مؤلف كتاب «اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية» دعا واشنطن إلى مزيد من التشدد مع الحكومة اليمينية

ما هي الخطة التي تجبر تل أبيب على قبول حل الدولتين؟

1 يناير 1970 05:54 م
| عمرو عبد العاطي * |
يختزل قطبا الحكومة الاسرائيلية اليمينية الجديد، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير خارجيته أفيغدور ليبرمان، مستقبل عملية السلام للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي في «السلام الاقتصادي» بعد وصولها الى طريق مسدود، من وجه نظرهما، وهو ما يتعارض مع رؤية الادارة الأميركية الجديدة في شأن حل الدولتين للصراع الفلسطيني - الاسرائيلي. ناهيك عن اختلاف رؤية باراك أوباما مع حكومة نتنياهو حول الانفتاح الأميركي على ايران، وقوى المقاومة «حزب الله» وحركة «حماس»، وهو ما يثير الهواجس الأمنية الاسرائيلية. كانت تلك الاختلافات جلية في زيارة المبعوث الأميركي الى منطقة الشرق الأوسط جورج ميتشل خلال لقائه مع أعضاء الحكومة الاسرائيلية الجديدة نهاية الأسبوع الماضي.
ففي أول زيارة له الى المنطقة بعد تشكيل الحكومة الاسرائيلية الجديدة دافع ميتشل عن الرؤية الأميركية لحل الدولتين، قائلاً: «ان سياسة الولايات المتحدة تقوم على اعطاء أولوية لحل دولتين تعيشان بسلام، دولة فلسطينية الى جانب دولة اسرائيل كدولة يهودية»، مضيفاً أن واشنطن تتوقع حلاً سياسياً شاملاً في المنطقة باعتباره أولوية أميركية. هذا الاختلاف في الرؤية الأميركية ـ الاسرائيلية قد يكون سبباً في ارجاء اللقاء الذي كان يُفترض عقده بين نتنياهو والرئيس باراك أوباما في واشنطن مطلع الشهر المقبل.
ومع الالتزام الأميركي بعلاقات خاصة مع اسرائيل والالتزام بأمن اسرائيل، دعا ستيفن والت الادارة الأميركية الجديدة الى ممارسة دور أكثر قوة وفاعلية من دور الادارات الأميركية السابقة، ووضع قيود قوية على طرفي الصراع (فلسطين واسرائيل) للتوصل الى اتفاق بشأن اتفاق حل الدولتين الذي هو في صالح الأمن الاسرائيلي من أوجه عدة في مقالة تحت عنوان «هل تستطيع الولايات المتحدة الضغط على اسرائيل؟ دليل المستخدم» على الموقع الالكتروني لـ «مجلة السياسة الخارجية».
والت أستاذ العلاقات الدولية في جامعة هارفارد كلية كيندي للدراسات الحكومية، ومؤلف كتاب «اللوبي الاسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية» مع زميله بجامعة شيكاغو جون ميرشايمر، اذ أثار كتابهما ضجة كبيرة داخل الولايات المتحدة وخارجها لتناوله تأثير دور اللوبي في السياسة الأميركية تجاه عدد من قضايا منطقة الشرق الأوسط لاسيما سياسة ادارة بوش الابن تجاه غزو العراق (مارس 2003)، وسياساتها تجاه أزمة البرنامج النووي الايراني وعزل سورية، وعلى تأييد اسرائيل وممارساتها العدوانية ضد الفلسطينيين، وبناء المستوطنات على الأراضي الفلسطينية.
غير مقبول
يرى والت أن هناك اتجاهين يقوضان حل الدولتين أولهما: الاستمرار في بناء المستوطنات الاسرائيلية على الأراضي التي من المفترض أن تقوم عليها الدولة الفلسطينية. فهناك ما يقرب من 290 ألف مستوطن يعيشون على أراضي الضفة الغربية، وهناك ما يقرب من 185 ألف مستوطن آخر في القدس الشرقية. معظمهم مدعومون بصورة مباشرة أو غير مباشرة من الحكومة الاسرائيلية. ويقول والت في مقالة أخرى تحت عنوان «ماذا نفعل اذا انهار حل الدولتين؟» انه من غير المقبول طرد ما يقرب من نصف مليون شخص اسرائيلي، نحو 7 في المئة من سكانها، من ديارهم. كما أن التصور من الناحية النظرية لاتفاق سلام يُبقي على معظم المستوطنين داخل الحدود النهائية لاسرائيل مع حصول الدولة الفلسطينية على أراضٍ أخرى كتعويض سيجعل من الناحية العملية استحالة اقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة.
ثانيهما: الاتجاه المتطرف على الجانبين. فيقول والت: «ان الوقت ينفد بشأن حل الدولتين. فالمعارضون لحل الدولتين، حزب «الليكود» وحلفاؤه في اسرائيل وحركة «حماس»، أضحوا أكثر شعبية في أوساطهم. وارتفاع شعبية أفيدور ليبرمان العنصري كفيل بتوضيح هذا الاتجاه».
رؤية والت الداعية الى الضغط الأميركي على الحكومة الاسرائيلية الجديدة، لها رواجها ومؤيدوها داخل الولايات المتحدة وخارجها. فخلال الأسابيع الماضية دعت لجنة من الحزبين «الديموقراطي» و«الجمهوري» برئاسة هنري سيجمان وبرنت سكوكروفت في تقرير لها حمل عنوان «فرصة أخيرة لاتفاق حلال الدولتين» الرئيس باراك أوباما الى الانخراط الفعال لحل الصراع العربي - الاسرائيلي، ونجاح الانخراط الأميركي في منطقة الصراع العربي - الاسرائيلي يتطلب مزيجاً من الاقناع والحوافز والضغط. كما دعت مجلة «الايكونوميست» ادارة أوباما الى تقليل المساعدات الأميركية لاسرائيل اذا استمرت حكومة نتنياهو في سياساتها لفرض حل الدولتين، مشيرة الى أن خطوات نتنياهو في ملف الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي قد تحسن أو تعقد من العلاقات الاسرائيلية الخاصة مع الولايات المتحدة. وفي هذا السياق أشارت صحيفة «هآرتس» العبرية الى أن الرئيس أوباما يُعد قيادات في الكونغرس لمواجهة حكومة نتنياهو.
الضغط على الطرفين
يشير والت الى نجاح الادارة الأميركية في الضغط على الجانب الفلسطيني، ولكنها لم تمارس ضغطاً كبيراً على الجانب الاسرائيلي في المقابل، حتى وان كانت اسرائيل منخرطة في سياسات كالتوسع في بناء المستوطنات التي ترفضها الولايات المتحدة. ولكن سياسات ومواقف قطبي الحكومة الاسرائيلية الجديدة (نتنياهو وليبرمان) تثير تساؤلاً رئيساً مفاده: اذا استمرت حكومة نتنياهو - ليبرمان في رفض حل الدولتين، فماذا يجب على الرئيس أوباما وادارته فعله؟ وما الوسائل التي تمتلكها الولايات المتحدة لاثناء اسرائيل عن فكرة «اسرائيل الكبرى»، ودفعها الى القبول بحل الدولتين؟
هل تتخلى واشنطن عن تل أبيب؟
ويرى والت أن ادارة أوباما ليست في حاجة الى استخدام تلك الأدوات التأثيرية الثمانية كلها في الضغط على اسرائيل فضلاً عن عدم تفضيله استخدامها كلها مجتمعة في التأثير على حكومة نتنياهو، ويرى أن تلك الوسائل التأثيرية ستدفع الحكومة الاسرائيلية الى التفكير في مواقفها التي تتعارض مع السياسة الأميركية تجاه الصراع الفلسطيني - الاسرائيلي.
ومن المهم أن تتواصل ادارة أوباما مع مؤيدي اسرائيلي داخل الولايات المتحدة وأن يوضح لهم أن الضغط الأميركي على اسرائيل لانهاء احتلالها ضروري لاسرائيل على المدى الطويل لاستمرار اسرائيل. ان واشنطن لن تتخلى عن التزامها بتأييد أمن اسرائيل كمصلحة أميركية، ويؤكد في الوقت ذاته على استمرار الضغط على «حركة المقاومة الاسلامية - حماس» للتعديل من مواقفها المتشددة، ودفع السلطة الفلسطينية الى زيادة فاعلية مؤسسات الحكم.
ويؤكد والت على ضرورة ادراك أن ضغط الولايات المتحدة على كلا طرفي الصراع وليس على طرف واحدٍ لا يعني ممارسة واشنطن سياسة مناهضة لتل أبيب، ولكنها تهدف الى التوصل الى حل الدولتين الذي هو في صالح اسرائيل والولايات المتحدة. وفي هذا السياق سيكون أمام اسرائيل خيار هو انهاء اسرائيل احتلالها للأراضي الفلسطينية، والعمل بنشاط من أجل حل الدولتين، وبالتالي تظل الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة، أو التوسع في نطاق الاحتلال وفقدان الدعم الأميركي تدريجيّاً، وتحملها عبء حكم ملايين الفلسطينيين بالقوة.
يطرح والت ثمانية أفكار رئيسة تشكل محور التحرك الأميركي، وهي:
أولاً: خفض المساعدات الأميركية لاسرائيل. تحصل اسرائيل على مساعدات اجمالية تُقدر بنحو ثلاثة مليارات دولار في العام ما بين اقتصادية وعسكرية، بما يمثل 500 دولار كل اسرائيلي. ومن وجهة نظر والت ستحقق هذه الوسيلة كثيراً من النجاح، ولكنه لا ينصح بأن تكون أولى وسائل الضغط الأميركي على اسرائيل. فأي محاولة لخفض المساعدات الأميركية لاسرائيل سيشعل مواجهة حامية الوطيس داخل الكونغرس الأميركي حيث تنشط جماعات اللوبي الاسرائيلي لاسيما «لجنة الشؤون العامة الأميركية - الاسرائيلية أيباك».
ثانياً: تغيير الخطاب الأميركي. حيث ينصح والت ادارة أوباما بتغيير خطابها ولغتها في وصف الممارسات الاسرائيلية. فيقول: «انه مع الالتزام الأميركي بأمن اسرائيل، على ديبلوماسي الولايات المتحدة تغيير لهجتهم في وصف، على سبيل المثال، توسع المستوطنات الاسرائيلية، والبعد عن استخدام مصطلح «غير مساعدة» التي تُعبر عن ضعف الخطاب الأميركي الرسمي. وينصح باستخدام مفاهيم ومصطلحات جديدة في وصف تلك المستوطنات من قبيل «غير شرعية»، و«منتهكة للقانون الدولي». وهذا الوصف الأميركي للمستوطنات يستند على المواثيق والأعراف الدولية حيث يمنع «ميثاق الأمم المتحدة» واتفاقية «جنيف الرابعة» التهجير القسري للسكان والاستيلاء على الأراضي بالقوة المسلحة. ووصف الولايات المتحدة توسيع المستوطنات الاسرائيلية بغير الشرعية يدفع باقي دول العالم الى حذو الوصف الأميركي للمستوطنات. وعن وصف الولايات المتحدة للاحتلال الاسرائيلي ينصح بأن يتضمن القاموس الأميركي أوصافاً جديدةً لهذا الاحتلال من قبيل «يتعارض مع الديموقراطية»، «غير حكيم»، «قسري» و«غير عادل». يرسل تغيير الخطاب الأميركي وتضمنه مفاهيم وأوصافاً جديدة رسالة الى الحكومة والمواطن الاسرائيلي أن رفض حل الدولتين يُهدد العلاقات الأميركية - الاسرائيلية الاستراتيجية.
ثالثاً: دعم قرار من الأمم المتحدة يدين الاحتلال. فمنذ عام 1972 والولايات المتحدة تستخدم حق الفيتو في الاعتراض على قرارات مجلس الأمن التي تنتقد اسرائيل، وهو رقم يفوق حق الفيتو للدول الأعضاء دائمة العضوية في المجلس مجتمعة. ولتوصيل رسالة الى الحكومة الاسرائيلية بعدم رضا الولايات المتحدة على التصرفات الاسرائيلية على حكومة باراك أوباما رعاية وتبني قرار يدين الاحتلال ويدعو الى حل الدولتين. واتخاذ الادارة الأميركية دوراً في صياغة مثل هذا القرار يوضح بصورة جلية ماذا تريد الولايات المتحدة ويجنبها انتقادات لا تريدها.
رابعاً: تقليل مستوى التعاون الاستراتيجي القائم حالياً. هناك حالياً اتفاقيات تعاون عسكري بين وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وقوات الدفاع الاسرائيلية، وبين الاستخبارات الأميركية ونظيرتها الاسرائيلية. ويمكن لأوباما استخدام هذا التعاون الاستراتيجي كآلية للتأثير على الجانب الاسرائيلي من خلال ارجاء عدد من اجتماعات المشتركة، أو خفض مستوى التمثيل الأميركي لاتفاقيات التعاون المشترك. ومثل تلك الخطوة ستكون محط اهتمام المؤسسة العسكرية الاسرائيلية.
خامساً: تقليل شراء الولايات المتحدة معدات عسكرية اسرائيلية. فبالاضافة الى تقديم الولايات المتحدة مساعدات عسكرية الى اسرائيل، التي تستخدم في شراء أسلحة أميركية، يشتري البنتاجون بملايين الدولارات أسلحة وخدمات أخرى من انتاج الدفاع الاسرائيلي. وفي هذا الصدد يستطيع أوباما أن يطلب من وزيره للدفاع روبرت جيتس أن يقلل من الشراء الأميركي لأسلحة اسرائيلية، والذي من شأنه أن يرسل رسالة جلية الى الجانب الاسرائيلي أنه لم تعد العلاقات التجارية كما كان في الماضي، وهذه الوسيلة سيكون لها كبير التأثير على الاقتصاد الاسرائيلي في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالاقتصاد العالمي والتي لم ينجُ منها الاقتصاد الاسرائيلي.
سادساً: اتخاذ موقف متشدد من المنظمات الخاصة التي تدعم المستوطنات. فقد كتب دافيد انجاتيوس في «واشنطن بوست» أن التبرعات الخاصة للمنظمات الخيرية العاملة في اسرائيل مستقطعة ضريبة داخل الولايات المتحدة تشمل تبرعات تدعم النشاط الاستيطاني الاسرائيلي. والذي يعني أن دافع الضرائب الأميركي يدعم بصورة غير مباشرة أنشطة تتعارض مع السياسة الأميركية، والتي تؤثر على مستقبل اسرائيل على المدى الطويل. فيقول والت: «كما تراقب الولايات المتحدة الاسهامات الخيرية الى ما تطلق عليهم المنظمات الارهابية، على وزارة الخزانة الأميركية اتخاذ خطوات صارمة تجاه المنظمات الخيرية بما فيها المنظمات الصهيونية المسيحية البارزة التي تدعم الأنشطة غير القانونية».
سابعاً: وضع قيود على ضمانات القيود الأميركية. فالولايات المتحدة تقدم الى اسرائيل ضمانات قروض بمليارات الدولارات في مناسبات عدة، والتي تسمح لاسرائيل بالاقتراض من البنوك التجارية بسعر فائدة منخفض. فعلى سبيل المثال حافظت ادارة بوش الأب في عام 1992 على ما يقرب من 10 مليار دولار ضمانات الى أن وافقت اسرائيل على وقف بناء المستوطنات وحضور مؤتمر «مدريد للسلام»، والتي أسهمت في الحد من قوة الاتجاه المتشدد في حكومة «الليكود» بقيادة اسحاق شامير، ومجيء اسحاق رابين والذي توصل الى «اتفاق أوسلو».
* عن «تقرير واشنطن»