... ويسألنا أوباما عن الشجاعة
1 يناير 1970
01:39 م
قبل ايام نشرت الصحافة الاجنبية ان الرئيس الاميركي باراك اوباما قال لوفد من القيادات اليهودية انه مصر على ضرورة وقف اسرائيل لاعمالها الاستيطانية كمدخل الى تحريك حل الدولتين، وانه يعتقد ان القادة العرب لا يملكون شجاعة الإقدام على خطوات اكبر في اتجاه السلام مع اسرائيل والانفتاح عليها.
العرب ليسوا شجعانا في منطق اوباما لانهم لا يطبعون مع اسرائيل بما فيه الكفاية ولا يسمحون لطائراتها بعبور اجوائهم ولا يفتحون اسواقهم لمنتجاتها ودولهم لمواطنيها. انه انطباع مبني على تحركه الاول في المنطقة ولقائه بعض قياداتها والقائه خطابه التاريخي في قاهرة المعز، لكنه ليس انطباعا حقيقيا مرتكزا على رؤية شاملة لتاريخ الصراع وآفاقه، بل هو انطباع ينم عن جهل كبير بعقلية صناع القرار في اسرائيل الذين يتقنون فن تسويق قضاياهم في واشنطن فيما هم ابعد ما يكونون حتى عن الشعارات التي يطلقونها.
لسنا في وارد الدفاع عن القادة العرب فهذه ليست وظيفتنا بل وظيفة اجهزة الاعلام الرسمية، لكننا بالتأكيد في وارد رد التهمة عن العرب الذين قاتلوا باللحم الحي وبالحجارة عدوا مدججا بكل الاسلحة والامدادات الاميركية... هم اكثر من شجعان لانهم واجهوا الحرب والظلم في الوقت نفسه.
والمفارقة المؤلمة ان الباحث عن شجاعة عربية للسلام ينسى او يتناسى ان استعادة الحقوق هي المدخل اليه، وان الطرف المغتصب للحقوق يريد فقط اعترافا عربيا شرعيا بما قام به من احتلال وقمع وابادة ووحشية كي يتحول هذا الاعتراف في المنظومة الغربية الى شجاعة.
لا نريد شجاعة الاعتراف بشرعية المجازر الاسرائيلية حتى ولو اعطيت هذه المجازر كل الاسماء المتداولة غربيا مثل «الدفاع عن النفس» و«امن المجتمع الاسرائيلي» و«حماية الحدود». نريد من قائل هذا الكلام الرئيس باراك اوباما ان يعود الى كتابه الذي خطه بيده «احلام من أبي - قصة عرق وإرث» ليتذكر كيف قاتل وما زال يقاتل بكل شجاعة ومسؤولية وحماسة من اجل هدم كل جدران القمع والتمييز العنصري، وكيف كانت قضية الحقوق المستعادة هي الاطار الذي مهد لحراك اجتماعي وسياسي وشعبي اميركي اوصل الى التطور والتغيير. هو نفسه يرى جدران التمييز العنصري ترتفع في اسرائيل وممارسات القمع تنتشر وقادة تل ابيب يشترطون الاعتراف بيهودية الدولة قبل اي حل.
يكتب اوباما في كتابه: «اعلم ورأيت بنفسي اليأس والاضطراب اللذين يشعر بهما العاجز... كيف يكون الطريق ضيقا بالنسبة اليهم بين الذل والغضب العارم وكيف ينزلقون بسهولة الى احضان العنف واليأس»... هؤلاء هم اهلنا في الاراضي المحتلة الذين يطالب الرئيس قادتهم بالشجاعة، وهم ايها السيد الرئيس يزيدون على ما كتبت في كتابك عن علاقة الذل واليأس والعجز بالعنف بأنهم، وفي ظل «الديموقراطية الاسرائيلية»، مخيرون بين ان يكونوا قتلى او شهداء فامتلكوا شجاعة الاستشهاد.
وتقول ايضا: «اعلم ان التعصب واعتناق الاصولية والقبلية يحكم علينا جميعا بالهلاك»... وليتك ترسل هذه العبارة الى حليفك نتانياهو الذي رد على مبادراتكم بأعنف خطاب اصولي ربط فيه بين الحل ويهودية دولة رأيتموها دائما «علمانية ديموقراطية».
تريد منا الشجاعة ونريد منك العدل والاعتدال، ألم تفخر في كتابك بأن عائلة جدتك فضلت «شكلا قويما من تعاليم الكنيسة الميثودية التي تقدر العقل على العاطفة والاعتدال على كليهما»... حبذا لو قدرت الادارات الاميركية السابقة العقل على العاطفة في ما خص الصراع العربي - الاسرائيلي، وغلبت نهج الاعتدال، لكانت مهمتك اسهل ومهمتنا كذلك.
ما اوردته سابقا كان في الجزء الاول من كتابك ايها السيد الرئيس، أما في خاتمة الكتاب فاستعنت بوثيقة إعلان الاستقلال: «نؤمن بأن هذه الحقائق بدهية، وان جميع البشر خلقوا متساوين، وانهم قد وهبوا من قبل الخالق حقوقا موقوفة عليهم غير قابلة للاحالة، من بينها حق الحياة وحق الحرية والسعي لتحقيق السعادة»، وذكرت بأنك عندما تقرأ هذه العبارات فكأنك تسمع اصوات دوغلاس وروزفلت وجيفرسون ولينكولن وتشعر بكفاح مارتن لوثر ومالكوم اكس... ليتك سمعت صوت محمد الدرة الطفل الفلسطيني الذي قتله الاسرائيليون وهو في حضن والده، لتعلم حجم شجاعتنا وحجم نذالتهم.
«احلام من أبي - قصة عرق وإرث» قصة كفاح شجاعة قادت الى عدل اكبر وتغيير افضل. نحن لم نملك في العقود الخمسة الماضية الا الشجاعة لأن عرقنا هو إرثنا، اما العدالة الدولية عموما والاميركية خصوصا فهي احلام نتوارثها من أب الى ابن... بل اوهام وكوابيس.
جاسم بودي