سر الرقم 11

1 يناير 1970 06:34 م

ليس خبرا عظيما ان الادارة الاميركية مصدومة من اتلاف جهاز الاستخبارات بعض ملفات التحقيق مع الموقوفين في غوانتانامو من عناصر «القاعدة». وليس خبرا قويا يستحق ان تحبس الانفاس في العالم ترقبا لنتائج التحقيق لان الاتلاف لم يقتصر على شريط اعتراف لموقوف هنا او هناك بل امتد الى اتلاف ذاكرة وتاريخ ودول وامم وقضايا.
وبين «الصدمة» الاميركية من اتلاف شريط اعتراف و«صدمة» التفجير الارهابي الاخير في الجزائر، يقف العالم مصدوما امام الرقم 11 الذي اختاره منفذو العمليات توقيتا لهم، فربما ارادوا القول ان 11 تعني «واحد وواحد»، وان حركة العالم يجب ان تكون اسيرة صراع الواحد والواحد: اميركا وحلفاؤها و«القاعدة» واخواتها.
الادارة الاميركية مصدومة من اتلاف ملفات تحقيق فيما ادارة الارهاب تستغل صدمتها فتضرب في عمق الجزائر بلد المليون شهيد لتضيف في 11 ديسمبر بصمة جديدة كانت وضعتها في 11 سبتمبر في اميركا و11 مارس في تفجير قطارات مدريد و11 ابريل في تفجيرات تونس، اضافة الى عمليات كثيرة حصلت في تاريخ 11 في دول آسيوية أخرى مثل الهند وباكستان... ومع ذلك لم يعرف احد حتى الآن سر الرقم المكون من عصاتين فقط اذا اصطدمتا تولدت شرارة فانفجار فعشرات ومئات وآلاف الضحايا.
«واحد وواحد» في عالم شاسع يريدان الاستحواذ بمقدراته الامنية، الاول قسمنا الى معسكر الخير والشر والثاني قسمنا الى معسكر الايمان والكفر. الاول ابتدع محور الشر والثاني فسطاط الكفر. الاول الغى السياسة والحوار والقرارات الدولية وقال ان بعض قراراته مصدرها الوحي الالهي (وآخرها الدعوة الى قيام دولة فلسطينية) والثاني يقول لكل من يسأله عن العمليات الكبيرة: «أمرت ان أقاتل» (بضم الالف). الاول من ليس معه فهو ضده والثاني كذلك. الاول يعتبر ان الضرورات تبيح المحظورات فيغير القوانين كما يريد ويحقق مع المعتقلين كما يريد والثاني لا يعدم الاستشهاد بـ «فتاوى» تبرر قتل المدنيين او الخلاف بين المسلمين. الاول يريد ان يدخل التاريخ بعدما سيطر على الحاضر والثاني يريد ادخال الحاضر في سيطرة التاريخ. الاول يستخدم الحداثة والتقدم والاسلحة المتطورة في تطويع البشر والثاني يستخدم المغاور والكهوف والبشر اسلحة في تطويع الحداثة والتقدم. الاول يريد ان يسير العالم كما يريد والثاني يريد ان ينخرط الجميع في مشروعه. الاول تلقى ضربة في عقر داره فرد في ديار المسلمين والعرب والثاني تلقى ضربة في عقر داره فرد ايضا في ديار المسلمين والعرب.
«واحد وواحد»... قد يكون سر الرقم 11 بعيدا من عشرات التفسيرات التي تتخذ من سطور الدين مرجعا او تحاول اعطاء التاريخ بعدا مقدسا. فلا دين ولا قداسة مع سحق الابرياء والآمنين في الشوارع، وكذلك لا تقدم ولا ديموقراطية مع ابادة الآلاف بأسلحة «ذكية».
تستنفر الادارة الاميركية كل طاقتها لكشف ملابسات تحقيق في شريط اتلف لكنها لم تحقق يوما في ملابسات سرقة ارض واحتلال وطن وقمع شعب. قررت ان تتلف ذاكرتها بيدها عندما يتعلق الامر بأمن العرب والمسلمين، والأخطر من ذلك كله انها قررت ان تتلف ذاكرتنا نحن في ما يتعلق بتاريخ انشاء «القاعدة» محاولة، بردود فعلها وجيوشها وشعارات الديموقراطية البراقة، ان تضع حاجزا امام عودة شريط التاريخ الى الجهاد في افغانستان ومنظومة صواريخ «ستينغر».
«واحد وواحد» يعرفان بعضهما جيدا، ويتذكران تاريخهما جيدا فهو محفوظ في سجلات تعود الى 30 عاما مضت ولن يمحوها او يضعف من قيمتها خسارة شريط من التحقيقات في غوانتانامو.
«واحد وواحد» يعرفان بعضهما جيدا. وكلما ارادا تذكيرنا بعلاقتهما تقارب الرقمان لنشهد 11... امس في الجزائر وغدا ربما في مكان آخر.


جاسم بودي