علي غلوم محمد / اختيار الشعب وعودة الرئيسين
1 يناير 1970
09:48 ص
الحشود الشعبية التي خرجت من عقر دارها لانتخاب أعضاء مجلس الأمة وفق ما أراده صاحب السمو أمير البلاد حفظه الله، وطلبه بأن يعينه الشعب على الاختيار الأفضل لهذه المرحلة، وقول الشعب لبيك، بلا ريب كانت دلالة بالغة تنبئ عن طبيعة التركيب الوجداني، والسياسي لمجموع الشعب، كما أن لها دلالة أخرى غير خفية تدل على طبيعة تكوين السلطة في البلاد، بل وتشير إلى نشأة السلطة قبل نحو ثلاثة قرون، إذ من المعلوم بالبداهة أن السلطة في الكويت، أي الأسرة الحاكمة، لم تجيء إلى سدة الحكم بالعنف والقسر والإكراه... بل اجتمع الكويتيون يومذاك وسلموا زمام إدارة البلاد والمجتمع إلى صباح الأول، مؤسس الأسرة، للانطلاق في بناء الدولة، لما وجدوا فيه من الحنكة والدراية ورصانة العقل، فالكويت بادئ ذي بدء نشأت على أساس مبدأ العقد الاجتماعي، وهو جوهر ولب المشروعية التي تستند إلى الشعب.
ومع اتساع المجتمع وتزايد عدد سكانه، وبعد عدد من التجارب السياسية والاجتماعية، والتي كان مغزاها ينبئ عن نضج سياسي، وتنامي القوى الاجتماعية المدنية، ووعيها لحقوقها وواجباتها بسبب انفتاحها على الأمم والحضارات بفعل التجارة والحركة البحرية الناشطة لأهل البلاد، ومع دخول حقبة الأربعينيات والخمسينيات، جاءت الوفود الطلابية من المراكز الحضارية، وهي تحمل مناهج وأنساقاً فكرية هي نتاج التفاعل والاحتكاك بين هذه المجتمعات، التي تكتظ بالأفكار والمناهج والأيديولوجيات، وبعد أن وفدت إلى المجتمع أفكار نجمت عنها خصوبة ومرونة وثراء في الفكر السياسي، ومع تجارب عدة نعرض عنها لضيق المقام، ولأسباب سياسية سيادية جاءت في سياق توازي النمو السياسي والمجتمعي في البلاد ليتمخض عنه مفاهيم راقية ترسخ مفهوم المواطنة، والحقوق السياسية والمدنية وتوزع السلطات وتقننها، فضلاً عن إضفاء صفة المشروعية الدستورية على العقد الآنف الذكر... لهذا كله دخل المجتمع في أطوار الوفاق الاجتماعي، على الأقل على الصعيد النظري. ومع التفاعل والمراس الاجتماعي العام، ولأسباب أخرى، تكرست مبادئ المشروعية الدستورية والديموقراطية حتى أمست واقعاً قائماً لا يتجرأ أحد على مصادرته وإلغائه... ومهما يكن فإن الدلالات السياسية والسيكولوجية تؤكد بما لا يدع مجالاً للشك على مشروعية السلطة، ومشروعية مؤسسات المجتمع المدني والقوى السياسية، وما ينبثق عنها من ممارسات مهما بلغت من الحدة والخصومة تظل في إطار المشروعية الدستورية، وهذه هي الغاية في الوفاق الاجتماعي، والتسالم السياسي الذي هو أحد وجهي الاستراتيجية الأمنية العليا للدولة، وهذا ولا ريب أكبر المقومات في تنمية المجتمع، ودفعه إلى التقدم والتوهج والازدهار.
ومهما يكن الأمر، فالألفة والمحبة والطاعة متأصلة لدى هذا الشعب مع الأسرة الحاكمة، ومن أجل المصلحة العامة لبى الشعب طلب صاحب السمو الأمير (حفظه الله) في حسن الاختيار لهذه المرحلة، واكتملت الفرحة بعودة سمو رئيس مجلس الوزراء الشيخ ناصر المحمد، الذي نقول له يا سمو الرئيس شمّر عن ساعديك وانهض بالبلاد لنلحق بالركب عبر المشاريع والخطط التي تهم البلاد والمجتمع، وبمساعدة المجلس ورئيسه المحنك والإطفائي وصاحب القلب الكبير ودماثة الخُلق السيد جاسم الخرافي الذي يوازن دائماً الأمور بالحكمة، والتعقل، وبالرؤية الواسعة. ولهذا جاء اختيار الرئيسين موفقاً لهذه المرحلة المهمة، خصوصاً ونحن نرصد هذه الأيام المزيد من التكاتف والالتفاف حول وحدتنا الوطنية، ونبذ الطائفية والخلافات كما يريد سموه (حفظه الله) والشعب الكويتي.
علي غلوم محمد
كاتب كويتي
Ali_gh93@hotmail.com