علي الرز / أرجوك أرجوك لا تكتب عن ميشال كيلو

1 يناير 1970 11:02 م
| علي الرز |
لم تكن مفاجأة ان يعلن تلفزيون «المشرق» الخاص الذي يملكه رجال اعمال سوريون خروج المفكر السوري ميشال كيلو من السجن بعدما امضى محكوميته، فهذا التلفزيون الذي يحاول اصحابه عبثا تجميل النظام السوري واظهار انه قادر على التعاطي مع المستجدات الاعلامية بهوامش حرة نوعا ما، هو في النهاية جزء من هذا النظام الذي اوصل المثقفين والادباء والصحافيين ورجال الرأي الى الخوف من استنكار اعتقال مفكرين واعلاميين وناشطين حقوقيين بحجة مزدوجة: «اما ان تلحق بهم واما ان تتسبب في ان يتعنت المسؤولون اكثر فيزيدون العقوبة».
«ارجوك ارجوك لا تكتب عن ميشال فالحمد لله انه خرج الى عائلته»... عبارة سمعتها من عدد كبير من الاصدقاء السوريين الاعلاميين تعليقا على انتهاء محكومية المفكر السوري الذي ارتكب «جرائم» عظمى اهمها «اثارة النعرات الطائفية واضعاف الشعور القومي».
اصدقاء محبون فعلا لميشال كيلو ولا يريدون في غياب اي مظلة لحماية حرية القول والتعبير في سورية ان يشعر اي مفكر معرض للتوقيف بان هناك رأيا عاما عربيا ودوليا قادرا على تشكيل مثل هذه المظلة او ان هناك ضغوطا من العالم الذي يسمونه «حرا» قادرة على «تلطيف» قرارات النظام. يريدون «السلامة» لرفاقهم واساتذتهم في الدراسة والفكر والاعلام... اما الطريق لذلك فمعروف.
يقول هؤلاء: «صدق او لا تصدق، كان قرار الافراج عن كيلو بعفو خاص سيصدر قبل اكثر من سنة، لكن احد السياسيين في لبنان تفلسف وذكره في احدى المناسبات. ترافق ذلك مع تمنيات مسؤول دولي صديق للقيادة السورية بان تفرج عنه الامر الذي ادى الى اتخاذ قرار بابقائه حتى انتهاء محكوميته. تخيل، صديق دولي يتمنى فتتمسك القيادة بقرارها لانها شديدة الحساسية من اي تدخل خارجي فما بالك بمن تعتبرهم سورية اعداء لها سواء في لبنان او الخارج».
لا تكتب عن ميشال كيلو! وكأن من كتب متعاطفا بالطبيعة مع حرية الفكر مارس فعل التحريض على النظام. منطق غريب عجيب يجعل المرء بعثيا بالامر الواقع. بالخوف. منطق يجرك الى ما لم يكن يحلم به دعاة الانغلاق وحق القوة والبطش، اي ان تأكل وتشرب و«تتسبب» وتترك للحزب القائد الذي هو صوتك وصورتك قيادة تفاصيل المرحلة وكل مرحلة بدءا من قرارات الحرب والسلم وانتهاء «بالطريقة الوطنية المنهجية غير المسيسة للنقد والتعبير»، وهي الطريقة التي يقدرها اكثر منك الوزير او مسؤول المنطقة او مدير المديرية او ضباط الارقام في الفروع ... «فهؤلاء ابناء وطنك ومنك وفيك والاعين الساهرة على الامن بشقيه العسكري والاجتماعي».
ميشال كيلو سجين رأي اوقف ظلما لان طريقته في التعبير لم تكن «وطنية»، ومع ذلك لا تكتب عنه. ميشال كيلو رفض ان يساوم على توقيفه باعتذار او حركة تصحيحية لتوقيعه على اعلان يدعو الى علاقات اخوية حقيقية وسيادية بين دمشق وبيروت، ومع ذلك لا تكتب عنه. ميشال كيلو سمع جملة التهم التي كيلت له في المحكمة بذهول ما بعده ذهول لانه شعر للحظة ان المقصود شخص آخر يشبه ايلي كوهين، ومع ذلك لا تكتب عنه. ميشال كيلو دخل السجن مرفوع الرأس وفيا لمواقفه ولم ينتظر او يراهن على عفو او سماح لان رصيده الانساني لا يسمح له بامتلاك ثمن المساومة، ومع ذلك لا تكتب عنه. ميشال كيلو امضى كل فترة محكوميته حتى الرمق الاخير وزادت بضعة ايام، ومع ذلك لا تكتب عنه. ميشال كيلو الذي دخل السجن بسبب مواقفه الداعمة لاقامة علاقات ديبلوماسية مع لبنان والرافضة لاي تدخل اجنبي واميركي في شؤون المنطقة والمستنكرة لاي تفاوض مع اسرائيل، غادر السجن نفسه والعلاقات الديبلوماسية مع لبنان قائمة نتيجة ضغط فرنسي مدعوم بمباركة اميركية، والمفاوضات السورية الاسرائيلية قطعت اشواطا برعاية تركية، والسلطات السورية تشترط لمنحها زخما اكبر ان تكون بمشاركة اميركية... ومع ذلك ارجوك ارجوك ارجوك لاتكتب عنه.
لا تكتب عنه. حاصر حصارك لا مفر. لا تجعله يشعر بفخر الانتماء الى رحاب الحرية والانسانية ولو دفع الثمن من حريته وانسانيته. تجاهله وشجع زملاءك على تجاهله فربما انخفض رأسه قليلا بالجحود ونكران مواقفه النبيلة بعدما فشل السجن في احناء هامته. ادفع في اتجاه العودة الى الوضع السابق حيث «يتكرم» عليك المسؤول الامني بمنصب او ترقية مقابل الولاء والصمت فيما امثال كيلو يحاربون عنك ويقاتلون عنك ويدافعون عنك ويدفعون الثمن بدلا منك.
ميشال كيلو الف حمد لله على سلامتك... نسر كبير لم يتسع لك سجن صغير ولن يتسع لك سجن كبير.

alirooz@hotmail.com