علي الرز / «كتاب حياتو يا عين»!
1 يناير 1970
10:49 م
| علي الرز |
يرفض العقل العربي الا ان يتماهى، ولو بجزء معقول، مع الارث البعثي حتى ولو لم يكن ينتمي اليه. فهذا الارث نما بين مشاعر الاحباط واليأس والهزائم ودغدغ آمال الملايين بعودة منصورة الى امجاد ضائعة.
يحن العقل العربي الى ذلك الارث ولو كانت تجربة البعث العملية تعني حرفيا عكس الشعارات التي رفعتها الانظمة التي حكمت باسمه. فلا حرية ولا اشتراكية ولا وحدة. بل اكثر من ذلك، تتقلص الأمة الى الدولة وتتقلص الدولة الى الحزب ويتقلص الحزب الى الطائفة وتتقلص الطائفة الى مسقط الرأس ويتقلص مسقط الرأس الى العائلة وتتقلص العائلة الى الفرع الذي ينتمي اليه القائد ثم الى اولاده من بعده... ومع ذلك يشتاق بعض العرب الى «الهيبة» حتى ولو تمثلت في مهادنة «العدو» وسحق اولاد البلد او سحل معارضين او ممارسة كل صنوف الابادة والقمع والوحشية.
اليوم يتسابق محامو الرئيس العراقي السابق صدام حسين وغيرهم على نشر مذكراته او قصة حياته، ورغم التباين في العرض الا ان نقاط التقاء كثيرة ترسم للعقل العربي خريطة طريق للعبور الى الديكتاتورية على جسر معبد بالمشاعر الوطنية وحب العراق والدفاع عن الوطن. ينقل المحقق الاميركي جورج بيرو في كتاب رونالد كيسلر عن صدام ((the terrorist watch قوله ان الرئيس العراقي لم يكن يملك اسلحة دمار شامل لكنه ادعى ذلك كي يخيف ايران فلا تفكر في انه ضعيف، وانه نادم وكان يفضل لو تعاون مع الامم المتحدة لنزع الذرائع الاميركية.
الرجل لا يغامر بمبلغ من المال ولا يجري اختبارات علمية على فئران ولا يناور في صفقة سلاح. هو يقامر ببلد وامكانات وشعب وثروات ومقدرات وسيادة... خسر في ما فعل وخسر العراق، او لنضعها في السياق العكسي ل «سلم المجد»: خسر صدام فخسر اولاده فخسر فرع العائلة فخسر مسقط رأسه فخسرت الطائفة فخسر البعث فخسر العراق فخسرت «الامة».
يمكنك ان تصدق بكل بساطة ان حاكما كصدام يمكن ان يقول ذلك، فهو قال سابقا ان كل ما يكتبه او تخطه انامله يصبح قانونا للعراق، وان العراقي يضع صوره في المنازل والساحات ودفاتر الاطفال لانه يعلم ان رغيف الخبز الذي يأكله نصفه من صدام، وان ما كان للعراقي ان يملك بيتا او يدخل مدرسة او يمارس عملا لولا صمود صدام ورؤية صدام وقوة صدام... كل شيء جيد للعراق منه اما كل شيء سيء فهو من خيانات الشعب او من مؤامرة خارجية. زاد في ذلك ان اعضاء مجلس قيادة الثورة كانوا بفضل الخوف والولاء والمصالح يمجدون صدام علنا ويعطونه اوصافا تقترب من الشرك احيانا.
في كتاب خليل الدليمي «صدام حسين من الزنزانة الاميركية:هذا ما حدث» ينقل الراوي ان الرئيس السابق قال له ان الاميركيين قبضوا عليه من دون مقاومة «بل لم أضع في حسابي مقاومتهم لأن السبب هو أنني قائد، ومن جاؤوا كانوا جنودا وليس من المعقول أن أشتبك معهم، وأقتل واحدا منهم أو أكثر وبعدها يقومون بقتلي، فهذا تخل عن القيادة والشعب، لكن لو كان بوش معهم لقاتلته حتى أنتصر عليه أو أموت».
... لم يتعاون مع الامم المتحدة من اجل الشعب العراقي. لم يتلاف الحرب من اجل الشعب العراقي. لم يبق في بغداد من اجل الشعب العراقي. اختبأ في حفرة من اجل الشعب العراقي. استسلم ولم يقاتل دفاعا عن نفسه من اجل الشعب العراقي.
تقول رغد صدام حسين في مقابلتها الشهيرة مع «العربية» بعد انهيار النظام العراقي السابق، ان والدها ارسل لها سيارة لتهرب من العراق لكنها صدمت حين لمحت بعض الجنود يفرون ايضا... عدم هروبها خيانة للشعب وهروب الجندي خيانة للعراق.
وتقول الاغنية المصرية التراثية المشهورة: «كتاب حياتي يا عين مالقتش زيو كتاب... الفرح فيه سطرين والباقي كلو عذاب»، والكتب التي صدرت، وستصدر، عن صدام وافراد عائلته ستصور الفرح في مسيرة الحكم سطرين فقط، اما الباقي فكله عذاب من اجل الشعب ومنعته وعزته سواء كان ذلك في مجازر حلبجة والجنوب والدجيل، او في اجتياح الكويت، او في قتل الرفاق والاقرباء، او في استدراج الاحتلال... او حتى في الحرص على السيجار الكوبي واعياد الميلاد وصبغة الشعر.
ومع ذلك، يرفض العقل العربي الا ان يتماهى ولو بجزء معقول مع الارث البعثي بحثا عن... «هيبة».
alirooz@hotmail.com