«فوبيا الدستور»
1 يناير 1970
05:11 ص
في الموروث الشعبي، يحكى أن الناس تستخدم في حالات الخوف والحذر والفوضى الطبيعية وغير الطبيعية كلمة: «دستووور» أو «دستور يا أسيادنا». وفي حالتنا الكويتية لا صوت يعلو فوق صوت الدستور... سواء تعلق الامر بالسياسة أو الاقتصاد أو الاجتماعيات أو الخدمات. لكن غالبية القضايا التي تثار باسم الدستور لا علاقة لها به فقد صار مشجبا تعلق عليه كل الاخطاء والخطايا وحجة لكل الأمراض السياسية خصوصا تلك المتعلقة بفساد الإدارة.
كلما تصارعت السلطتان على امر ما، مشروع ما، صفقة ما، قانون ما، تشريع ما... تسلح كل طرف بالدستور ورفعه على السيوف في محكمة الرأي العام. هي الفتنة في صورة أخرى ضحيتها السلاح الذي يتبارزون به وبالتالي الوطن الذي حماه هذا السلاح وطوره وجعله ذات يوم منارة بين أقرانه... هي فتنة ضحيتها الدستور.
والمضحك المبكي، ان أحدا في السلطتين لم يطبق الدستور حتى الآن كما ينبغي وتحديدا أولئك الذين يكثرون من التباكي عليه. وان أحدا في السلطتين لم يلتزم الدستور نصا وروحا وتحديدا اولئك الذين امتهنوا مهنة الزحف على الصلاحيات من الطرفين، فالحكومة تنسى أحيانا أنها السلطة التنفيذية وتنتحل صفة السلطة التشريعية فتسلق القوانين وتقدم مشاريع «مهربة» وغير مدروسة بشكل جيد ومرتكزة على القبول والرفض والولاءات وحسابات «المع والضد» في الاستجوابات. والسلطة التشريعية تتقمص احيانا كثيرة صفات التنفيذية فتزحف عليها وتتدخل سلبا في امور استراتيجية عليا فقط من اجل وهج شعبي اكثر واستقطاب انتخابي اكثر، وليست قضية القروض سوى صورة من صور التدخل والتداخل.
... ويصرخون حماية للدستور ودفاعا عنه وهم لا يطبقونه ولا يلتزمونه. طبقوه قبل أن تتحدثوا عن تعديله للأحسن كما أراده المشرعون أو قبل أن تهددوا بالويل والثبور وعظائم الامور ان تم تعديله للأسوأ من قبل من اصطلح على تسميتهم بـ «الانقلابيين على الدستور».
لماذا نحمل الدستور ما لا يحتمل؟ ولماذا نخلط الدستور بالقانون؟ السارق والمفسد والمرتشي والقاتل والمزور والمسؤول عن خطأ في مشروع ادى الى كارثة والمحتال والنصاب والمغتصب والمعتدي على المال العام أو على اعراض الناس والخائن وحامل معول الهدم للوحدة الوطنية وسكين الانقسامات الدينية والمذهبية والمناطقية والاجتماعية... وغيرهم وغيرهم، يتعامل معهم القانون ولا حاجة أبدا لنهرب من تسمية الامور بمسمياتها فنصرخ دفاعا عن الدستور بينما المطلوب بكل بساطة ان نطبق القانون. حاولوا ان تتذكروا، حاولوا فقط، كم قضية من القضايا السابقة مرت على الكويت في السنوات الأخيرة وكم مرة استلت الاصوات الصادحة سيف الدستور في التعامل معها بدلا من سيف القانون.
لماذا؟ لان هناك منظومة مستفيدة من تحويل الانظار من القانون الى الدستور، بهدف اظهار القضايا على انها قضايا وطنية عامة تتعلق «بحماية الحاضر والمستقبل» بينما هي في الحقيقة قضايا خاصة لا تحتاج الى حشد وطني أو اصطفاف مذهبي وقبائلي ومناطقي... تحتاج فقط الى تطبيق القانون.
كلما أراد البعض الهروب من قضية أو ادخالها في دهاليز كبيرة تمهيدا لتمييعها وتبريدها... استخدموا كلمة الدستور. صارت في الكويت «فوبيا» اسمها «فوبيا الدستور» تحاصر حياة الجميع مع ان الدستور هو سياج للكويت اثبت فاعليته في اصعب الاوقات واقساها. لم نر امة متحضرة تشهد هذا السجال اليومي على بدهية مسلم بها مثل بدهية الدستور، بل على العكس من ذلك كلما قطعت الامم المتحضرة شوطا كبيرا في تطبيق الدستور اجتمعت اطيافها السياسية والشعبية والقانونية والحقوقية والتشريعية على تعديل بعض البنود بما يتوافق وتطورات العصر. من دون معارك ولا سجالات عنيفة ولا تهديدات بالشارع ولا حديث عن انقلابات ولا استخدام مصطلحه للتعمية على قضايا أخرى.
كل التقدير والاحترام للذين يدافعون عن مزيد من الحريات والمشاركة الشعبية في القرار والرقابة الفاعلة وفصل السلطات من خلال دفاعهم عن الدستور، وكل الرفض للذين يريدون الالتفاف على الدستور من اجل تقويض الحريات واضعاف المشاركة الشعبية وانهاء الرقابة وتسهيل زحف السلطات على بعضها... لكن هؤلاء صاروا قلة في بحر المتسلحين بالدستور لخوض حروب لا علاقة لها بالدستور على الاطلاق.
الدستور في جوهره عقد وعهد، ولا عقد بغير عهد، والعقد شريعة المتعاقدين لذلك يستحيل ان يخل طرف بالعهد أو يعتقد انه يستطيع ان يخل به لان الطرف المقابل يمتلك القدرة على الاخلال بالعقد. والطرفان خاسران بالتأكيد لان ما سينتج عن «الاخلالين» وضع جديد لا علاقة له بالكويت ولا يشبه الكويت.
في مناسبة مرور 47 عاما على قيامه، نتمنى أن يعي الجميع ان تطبيق الدستور نصا وروحا من اجل دولة افضل هو الاولوية المطلقة قبل الحديث عن خلل أو نواقص أو نيات مبيتة أو انقلابات قادمة.
«فوبيا الدستور» قسمت الكويت الى وطنيين وغير وطنيين. شرفاء وعملاء. اتقياء ومنحرفين. دستوريين وانقلابيين. توحيديين وانقساميين... دستور يا اسيادنا. دستور يا جماعة. دستور يا من تحاربون باسمه من اجل قضايا أخرى. دستور ياكويتيين. دستور يا كويت.
جاسم بودي