذي - حسب غالبية الأميركيين - مصالح الدولة والبلاد.
بايدن... والرقم القياسي
تقترب حصيلة الأصوات التي فاز بها المرشح الديموقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن، من رقم قياسي يناهز 80 مليون صوت بينما تتواصل عملية إعادة فرز الأصوات، وفق تقرير لـ«وكالة أسوشيتد برس للأنباء».
وحقق بايدن بالفعل رقماً قياسياً لأكبر عدد من الأصوات لمرشح رئاسي فائز، كما حقق الرئيس دونالد ترامب أيضاً علامة عالية لأكبر عدد من الأصوات لمرشح منافس.
ومع فرز أكثر من 155 مليون صوت، بلغت نسبة المشاركة 65 في المئة من جميع الناخبين المؤهلين، وهي أعلى نسبة منذ عام 1908، وفقاً لبيانات «أسوشيتد برس» ومشروع الانتخابات الأميركية.