بينما يسجل سعر صرف الدينار إلى الدولار عموماً استقراراً منذ فترة، مع تسجيل معدلات تغير شهرية متذبذبة، يُلحظ أن سعر صرف الدولار مقابل الدينار، ارتفع في سوق ما بين البنوك، أو ما يعرف بـ«الإنتربنك الدولي» في الفترة الأخيرة بنحو 50 نقطة أساس، عن سعره المحدد من قبل بنك الكويت المركزي.
وعملياً، يدفع عدم تلازم السعرين إلى السؤال حول أسباب انفصال سعر صرف الدولار مقابل الدينار محلياً، واتجاهات هذا المؤشر وتأثيراته؟
صانع السياسة
من حيث المبدأ، لا يشكل وجود فارق بين سعر صرف الدولار مقابل الدينار المحدد من «المركزي» والآخر المتداول بـ«الإنتربنك» بـ50 نقطة لصالح الأخير، أي مخاوف تذكر لدى صانع السياسة النقدية، باعتبار أن هذا الفارق يدخل ضمن هوامش ضيقة نسبياً وبشكل طفيف.
لكن من الناحية السوقية يحمل الانفصال في اتجاهات سعر صرف العملة الرئيسية عالمياً مع العملة المحلية، مؤشرات تنبّه مسؤولي الخزينة في البنوك، إلى أن الطلب على الدولار مرتفع محلياً، ما يدفع بأسئلة أخرى ليس أقلها، هل هذا الهامش ناتج عن نشاط مضاربي، أم لديه أسبابه الوقتية التي تدعمه، وتختلف عن الحركة العالمية لسعر صرف الدولار، وإلى أي مدى يمكن أن يدوم هذا النشاط، وسعته؟
باختصار وبعيداً عن أي تفاصيل، يمكن القول إن معيار العرض والطلب محدّد رئيس لأسعار صرف العملات عامة، لكن في التفاصيل هناك محددان رئيسيان لسعر الصرف، الأول، يتعلق بالسعر الرسمي المعلن من قبل «المركزي»، لسعر صرف الدولار مقابل الدينار والذي بلغ أمس 305.55 فلس لكل دولار، مع العلم أن السعر الرسمي هو المؤشر الأكثر انتشاراً وتأثيراً في تحديد حركة الدولار إلى الدينار.
سيولة أجنبية
وفي هذا الخصوص، يلتزم «المركزي» بتغطية احتياجات العملاء من الدولار، على أن تشمل التغطية المبالغ المطلوبة لصالح العملاء فقط، وليس للبنوك أو الجهات المضاربة، بالسعر المحدد من قبله.
أما المسار الثاني، فيمكن ملاحظته في «الإنتربنك»، وباعتبار أن الحديث هنا يتعلق أكثر بالدولار، فالأمر يرتبط بتعاملات ما بين البنوك الدولية، وهي تخضع أكثر لمعيار العرض والطلب، لكن أسعارها تدور عادة في في مدار السعر المعلن من قبل «المركزي».
وفي هذا الشأن، قالت مصادر مصرفية، إن هامش ارتفاع الدولار مقابل الدينار في «الإنتربنك»، يأتي مدفوعاً بزيادة الطلب على الدولار مقابل الدينار، من خلال أدائه كعملة عالمية، وكذلك نتيجة المكاسب التي يجنيها المستثمر من زيادة حيازته مقابل العملات الأخرى، ما يشكّل أيضاً جزءاً مهماً من النشاط في العديد من الأسواق بوقت واحد.
وإذا كان السوق المحلي يتأثر مثل غيره من الأسواق بالطلب العالمي النشط على الدولار، إلا أن الأداء الداخلي له أسبابه الإضافية، التي تفسّره، ومن بين ذلك أن هناك جهات أجنبية، أو محلية تقوم بزيادة مراكزها من الدولار، مقابل تخفيف مخزونها من الدينار.
التوسع استثمارياً
وبالطبع، لهذا التوجه أسبابه الاستثمارية، فقد تكون هذه الجهات تتحرك حالياً نحو التوسع باستثماراتها الخارجية، ولذلك تقوم برفع مراكزها من الدولار، وقد يرجع ارتفاع الدولار مقابل الدينار إلى عمليات جني أرباح، تتم في أسواق أخرى.
ومن ضمن السيناريوهات المطروحة لنشاط تداول الدولار مقابل الدينار في «الإنتربنك» أخيراً التحول بتسهيلات كبرى ممنوحة إلى عملات أجنبية، لتنفيد مشاريع تطويرية وإنتاجية ضمن إستراتيجية الجهة المقترضة التوسعية.
كما يدخل ضمن التكهنات في هذا الخصوص أن هناك جهات كانت مشاركة في تمويل تسهيلات بالدينار، وحلّ أجلها، وليس لديها حاجة استثمارية للإبقاء على هذه المبالغ بالدينار، ما يدفعها إلى التحول لعملات أخرى تحتاج إليها.
سبب آخر يتعلق بالتراجع الذي شهدته أسعار النفط، وما له من انعكاسات على الموازنة العامة للدولة، وارتفاع حاجتها إلى زيادة مدفوعاتها بالدولار في عمليات ميزانها التجاري.
وبالطبع، لا يوجد سبب واحد محدد المعالم يفسّر وجود هذا الهامش الضيّق في سعر صرف الدينار إلى الدولار.
وفيما أكدت المصادر على جاذبية الدينار أمام العملات الرئيسية، أشارت إلى أن المسار الانفصالي في سعر صرف الدولار محلياً قد يتوقف بعد استكمال عملية الشراء المستهدفة، إذا كان هناك تحرك بالفعل في هذا الخصوص.
الدينار في سلة موزونة
تشير تطورات سعر صرف الدينار الكويتي خلال عام 2020 إلى مواصلة بنك الكويت المركزي تطبيق سياسة سعر الصرف المعمول بها اعتباراً من 20 مايو 2007، والقائمة على أساس ربط سعر صرف الدينار مقابل العملات الأخرى بسلة موزونة من عملات أهم الدول التي ترتبط بعلاقات تجارية ومالية مؤثرة مع الكويت، يستحوذ فيها الدولار على النسبة الأكبر مقارنة ببقية العملات.
وأكدت مصادر مصرفية أن تعزز انسياب التدفقات النقدية بين القطاع المصرفي وقطاعات الاقتصاد الوطني تحافظ على جاذبية الدينار كوعاء مجز وموثوق للمدخرات، كما أن تخفيض سعر الخصم المقرر من «المركزي» يأتي مع اتساع هامش سعر الفائدة لمصلحة الدينار، مقارنة بسعر الفائدة على الدولار في ضوء تخفيضات مجلس الاحتياطي الفيديرالي الأميركي لسعر الفائدة، بما يترتب عليه من توافر هوامش مريحة للمحافظة على تنافسية الدينار.