رؤية / مشاركون في « الفرعيات» اختيروا وزراء وهكذا فهمت الرسالة الحكومية بالمباركة

قانون تجريم «الفرعيات» تعثّر في المهد فهل حان وقت «اللحد»؟

1 يناير 1970 04:01 ص
|كتب داهم القحطاني|
في يونيو 1999 قامت النيابة العامة وبعد تفويض من وزارة الداخلية باستدعاء عدد من المرشحين الذين وردت أسماؤهم في الصحف كمشاركين في انتخابات تمهيدية اجرتها بعض القبائل، وكان من بينهم النائب والوزير السابق راشد سيف الحجيلان والنائبان السابقان خميس طلق عقاب وسعد طامي واللذين حققت معهما نيابة الأحمدي ونقلا بدوريات الشرطة في تلك الليلة إلى مبنى المباحث الجنائية في السالمية حيث دفعا الكفالة المقررة وتم خروجهما نحو الثالثة فجرا.
إذا كانت البداية في التطبيق الاول لقانون منع الانتخابات التمهيدية قوية وحازمة ومقبولة نوعا ما في الاوساط الشعبية رغم التحفظ على خفر نواب سابقين وكان هناك شعور عام بأن الانتخابات الأولية والتي عرفت لاحقا ب «الفرعية» ستواجه بحزم وقد تنتهي تدريجيا.
ولكن وبعد عدم إدانة أي من المشاركين فيها قضائيا في القضايا المرفوعة ضد كل من أجرى هذا النوع من الانتخابات في مختلف محافظات الكويت، وبعد ان تحول هؤلاء المرشحون «المتهمون» إلى وزراء وأعضاء في مجلس الامة فالحجيلان أصبح نائبا فوزيرا للكهرباء وخميس طلق عقاب أصبح نائبا وعضوا في كتلة العمل الشعبي التي تضم رئيس مجلس الامة السابق أحمد السعدون واصبح وزيرا للأشغال قبل ان يعود نائبا من جديد، فهم المؤيدون في القبائل للانتخابات الفرعية الرساله الحكومية المباركة له ضمنا وفهم هذه الرسالة ايضا الرافضون لهذه الإنتخابات.
وهكذا إستمر الحال منذ العام 1999 إلى انتخابات 2006 «فرعيات» تجرى تحت مسمى «تشاوريات» والنيابة تقوم بإستدعاء المشاركين فيها تباعا وحين يصبح أحدهم نائبا أو وزيرا يتطلب الأمر رفع الحصانه وهو مالم يكن يتم لاسباب عديده، منها إمتناع الحكومه ليكون المشهد غريبا فالنائب العام أو القضاة يطلبون مثول نواب ووزراء في قضايا «فرعيات» عن طريق طلب يقدمه وزير العدل والحكومه لا توافق على الطلب الذي يقدمه وزيرها.
في العام 2008 ونتيجة لاسباب عديده منها كما قيل في حينه وجود مشروع لاسترداد هيبة الحكومة تم التعامل مع الانتخابات الفرعية بالمدرعات والقوات الخاصة وطائرات الهليكوبتر، فكانت سلسلة من الأحداث الامنية المؤلمة التي غذت الخطاب القبلي وجعلت الغلبه لمؤيدي هذه الانتخابات في صفوف القبائل بعد ان تنامت حركة مضاده لها خلال السنوات الماضية.
سلسلة من الاعتقالات أدت إلى إشتباكات أمام مبنى إدارة الأدلة الجنائية في السالمية وكان منظرا شنيعا ان يحاصر مواطنون مبنى حكوميا وكان الاشنع من ذلك تصدي القوات الخاصة لهم بالعصي والقنابل الدخانية.
القسوة في التعامل مع الانتخابات الفرعية والتي تسميها القبائل تشاورية إزداد حده، فتم إقتحام دواوين في الدائرة الانتخابية الرابعه ما نتج عنه محاصرة مواطنين لمديرية أمن الفروانية في منظر غريب عن المشهد الكويتي يتحمل تداعياته من أصدر الأوامر حينذاك او من كان يدير العملية من وراء ستار.
وإستمرت المواجهات في منطقة ابوحليفه ودخلت الأليات المدرعه مناطق سكنية آمنه إلى أن جاءت ذروة الأحداث في إشتباكات منطقة الصباحية حيث تصدت القوات الخاصة بالعصي والهراوات لكويتيين من مختلف الاطياف، بمن في ذلك بعض من ينتمون لغير القبائل فكانت فزعة شعبية تصدت لهذا العنف والقسوة غير المسبوقين.
وكان منظر بعض المواطنين وهم يرقصون العرضة بعد إنسحاب القوات الخاصة مؤلما جدا وكان بمثابة دفع ثمن غال يفوق في قيمته الاضرار التي من الممكن ان تحدثها الانتخابات الفرعية.
ومع ذلك تم إجراء كل الانتخابات الفرعية في كل المناطق وبأساليب مختلفة، وهكذا تعرضت هيبة الحكومة للضعف مرة أخرى، وسقط ما سمي بمشروع إسترداد الهيبة ووجهت نصائح في حينها ان مواجهة «الفرعيات» كان يمكن ان تتم اما بتعديل القانون او بتكثيف التحريات او حتى بخلق ثقافه عامه مضادة ل «الفرعيات».
قضائيا كان هناك تحول نوعي إذ قامت إحدى المحاكم بإدانة النائب محمد العبيد ومشاركين في إحدى «الفرعيات» إلا ان محكمة الاستئناف عادت وأسقطت هذا الحكم.
في إنتخابات العام الحالي 2009 تمر الانتخابات الفرعية حاليا بحالة من الركود فبعضها إجري تحت سمع وبصر السلطة ونتائجها اعلنت في الصحافه والاجراءات كانت قضائية وتركزت على إستدعاءات وعلى اوامر القبض ألتي كانت تثير الاحداث العنيفه.
تطبيق القانون في 1999 يفترض ان يكون مشابها تطبيقه في الوقت الحالي وفي اي زمان ولهذا فالقبائل تدرك ان تطبيق قانون «الفرعيات» يعتمد على ظروف متعدده وان منطق القوة هو الغالب.
بقاء أسئلة القبائل التي تنظم إنتخابات فرعية من دون إجابه أمر من شأنه استمرار النظر لهذه الانتخابات على انها حق طبيعي مشروع لم يكن من حق المشرعين ان يمنعوه ومن هذه الاسئلة:
- لماذا تحارب القبائل إذا أجرت إنتخاباتها بالعلن نتيجة لكثرة أعدادها في حين يتم التغاضي عن إنتخابات فرعية تجرى في التيارات السياسية وفي بعض الطوائف ؟
- لماذا تحرم القبائل من إنتخابات تمهيدية تجرى في أعرق الديمقراطيات كالانتخابات التمهيدية في الولايات المتحده ؟
- لماذا تحارب قبائل اشتهرت بنواب معارضين في حين تمر بعض الفرعيات بردا وسلاما ؟
الانتخابات الفرعية لها من المؤيدين الكثر من أبناء القبائل ولكن وفي الوقت نفسه لها ايضا معارضون إستطاعوا ان يحصلوا على عضوية مجلس الامه خارج ترشيح القبيلة، ومن اشهرهم النائب السابق مسلم البراك والنائب السابق ضيف الله بو رمية والنائب والوزير السابق حسين الحريتي، ولهذا فالرهان على التصدي للانتخابات الفرعية فكريا وثقافيا قد يكون رابحا على المديين المتوسط والبعيد.
إذا الانتخابات الفرعية ونتيجة لاسلوب التصدي لها أصبحت أكثر قوة ونموذجا لقضايا كثيرة في الكويت تبدأ بفكرة جميلة ومبدأ راسخ وتنتهي للأسف بالموت السريري.
قانون تجريم الانتخابات التمهيدية يحظى بمعارضة واسعه وتطبيقه شبه مستحيل وكلفة هذا التطبيق عالية، لهذا يجب عدم الركون الى وجود هذا التشريع والبحث بدلا من ذلك عن وسائل أخرى تضمن ترسيخ قيم النظام الديمقراطي لدى كل الشرائح والطوائف.
في القضايا الديمقراطية لا توجد حلول أمنية.