بلا حدود
الملياردير
د. فهد الراشد
22 سبتمبر 2020
11:04 م
طبيـعة خـلابة وتربة ملوّثة، صوت خـرير الماء في جـداول صغيرة تسقي البعـيد وتتجـاهل القـريب، زقـزقات عصافـير تنادي بعضها إيذاناً بالهجرة، حفيف ورق الأشجـار يتطاير إلى الأعلى متـباعداً، ورود ملونة هجـرتها الأيادي النـديّة، رذاذ الماء يسقط عليـها فتـغدو باكـية، ممرات خـضراء تصحـّـر الدفء والإحـساس فيـها. وقـف (المبشّت) على الشرفـة ينـظر إلى فـضاء قـصره المـترامي الأطراف، هناك من يقـلـّـم الأزهار وكأنه يتصارع معـها، وهناك من يشذب الأعشاب خـنقاً، وهناك من ينـقي الممرات التي خـلت من التراحم وفقـدت اللُحمة.
موظفو الخـدمة بلباسهم الأصفر الموحـد منتـشرون في كل أرجاء القصر بلا حـياة وبلا روح، يعملون بصمت رهيـب ليس مسموحاً لهم سوى النظر إلى بعضهم فقط. وقـف ورجـله اليمنى قد ارتفعت على عتـبة سور الشرفة بمقاس ثلاثين سنتمتراً تقريباً. رجـل في العقد السادس يبلغ من العمر خمسين ونيفاً، جـميلُ الوجـه، وجـيهُ الطـلّة، ملابسهُ فاخـرة جـداً، عقالُ مرعز الأصلي، غـترة ذات جودة عالية، قماشٌ لدشداشة فاخـرة جداً، بيده سيجـار بني اللون، وصل إلى منتـصفه، وباليد نفسها كان ممسكاً بفنـجان قهوة يرتشـف منه رويداً رويداً، أما طـبق الفنـجان فكان يمسكه باليد اليسرى، بدا مـترنح الفكـر، سرح في خـياله:
- إييه حطله قناتين قعد يتفلسف علينا، كل شوية طالع لنا أنا أثرى الأثرياء، أنا أغنى واحد، وهالقنوات ما عندهم شغل غيره الملياردير راح، الملياردير قعد، الملياردير انسدح، الملياردير كوكس، والله شغله، راح تشوف هالسنة مَن هو أغنى واحد فينا، أنا والا أنت، ما راح أخلي لك ذكر نهائياً، راح يكون تصنيفك مو الثاني أو الثالث، راح يكون تصنيفك الرابع أو الخامس، وراح تشوف.