صور من الحياة القديمة في جزيرة فيلكا
أصل تسميات بعض الأماكن في الجزيرة / الأخيرة
1 يناير 1970
09:47 م
| خالد سالم محمد |
تعد جزيرة «فيلكا» من الآثار التاريخية المهمة في الكويت القديمة، وان عصورا عديدة مرت عليها تشير إلى حضارتها، وما تميزت به قديما من ثقل حضاري وتجاري في الخليج العربي.
وسنبحر مع الباحث خالد سالم محمد عبر بعض فصول كتابه المهم «صور من الحياة القديمة في جزيرة فيلكا»، والذي تحدث فيه عن هذه الجزيرة التي هي من اهم جزر الكويت وتقع عند مدخل «الجون» في مواجهة العاصمة من جهة الشرق على بعد عشرين كيلو مترا، تحدها من الجهة الشمالية الغربية جزيرة «مسكان» ومن الجهة الجنوبية الشرقية جزيرة «عوهة»، طولها اثنا عشر كيلو مترا وعرضها في بعض الجهات ستة كيلومترات. على شكل مثلث مستطيل الاضلاع.
وعدد سكانها حسب احصائية عام 1980 «4844» نسمة منهم «2552» غير كويتي، وهي الجزيرة الكويتية الوحيدة الآهلة بالسكان وتعتبر ثاني جزر الكويت مساحة بعد جزيرة بوبيان.
وتقوم جزيرة فيلكا على سهل طيني ضحل المياه شكلته رواسب شط العرب، سطحها منبسط فيما عدا بعض التلال المتناثرة، اعلاها «تل شبيجة» في الجهة الجنوبية من الجزيرة، شواطئها رملية ناعمة، مناخها قاري بارد شتاء وحار صيفا، اما فصلا الربيع والخريف فالجو معتدل، هذا وتقل نسبة الغبار في هواء الجزيرة معظم السنة (1).
جزيرة فيلكا عريقة في القدم، وقد اكتشفت فيها آثار تعود إلى عصور ما قبل الميلاد خصوصا العصر الهلينستي «القرن الثالث ق. م.» والذي بلغت فيه فيلكا اوج ازدهارها.
وتنقسم فيلكا الآن من الناحية العمرانية إلى:
-1 فيلكا القديمة:
وتمثلها قرية «الزور» على الساحل الغربي وتمتد من منطقة «البلط» في شمالي الجزيرة وحتى آبار «الممزر» في جنوبها. وقد سكنها الأهالي حوالي عام 1773 بعد ان هجروا قراهم القديمة بسبب الاوبئة. ويمتاز ساحل الزور بطابعه القديم حيث المباني التي يعود تاريخ بناء بعضها إلى بداية هذا القرن.
-2 فيلكا الحديثة:
ويفصلها عن فيلكا القديمة في الوقت الحاضر شارع الميناء الذي يحاذي منطقة «الممزر» التي اشتهرت بآبار المياه العذبة والتي كانت السفن التجارية الكبيرة وسفن الغوص على اللؤلؤ تتزود منها بالمياه قبل سفرها.
وتمتاز فيلكا الحديثة بمبانيها العصرية، وفللها الجميلة وقد انتقلت اليها معظم مرافق الدولة.
وسكان جزيرة فيلكا هم شريحة من شرائح المجتمع الكويتي بعاداته وتقاليده واصالته، ولموقع الجزيرة وعزلتها في الماضي بعض الاثر في حياتهم الاجتماعية والمعيشية خصوصا مجتمع ما قبل النفط.
سنذكر اسماء بعض اماكن الجزيرة القديمة التي لم اتطرق إلى اصل تسمياتها في كتابي السابق «جزيرة فيلكا لمحات تاريخية واجتماعية» فاحببت ان انوه عنها في هذه الصفحات.
سعد وسعيد وسعيدة
منطقتان مشهورتان في الجزيرة، تقع الاولى في اقصى الجنوب الغربي من ساحة الجزيرة، وكانت تضم قبرين احدهما يدعى قبر سعد والآخر قبر سعيد.
اما منطقة «سعيدة» فتقع في اقصى الشمال الغربي من الجزيرة بالقرب من مقام الخضر الذي ازيل، ويقال ان سبب تسميتها بهذا الاسم هو وجود قبر لامرأة تدعى «سعيدة» وهناك حكاية قديمة تقول: ان سعد وسعيد وسعيدة، كانوا اخوة يقطنون في هذا الجزء من الجزيرة، ومع مرور الايام حصل خلاف شديد بين الاخوين واختهما، وعلى اثره تركاها في هذا المكان واستقرا في الجزء الجنوبي الغربي من الجزيرة، وحلفا ان تظل طوال حياتها بعيدة عنهما، ويقال انهم ظلوا على هذه الحال إلى ان توفوا ودفنوا في اماكنهم التي تحمل اسماءهم اليوم.
رأس بويريورة
جزء من اليابسة على شكل لسان داخل البحر، يقع إلى الشمال من قرية «القرينية» وبما ان شكله العام يشبه سمك «الجرجور» القرش فقد اشتق اسمه من هذه الصفة.
وهناك قول آخر بأن المنطقة البحرية المقابلة له والتي تسمى «خور القرينية» يكثر فيها سمك «الجرجور» لذلك اطلق عليه هذا الاسم.
العوينة
منطقة ساحلية تقع بالقرب من قصر المرحوم الشيخ محمد الجابر الصباح، امتازت بهوائها المنعش ومائها العذب الذي كان يستخرج من بئر «العوينة» التي سميت بها هذه المنطقة. وقد بنى في هذه المنطقة المرحوم الشيخ محمد الجابر الصباح قصرا عام 1951 مازال قائما إلى اليوم.
كما ورد اسمها في بعض الاغاني القديمة التي كان يغنيها موسيقار الجزيرة ابراهيم بن يعقوب الذي عاصر الشاعر والفنان عبدالله الفرج.
مرتفعات شبيجة
شبيجة... تلال مرتفعة تقع إلى الشرق من منطقة سعد وسعيد ويعتقد ان تحت هذه التلال آثارا قديمة مطمورة، خاصة وانها تجاور منطقة سعد وسعيد التي عثر فيها على اهم اثار الجزيرة والتي تعود إلى عصور ما قبل الميلاد، ولكن البعثة الدنماركية لم تنقب عن الاثار فيها.
اما عن سبب تسميتها بهذا الاسم، فهناك حكاية قديمة تقول: انه حدث في احدى السنين اعصار شديد دمر بعض منازل وممتلكات الاهالي وحملها معه إلى بر الجزيرة وسواحلها، وفقدت في هذا الاعصار طفلة من اطفال الجزيرة اسمها «شبيجة» وبحثوا عنها في المنازل والطرقات فلم يعثروا عليها، وتابعوا البحث في اماكن بعيدة على طول سواحل الجزيرة فوجدوها بعد يومين ميتة بين رمال هذه المنطقة وبما ان اسم الطفلة «شبيجة» فقد اطلق اسمها على هذه المنطقة.
بن إبراهيم
منطقة ساحلية تقع إلى الجنوب من قصر الشيخ محمد الجابر الصباح الذي بني عام 1951.
وسبب تسمية هذا المكان بهذا الاسم: هو ان الشيخ يوسف آل ابراهيم... احد رجالات الكويت في اواخر القرن التاسع عشر كان يقضي اشهر الصيف في هذا المكان.
والشيخ يوسف هذا كانت له قصص ومغامرات مع خصمه الشيخ مبارك الصباح... توفي في 18 يناير 1907.
الخزنة
تل اثري يقع على الشريط الساحلي إلى الشمال من منطقة سعد وسعيد، وكانت هناك اسطورة قديمة يرددها اهالي الجزيرة القدماء وهي: ان هذا التل يحوي تحته خزنة من الذهب والنقود، ولكن لا احد يستطيع حفره وذلك لوجود ثعبان مخيف يحرسه، ومن الجدير بالذكر ان البعثة الفرنسية التي نقبت عن الاثار في الجزيرة عام 1983 عثرت على قطع من النقود الاثرية تحت هذا التل.
البراحة
البراحة... هي قطعة فسيحة من الأرض، مربعة الشكل تقريباً، تحيط بها البيوت من جهاتها الأربع، ولها منافذ عبارة عن ازقة ضيقة تؤدي إلى هذه البيوت. وكان لكل حي في الجزيرة براحة خاصة له واشهر هذه «البراحات» أو البرايح - البراحة التي تقع في منتصف الجزيرة بالقرب من السوق. وتعرف باسم «براحة بوسعيد» وذلك لملاصقة منازل عائلة بوسعيد لها.
وتمتاز هذه «البراحة» بأنها ملاصقة لسوق الجزيرة القديم، وكان يقام فيها قديماً كل عام مهرجان يوم النشر أو «الديكديكان» وهذا المهرجان يقام في اليوم الأخير من شهر رمضان احتفالاً بقدوم العيد، حيث يجتمع اولاد الجزيرة من الاحياء القريبة وهم يحملون الأعلام الملونة ويرددون الأناشيد، وكانت «البراحة» تمتلئ عن آخرها بأعداد هائلة من حملة الأعلام وغيرهم. كما تقام فيها ايضاً بعض العرضات في المناسبات المختلفة. وهي ايضاً ملتقى لأولاد الحي يجتمعون فيها في ليالي الصيف، وكانت لهم لفظة يرددونها في ما بينهم وهي «من تعشى تمشى والوعد في البراحة» أي كل من يتناول عشاءه يذهب لانتظار رفاقه في البراحة ليكتمل الشمل. لممارسة الألعاب المختلفة مثل لعبة «الهول» و«المكصي» و«الجيس» و«نادونه» و«الماطوع».
وعند سقوط الأمطار الغزيرة كانت البراحة تمتلئ بالمياه، وعندها يمارس الأولاد ألعاب الشتاء خصوصا لعبتي «الكشاطي» و«الشكوك» كما كانوا يتجمعون عندها في الليالي المقمرة فإذا ما انتهت سهرتهم ذهب كل واحد إلى منزله،والذي يضطر للذهاب منفرداً يردد بأعلى صوته عبارة «حسن البرشوم يغني هيض النوم عني» وذلك لكي يؤنس نفسه وليصل صوته إلى زملائه في الأزقة الأخرى.
الدجّة
الدجة... مكان معروف وسط سوق الجزيرة القديم، وهي عبارة عن مقاعد مستطيلة من الطين والخشب، كانت تفرش بالسجاد حيث يجلس عليها كبار السن من الأهالي، والسبب في اطلاق اسم «الدجة» على هذا المكان كونه المقر الرئيسي لأمير فيلكا الأسبق الشيخ «سعود بن عبدالله الصباح» الذي حكم الجزيرة في بداية هذا القرن وهذا المكان ملاصق لبيته. وبعد وفاته انتقل مجلس الأمير الذي تلاه إلى مكان آخر، ولكن الناس ظلوا على عهدهم بهذا المكان يتجمعون في الصباح والمساء ليتبادلوا الأحاديث في ما بينهم. وهذا المكان يعج بالحركة طوال اليوم لوقوعه كما ذكرت وسط السوق، فبالقرب منه كانت تقع القهوة الوحيدة في الجزيرة والتي كان يديرها المرحوم «محمود عمر» وهو شخص اشتهر بالمرح وسرعة البديهة ولطف المعشر. كما كانت تقع بالقرب منها بعض الدكاكين والمحلات التي تباع فيها الخضرة والفواكه المجلوبة من الكويت أو من مزارع الجزيرة وبالقرب منها ايضاً سوق السمك القديم وكان يباع فيه إلى جانب السمك بعض الأغراض المنزلية القديمة بطريقة المزاد العلني. كما كان باعة الثلج والمرطبات يتخذون لهم مكاناً فيه وخاصة في شهر رمضان المبارك.
«والدجة» في أيام الأعياد تعج بالحركة خصوصاً وان المحلات تكون قد استعدت لاستقبال العيد بمختلف الألعاب والحلويات وغيرها. فالعربات التي تجرها الدواب تقف هي الأخرى بالقرب من هذا المكان لنقل حوائج الناس. كما ان الشيوخ والأمراء من آل الصباح الكرام يمرون ويتوقفون فيه للسؤال عن أحوال أهل الجزيرة عند زيارتهم لها، وكثيراً ما كانوا يزورون الجزيرة طوال أيام السنة وخاصة في الأعياد والمناسبات ولهم مجالس وصالونات مازال بعضها قائماً إلى اليوم والحقيقة ان «الدجة» كانت ملتقى رجالات الجزيرة وضيوفها في الصباح والمساء.
الكبارة
تنتشر في انحاء متفرقة من اراضي الجزيرة وسواحلها بعض الأكواخ المبنية من الطين أو جريد النخيل، ويطلق الأهالي قديماً على هذه الأكواخ اسم «كبارة» جمع «كبر».
وكانت هذه الأكواخ أو الكبارة - تستعمل من قبل صيادي الأسماك وخاصة اولئك الذين يمدون «الحضور» وهي من وسائل صيد السمك.