يبدو أنه منذ فترة ليست ببعيدة ظهر اتجاه آخر يمكن أن نسميه «يلا نرجع»!
إن الارتباط والحراك المشتركين اللذين سببتهما «العولمة»، واللذين جعلا البلدان والحواسيب والمنتجات والخدمات وفرص توسع السوق والمصارف العالمية مرتبطة معاً بشكل كبير، كل ذلك أنتج اتجاهاً جديداً يرفض إطلاقاً أن تتأثر الشعوب بما تأكله، مثلاً يتأثر الشعب الصيني في أسواقه، أو بالقرار السياسي الذي قد يتخذه أحدهم عندما يقرر غلق ممر مائي، يبعد عن أوطانهم مئات الآلاف من الكيلومترات!
يعتقد الكاتب البريطاني رتشارد واطسون المتخصص الإستراتيجي للاستشراف المستقبلي، أن العودة إلى المحلية والانسحاق للداخل الوطني سيكون ضمن أهم خمسة اتجاهات سيسير فيها العالم خلال السنوات المقبلة، ويتنبأ بتشقق الاتحاد الأوروبي وانهياره، وزيادة الهوس لحماية المنتجات المحلية، والحث عليها في ظل ارتفاع تكاليف الإنتاج التي أفرزتها العولمة.
نلاحظ كذلك عدم رغبة أو حرص القيادات العربية على الاتحادات المشتركة بينها، ومحاولة لتفتيت الرؤية المشتركة إلى برامج وأجندات مبنية على المصالح المحلية وليس الإقليمية.
العودة إلى المحلية في أبهى صورها تبدأ من أميركا... تماماً كما بدأت العولمة والديموقراطية من هناك، فدونالد ترامب صاحب مدرسة كسر البروتوكولات بين الدول وفي الإعلام وفي منهجية التفكير وفي كيفية أكل شرائح الهامبرجر، وفي كيفية كتابة تغريدة في تويتر، هذا الرجل هو نتيجة وليس ظاهرة.
إنه نتيجة حالة التناقض العالمي تجاه القضايا الدولية، وآخر شكل للنظام العالمي الذي ساد بعد عام 1990م، ونتيجة ردة الفعل أيضاً تجاه هذا النظام العالمي... دونالد ترامب كان نتيجة الجدلية وليس طرف فيها.
إن ردود الأفعال الغاضبة من كل شعوب الأرض على منظمة الصحة العالمية، وعدم تصديقها واتهام ممثليها وتقاريرها أنها مرتبطة بمن يدفع وليس من يُداوي، وغضب آخر على منظمة التجارة العالمية، وفقد شرعية لجنة حقوق الإنسان العالمية... كل ذلك مؤشر على شيء ما رافض لعملية الترابط العالمي.
أحد أهم «الخرافات» التي كان ينادي بها الترابط العالمي هو أنه سيوفر مزيداً من الشفافية والنزاهة في المعلومات، ويسمح للدول والمنظمات أن تكون أكثر ذكاء في اتخاذ القرارات، ويتيح إجراء استطلاعات آراء فورية حيث حكمة الجماهير أكبر من ذكاء أي فرد، ولكن الواقع أثبت عكس ذلك، وأصبح الجميع تحت الرقابة ومعلوماتهم عرضة للبيع.
في 2008م - بينما كان السجناء محشورين فوق بعضهم البعض في عنابر بعض الدول العربية واللاتينية والأفريقية، والعمال محشورين في مصانع الشركات العابرة للقارات في الهند وأندونسيا والصين لدرجة أن الواحد منهم لا يستطيع أن يمد يده وهو يتثاوب - كانت دول أوروبا تناقش تجريم وضع الدجاج في أقفاص صغيرة تحوي أربع دجاجات، لا تسمح للدجاجة الواحدة أن تفرد جناحيها بالكامل، أو أن تتمشى بحرية وتضع بيضها في عش، ولا يوجد عمود للحكة في القفص، وفي 2012م بينما كان العالم العربي فوق صفيح بركان ساخن، أصبح وضع الدجاجات في هذه الأقفاص مجرم بالقانون في الاتحاد الأوروبي، من أجل إنتاج بيض أخلاقي قابل للتصدير.
«يلا نرجع»، سيكون اتجاه جديد ينادي بغرفة وصالة لكل دولة في القرية الكونية، التي أثبت ترابطها أنه «بيض» ولا شيء سوى ذلك!
moh1alatwan @