كيف تنام مطمئناً وجارك... جائع؟

1 يناير 1970 01:39 م
أعرف أن ما سأكتبه قد يكون مثار استهجان البعض، لكنني اتمنى التفكير بالعقل اكثر من العاطفة... فالكويت امانة وابناؤها امانة ومستقبلها امانة.
واتمنى ألا يشهر المعروفون برؤوسهم الحامية سيف التصنيف فورا فينقلون الكلام من اطاره الحقيقي الى خانة المزايدات والتكسب، فالجميع متساوون في حب الكويت، وآخر ما نحتاج اليه هو تأسيس مختبرات فحص للوطنية والانتماء.
الموضوع عراقي في الشكل كويتي في الجوهر. خلافات على التعويضات والديون والحدود على السطح وضمان مستقبل الكويت والكويتيين في العمق. العراق هو جارنا شئنا ام ابينا فما رسمته الجغرافيا لا يغيره التاريخ. والعراق تاريخ من المصالح المشتركة والصلات الاقتصادية والاجتماعية لم توقفها محطات الغدر والغطرسة التي مارسها النظام السابق ضد الكويت وضد بلده وشعبه قبل الكويت. والعراق حضارة وتراث وفنون وآداب وثروات وخيرات وشعب خلاق تعرض الى ما تعرض له نتيجة عقود من المغامرة بمصيره والمقامرة بمستقبله وهو يعبر اليوم مرحلة انتقالية في غاية الدقة والحساسية باتجاه دولة تعددية ديموقراطية رغم كل التحديات والمخاطر الامنية والاضطرابات السياسية.
بعد اطاحة النظام العراقي السابق بقيت جملة امور عالقة بين الكويت وبغداد، بينها ما له علاقة بالقرارات الدولية مثل التعويضات والاسرى واعادة الممتلكات وترسيم الحدود، وبينها ما له علاقة بالقضايا الثنائية مثل الديون والاتفاقات الامنية وبعض الاشكالات الحدودية، اضافة طبعا الى التعاون النفطي راهنا ومستقبلا والتبادل التجاري والاستثماري.
هذه القضايا وغيرها يجب ان نقاربها بالعقل والمنطق والمصلحة لا بالتشنج ودغدغة المشاعر واللعب على الاوتار الشعبية في العراق كما في الكويت. نحن في مرحلة انتقالية نريدها معبرا لعلاقات راسخة لا تكرارا لنسخة من الماضي الأليم ولذلك لا بد من التنازلات المتبادلة لخدمة اهداف مستقبلية.
القرارات الدولية التي تحكم بعض المواضيع العالقة قنواتها معروفة وواجبة التنفيذ ولا علاقة للكويت بها بل لا مصلحة للعراق في التنصل منها لأنها جسر اعادة الاندماج في منظومتين اقليمية وعالمية جهد النظام السابق على اخراجه منها. فالعراق، ولله الحمد، يتعافى الآن، وعجلة النفط تدور بسرعات متزايدة، والنمو الاقتصادي يشهد طفرات رغم كل الظروف الصعبة، والمظلة الدولية المانحة (وبينها الكويت) تغطي اجزاء من الاحتياجات وتؤمن مناخا ضامنا للاستثمار والعمل والانتاج. يبقى ان الهدر الذي يحصل والناجم عن سوء الادارة او الفساد، يحرم الخزينة العراقية وباعتراف مسؤولين عراقيين كبار من مبالغ كبيرة يمكن ان تساهم في دعم الايفاء السريع للعراق بمتطلباته الدولية.
هذا الموضوع، إذاً، خارج قدرة الكويت والعراق على السواء مهما خلصت النيات وتعددت التصريحات الهادئة او المتشنجة.
اما المواضيع الاخرى فهي في صلب الارادة الكويتية وعلينا ان نأخذ المبادرة بهجوم «الاخوة والصداقة والتعاون» الايجابي تجاه العراقيين كشعب ومؤسسات من خلال فتح اوسع الابواب للعبور الى مستقبل مستقر.
الكويت اجرت اعادة ترتيب دينها للاتحاد السوفياتي السابق مع روسيا مثلا. اشترت بجزء منه معدات واستثمرت في جزء آخر في بعض المشاريع.
والعراق اقرب من روسيا واهم للكويت.
الكويت اسست مصانع ومزارع في فيتنام وميانمار على بعد آلاف الاميال شرقا وفي دول غير مشهود لها لا بالديموقراطية و لا بالحريات ولا بصلابة مؤسساتها، ومع ذلك فهي مشاريع عناوينها الامن الغذائي تصرف عليها مليارات الدولارات وتشغل آلاف العمال المحليين وتساهم في انعاش اقتصاديات متعبة.
والعراق اقرب من فيتنام وميانمار وأهم للكويت.
الكويت سامحت دولا افريقية ببعض التزاماتها وتعرضت استثماراتها في دول اخرى الى مخاطر وهلاك.
والعراق اقرب من دول افريقية وأهم للكويت.
مصلحة الكويتي ان تكون اوضاع المواطن العراقي المالية والاجتماعية في افضل حال، وان تكون اوضاع العراق آمنة ومستقرة ومزدهرة، فالازدهار يجعل العراقيين بكل اطيافهم اصحاب المصلحة الاولى والاخيرة في التعاون مع الكويت ومع جيرانهم الآخرين، والتنمية في العراق هدف سام يسحب ذرائع التوتر داخليا ومع الآخرين، والتقدم الاقتصادي والاجتماعي في العراق عنصر أمان واطمئنان للداخل العراقي ولدول الجوار.
العراق بثرواته البشرية والطبيعية وخيراته قادر على ان يكون من الدول المانحة مستقبلا اذا احسنت ادارته وتطورت مؤسساته. هي مسألة اعوام نأمل ونصلي ان تنطلق على سكة الاستقرار الامني ومن دون توترات، وعندها ستصبح كل الاشكالات المالية تفصيلا بسيطا امام امكانات التعاون المشترك الهائلة.
المرونة في بعض المسائل المالية والاقتصادية خارج القرارات الدولية محمودة اذا احيطت بضمانات لعلاقات افضل واوضح. تدوير بعض الديون في اتجاهات استثمارية في العراق امر ممكن وفعلته الكويت مع دول اخرى فتح كل ابواب التعاون على مصاريعها وفي مختلف المجالات مع العراق هو استثمار للكويت في الامن والاستقرار.
لن ينام الكويتي مطمئنا وجاره جائع.

جاسم بودي