| علي الرز |
من الطبيعي ان تستعجل قوى المعارضة الخاسرة الدعوة الى محاصرة نتائج الانتخابات اللبنانية، خصوصا بعدما اسقط الناخبون الكثير من الاقنعة التي شكلت ستائر وهمية لمواقف وسياسات اتسمت بالعنف والحدة. ومن الطبيعي ان تبادر هذه القوى الى لملمة جراحها سريعا للاتفاق على نصب خيام اعتصام جديدة في فضاء السياسة وشل لبنان استنادا الى تجربتها السابقة في نصب خيام اعتصام على الارض لأشهر عدة تخصبت فيها الفتن وتمهدت عبرها الطريق الى «اليوم المجيد»... يوم غزو العاصمة.
«اليوم المجيد» الحقيقي كان 7 حزيران 2009. هنا لم يعد في الامكان القول ان الغالبية «وهمية» وان التحالف الرباعي الذي ضم «امل» و«حزب الله» هو من زاد عدد نوابها وأوصل النائب المسيحي بصوت المسلم. على العكس تماما، فقد اوصل الصوت الشيعي وتحديدا صوت «حزب الله» في جزين وبعبدا وجبيل نواب التيار الوطني الحر، فيما ضمت لوائح الاكثرية رموزا معارضة او مستقلة.
«يوم مجيد» اعاد اللبنانيون فيه الاعتبار لحرية الكلمة والقرار الحر. سقطت فرضيات كثيرة حوصرت الغالبية بها في الانتخابات السابقة: فزتم لان دم الشهيد الحريري ما زال على الارض. فزتم لان القوى الكبرى وعلى رأسها فرنسا جاك شيراك وضعت ثقلها كله لمصلحتكم. فزتم لان التحالف مع «امل» و«حزب الله» انقذكم من هزيمة. فزتم لان الخطاب السياسي المتطرف ضد سورية وما تلاه من انسحاب للجيش السوري من لبنان اوجدا حالة رد فعل ترجمت في صناديق الاقتراع. فزتم لان قانون غازي كنعان الانتخابي فصل على قياسكم.
... فرضيات كثيرة شوهت المشهد السياسي برمته وبنيت عليها كل الخطوات اللاحقة التي ادت الى اتفاق الدوحة ومنها مقاطعة الفريق الشيعي للحكومة ثم الانسحاب منها ثم الاعتصام في وسط بيروت بمشاركة العونيين والمردة والحزب السوري القومي الاجتماعي وحزب البعث السوري ثم اغلاق المجلس النيابي ثم احتلال بيروت... فحكومة الوفاق الوطني التي لم تفعل سوى انتاج المزيد من التعطيل والشلل.
قبل الانتخابات، ارتفعت الاصوات بكلام بالغ الدلالة. ودائما تبدأ الاشارة من دمشق حيث ينقل الزوار اللبنانيون عن القيادة السياسية ان المعارضة يجب ان تفوز لتصحيح المسار في لبنان. ثم اعلن الرئيس الايراني ان فوز المعارضة سيغير وجه المنطقة، ثم صدرت تصريحات وصلت حد فتح ملفات المسؤولين اللبنانيين الذين تسلموا الحكم في السنوات الماضية لمحاسبتهم وارسالهم الى «بيت خالتهم» اي الى السجن، ثم انكشفت حقيقة شعار «الجمهورية الثالثة» من خلال الدعوات، «المدروسة» والمعروفة المصدر، الى تقصير ولاية الرئيس ميشال سليمان في حال فازت المعارضة. كلام بالغ الدلالة فعلا عما كان يمكن ان تؤول اليه الاوضاع ترافق مع اجواء تهويل غير مسبوقة من مثل ان على الغالبية ألا تنسى احتلال بيروت، رد عليه اللبنانيون بانهم فعلا لن ينسوا... و«السما زرقا».
الطبيعي اليوم في مفهوم المعارضة هو الضغط للعودة الى «الثلث المعطل» في الحكومة على اساس انها لا تثق بمن اختارتهم غالبية اللبنانيين، فالضرورات اهم من الخيارات والاستحقاقات المقبلة كثيرة والالتزامات الاقليمية اكثر. لكن الطبيعي ايضا ان تنظر قوى المعارضة، او قوى في المعارضة، بعينين واضحتين الى 7 حزيران لملاقاة النتائج في منتصف الطريق، فبعض ضروراتها قد يعود خيارا للآخرين... اذا انسجمت خياراتها مع ضرورات الآخرين.
«ما حدا اكبر من البلد»... رحمك الله يا رفيق الحريري.
alirooz@hotmail.com