ما الجديد في دستور «الجزائر الجديدة»؟

1 نوفمبر 2020 10:00 م

أدلى الناخبون الجزائريون بأصواتهم، أمس، في استفتاء على دستور يُفترض أن يؤسس لـ«جزائر جديدة»، كما جاء في ديباجته، وأن يحقق مطالب الحراك. فما هو الجديد في الدستور الذي عرضه الرئيس عبدالمجيد تبون، وصادق عليه البرلمان في سبتمبر الماضي؟ - الجزائر الجديدة والحراك: تُعلن الديباجة، الهدف من مراجعة دستور مفصل على مقاس الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وقد سمح له بالبقاء في الحكم 20 سنة قبل أن يضطر للاستقالة في أبريل 2019 تحت ضغط الحركة الاحتجاجية غير المسبوقة.

وجاء في الديباجة «يُعبّر الشعب عن حرصه على ترجمة طموحاته في هذا الدستور بإحداث تحولات اجتماعية وسياسية عميقة من أجل بناء جزائر جديدة، طالب بها سلمياً الحراك الشعبي الأصيل» الذي بدأ في 22 فبراير 2019.

وبينما اعتبرت الأحزاب الموالية للسلطة إدراج الحراك في الدستور، إلى جانب أحداث مهمة في تاريخ الجزائر من العهد النوميدي حتى حرب الاستقلال، «مكسباً» يجب تثمينه، فإن أحزاب المعارضة الرافضة للمشروع «شكلاً ومضموناً» تحذّر من أن الهدف هو دفن الحراك الشعبي الذي يطالب بتغيير جذري للنظام الحاكم منذ استقلال البلد عن الاستعمار الفرنسي في 1962.

كما تضمّنت الديباجة للمرة الأولى، الإشارة بشكل واضح إلى المحافظة على البيئة والنتائج السلبية للتغير المناخي. وينص الدستور الجديد على ذلك أيضاً في مواد عدة من الباب الأول حول المبادئ العامة التي تحكم الشعب الجزائري.

- الجيش: الجيش الجزائري موجود في العديد من فصول الدستور، لأنه «العمود الفقري للدولة»، كما كرّر تبون مراراً.

لكن الجديد في دستور 2020 هو أنه للمرة الأولى في تاريخ الجزائر المستقلة، أصبح بإمكان القوات المسلحة القيام بمهمات خارج الحدود في بلد هو الأكبر مساحة في أفريقيا، ومحاط بمناطق نزاع كما في ليبيا (شرقاً) ومنطقة الساحل (جنوباً).

وجاء ذلك في مواد سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية، «القائد الأعلى للقوات المسلحة ومسؤول الدفاع الوطني»، وهي الصفة التي يتمتع بها حالياً تبون الذي يتولى وزارة الدفاع كما كان سلفه بوتفليقة.

ونصّت المادة 91 في فقرتها الثانية «يقرّر(رئيس الجمهورية) إرسال وحدات من الجيش الوطني الشعبي إلى خارج الوطن بعد مصادقة البرلمان بغالبية ثلثي أعضاء كل غرفة». والغرفة الأولى هي المجلس الشعبي الوطني (مجلس النواب) والغرفة الثانية هي مجلس الأمة (مجلس الشيوخ) الذي يعيّن الرئيس ثلثي أعضائه.

لكن حدّد الدستور مجالات تدخل الجيش خارج حدوده «في إطار احترام مبادئ وأهداف الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، أن تشارك في حفظ السلم».

ونصت المادة على أن الجزائر «تمتنع عن اللجوء الى الحرب» ضد الشعوب الأخرى و«تبذل جهدها لتسوية الخلافات الدّوليّة بالوسائل السّلميّة».

وأثارت هذ المادة نقاشاً واسعاً حول تغيير العقيدة العسكرية للجيش، لكنها لقيت ترحيباً في بعض الدول التي تنتظر دوراً أكبر للجيش في مناطق النزاع في دول الجوار.

- الرئيس والحكومة: كان تقليص صلاحيات الرئيس وحماية البلد من الحكم الفردي، العنوان الأساسي الذي سوّق به تبون التعديل الدستوري منذ الإعلان عنه في خطاب القسم في ديسمبر 2019.

لكن قراءة في مادة سلطات وصلاحيات رئيس الجمهورية تدل على أن هذه الصلاحيات لم تتقلّص خصوصاً في ما يتعلق بالتعيينات من رئيس الحكومة إلى كل الوظائف المدنية والعسكرية وحتى القضاة.

أما التغيير البارز فهو إدراج مادة تحديد الولايات الرئاسية في اثنتين (متصلتين أو منفصلتين) ضمن المواد الصمّاء غير القابلة للتعديل، ما يمنع الرئيس من إعادة فتح الولايات بتعديل آخر، كما سبق أن فعل بوتفليقة في 2008 حتى يترشح لولاية ثالثة في 2009.

والتعديل البارز في الجهاز التنفيذي، هو في إلزام رئيس الجمهورية على تعيين رئيس الحكومة من الأغلبية البرلمانية، لكن هذا الإجراء يسقط في حال فازت أغلبية موالية للرئيس.

وفي إجراء نادر في الدساتير، أصبح يقود الحكومة إما «وزير أول في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية رئاسية» أو «رئيس حكومة في حال أسفرت الانتخابات التشريعية عن أغلبية برلمانية»، بحسب نص المادة 103.

ويبقى رئيس الدولة هو رئيس مجلس الوزراء في جميع الحالات، مع إمكانية تفويض بعض صلاحياته للحكومة.

- الحريات: خصص الدستور المعدّل أكثر من 30 مادة لباب الحقوق والحريات تضمّنت كل ما نصت عليه المواثيق الدولية من حرية الصحافة وتأسيس الأحزاب والجمعيات والنقابات وكذلك حرية التجارة والاستثمار وحرية المعتقد.

ومنعت مواد الدستور وقف أي وسيلة إعلامية أو حل أي حزب أو جمعية إلّا بقرار قضائي. ورحبّت منظمة العفو الدولية، التي قدمت اقتراحات حول مسودة الدستور، بـ«بعض المواد التي اتسمت بصياغات قوية بشأن حقوق المرأة والحقوق الاقتصادية والاجتماعية».

وكانت المواد المتعلقة بحماية حقوق المرأة إضافة إلى مادة تكريس اللغة الأمازيغية كلغة رسمية ووطنية غير قابلة للتعديل، أحد أسباب دعوة الأحزاب الإسلامية للتصويت بـ «لا» على الدستور.

لكن منظمة العفو، انتقدت تعارض مقترحات الدستور مع «قوانين قمعية» مثل التعديلات التي أُدخلت على قانون العقوبات في أبريل، وكذلك الممارسة اليومية من خلال «سجن الصحافيين والناشطين في الحراك».

ولم يتمّ اختيار موعد الاستفتاء مصادفة. فالأوّل من نوفمبر هو «عيد الثورة» ذكرى اندلاع حرب الاستقلال ضدّ الاستعمار الفرنسي (1954 - 1962).

والرهان الوحيد في هذا التصويت هو نسبة المشاركة (نحو 25 مليون جزائري يحق لهم التصويت).

لكنّ ناشطي الحركة الاحتجاجيّة رفضوا النصّ المقترح «شكلاً ومضموناً» لأنّه لا يمثّل سوى «تغييراً في الواجهة»، في حين أنّ الشارع طالب بـ«تغيير النظام»، لذلك دعوا إلى مقاطعة الاستفتاء.

ونقل تبون (74 عاماً) إلى ألمانيا الأربعاء، لإجراء «فحوصات طبية متعمقة» بعد أنباء عن الاشتباه بإصابة محيطين به بمرض «كوفيد - 19». وأوضحت الرئاسة أن حالته «مستقرة وغير مقلقة».

وينبغي على الناخبين أن يردّوا على سؤال «هل أنتم موافقون على مشروع تعديل الدستور المطروح عليكم؟»، فيُجيبون بـ«نعم» باختيار الورقة البيضاء، وإذا كانوا غير موافقين، عليهم الإجابة بـ«لا» عبر اختيار الورقة الزرقاء.