شموئيل روزنر / مؤشرات نفاد الصبر
1 يناير 1970
07:54 م
بعد أسبوعين ونصف الأسبوع ستعود كوندوليزا رايس الى واشنطن في أول ظهور علني لها منذ أن ودعتها. يوم الأحد الثالث من مايو في كنيس تاريخي اختارت القيام بظهورها الأول كمواطنة عادية بعد خدمتها الطويلة في الادارة الأميركية لكنيس المدرسة اليهودية الصغيرة التي تديرها ناعومي رام مع محاضرة سنوية لذكرى اسحاق رابين. هذه ستكون فرصتها التي لن تفوتها لتسوية الحساب مع حكومة اسرائيل - المغادرة والآتية.
حساب رايس مع حكومة ايهود أولمرت طويل وأشد من أن يغلق في محاضرة واحدة. غالبية هذا الحساب ستبقى للكتاب الذي تعكف عليه الآن، وهو الأول من ثلاثة كتب في صفقة تبلغ قيمتها 2.5 مليون دولار على الأقل. ولكن أيضاً مع حكومة اسرائيل الجديدة هناك حساب صغير يتوجب تسويته، ذلك لأنه عندما اعترض وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان طريق خطة أنابوليس وأطلق النار عليها في مستهل دخوله لمنصبه، ربما فاجأ، بل وأغاظ قلة من موظفي الرئيس الأميركي باراك أوباما، ولكن من شعر بالاهانة الحقيقية هم عدد من مسؤولي الرئيس السابق جورج بوش. أولئك الذين سجلت عملية أنابوليس على اسمهم.
هذه كانت بالنسبة الى رايس فرصة جديدة لتفكير فلسفي قصير. بهذه الطريقة تمر مجد العالم. حتى ما قبل مدة قصيرة كانت وزيرة الخارجية الأكثر تأثيراً في الادارة الأميركية والأكثر وداً لاسرائيل في أي وقت من الأوقات كما اعتبرها رئيس الوزراء نفسه. وها هي أشهر قلائل تمر بعد وداعها للمنصب لتبدأ اسرائيل بالسماح لنفسها بركل التركة التي بقيت من ورائها علانية. قبل أسبوع أجرت أول مقابلة مع صحيفة الطلاب في جامعة ستانفورد التي خرجت منها الى ادارة بوش وعادت اليها الآن. «اي عضو في ادارة بوش سيكون الأقل جودة في الصحافة؟»، سئلت الوزيرة السابقة. ردت الوزيرة بسرعة: «الرئيس نفسه». كما قالت لهم: «وضعه في أحسن حال، فنحن نتراسل عبر البريد الالكتروني».
زيارة ميتشل
عدد كبير من الرسائل العلانية الحامضة أُطلق في الأسابيع الأخيرة بين واشنطن والقدس. خطاب ليبرمان عن أنابوليس اضطر أوباما الى الالتزام بالعملية التي لم يكن معنياً بها بالمرة. رفض حل الدولتين من قبل نتنياهو اضطر المبعوث الأميركي الخاص جورج ميتشل للتذكير بأن التفويض المعطى له واضح: دولتان لشعبين. الحكومات الجديدة تتراسل من خلال قنوات مفتوحة جداً، وأحياناً مع بعض التحركات على بداية طريق مشترك، أو خطوات محسوبة تهدف الى الاشارة للجانب الآخر على الخطوط الحمراء. هذا بالنسبة الى الساحة الفلسطينية وليس أقل من ذلك بالنسبة لايران التي وصلت الادارة الأميركية بصددها الى المرحلة الحاسمة على مستوى اتخاذ قرار رئاسي.
ميتشل لم يأتِ لاسرائيل حتى يخوض صراعاً اعلامياً مع حكومة نتنياهو. ولكن من الممكن القول انه قد مل تبادل الرسائل العلانية بدرجة ما. هو شخص يتعامل مع مهمته بجدية كبيرة، وربما مفرطة جداً ويريد أن يعمل. طاقمه موجود في وضع متقدم من بلورة خطته بالمقارنة مع الأقسام الأخرى في ادارة أوباما حديثة العهد. فريدريك هوف سيكون نائبه وديفيد هاي الذي كان نائباً مساعداً لوزيرة الخارجية لشؤون الشرق الأوسط سيكون على ما يبدو ممثلاً دائماً في القدس، وهناك اشاعات عنيدة بأن مارا رودمان من الوفيات لادارة كلينتون ستنضم اليه. رودمان أكثرت من تناول الساحة الاسرائيلية الفلسطينية في الأعوام الأخيرة باعتبارها عضوة بارزة في «المعهد الأميركي للتقدم» وهو تفكير استوعب لاجئي عهد كلينتون في أيام الجفاف ابان حكم بوش الجمهوري. هي انضمت لادارة أوباما كرئيسة لطاقم في مجلس الأمن القومي، ولكنها وجدته محدوداً جداً وتكنوقراطياً جداً. هي تريد التركيز على الساسة، كما قال لي أحد أعوانها. هذه زيارة ميتشل الثانية التي تنضم اليها.
هذا طاقم كبير جداً ومشغول جداً. لن يكون لأوباما وقت كثير لتكريسه للقضية الاسرائيلية الفلسطينية، ويبدو أن هيلاري كلينتون هي الأخرى تنوي اعطاء ميتشل تفويض كسر الرأس. ان كان هناك اعتماد يتوجب توزيعه فستحرص على الحصول على جزء منه. حتى ذلك الحين لديها أمور اخرى يتوجب أن تديرها. اذاً ميتشل هو رب البيت، ان كان من الممكن ان نسمي هذه الخربة بيتاً.
الرسالة التي صاغها طاقم ميتشل قبيل زيارته القصيرة تجمع بين اللباقة الأميركية وعلامات مبكرة لقلة الصبر. جوهرها انعاش ذاكرة الوزراء بصدد مهمة ميتشل. دولتان، اسرائيل وفلسطين، كجزء من صفقة شاملة اسرائيلية عربية، والتحقق مما يمكن ويجب أن يحدث في اللقاء المتوقع بين نتنياهو وأوباما في شهر مايو في واشنطن (هذه اللحظة التي سيطلب فيها من نتنياهو أن يعترف بصيغة دولتين). لكن: ما الذي يتوجب على الأطراف ان تفعله حسب رأي ميتشل «من أجل مساعدته» لانجاح مهمته؟ في هذه المرحلة يطرح الجانبان رسالة متناغمة تقول ان اسرائيل معنية بمساعدة ميتشل وليس عرقلته. اذاً، هذه المرحلة من مباحثات نتنياهو وباراك أوباما مفهومة بالنسبة الى ميتشل، وبكلمات بسيطة يتساءل: كيف تنوي اسرائيل تنفيذ «تعهداتها» في قضية المستوطنات (التجميد) والبؤر الاستيطانية (ازالتها)؟
حوار ظاهر
ادارة أوباما وصلت الى استنتاج أولي شبه سيئ. في هذه المرحلة يبدو أن سورية معنية أكثر بابراز وجود حوار من أن تخوض حواراً حقيقياً. ميتشل يتجول في هذه الفترة بين المغرب والجزائر وتونس واسرائيل ومصر، ولكن دمشق لم تظهر في برنامج زيارته. جس النبض الذي أجراه مساعد وزيرة الخارجية جيفري فيلتمان مع السوريين قبل أسابيع عدة تمخض عن استنتاج سلبي. السوريون في هذه المرحلة مستعدون للتحدث كثيراً والفعل قليلاً. قبل أشهر ثلاثة من حملة الانتخابات في لبنان وصلت ادارة أوباما الى استنتاج بأنه من الأفضل الانتظار ومراقبة كيفية تطور الأحداث في الجبهات الأخرى قبل القاء البيض المكسور في سلة سورية. وسائل الاعلام المحلية ستركز على المحطات التي يقوم بها ميتشل قريباً من البيت، في اسرائيل والسلطة الفلسطينية. ولكن ما سيسمعه ميتشل في العواصم الأخرى، خصوصاً القاهرة لا يقل أهمية.
من قبل أن يزور نتنياهو واشنطن سيكون هناك اثنان من قبله: ملك الاردن الذي سيحذر من أن عملية السلام قد وصلت الى الدقيقة التسعين. كذلك رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، أبو مازن. ادارة أوباما، التي مازالت تحاول سبر غور حكومة نتنياهو الجديدة، مازالت تتساءل بصدد عباس واحتمالات خروج شيء ما منه. ميتشل سيسمع تقديرات ازاء ذلك في القدس، ولكنه معني أكثر بالتوقعات التي سيحصل عليها من المختصين في القاهرة. بعد أسبوع ستستأنف المحادثات بين «فتح» و«حماس» ونجاحها أو فشلها سيغيّر حسابات ميتشل.
بينما يسعى ميتشل الى السلام الذي يفترض به أن يغيّر الوضع الأمني، وتنشغل اسرائيل في تحسين الوضع الأمني الذي سيجلب السلام، أي في قضية حل المعادلة الايرانية. قبل أيام عدة تلقت سياسة حوار أوباما ضربة من ناحية كوريا الشمالية التي أصرت على افساد عهد المصالحة من خلال اطلاق صاروخ للمحيط. الصحافة اليابانية تحدثت منذ يومين عن أن جهات استخبارية تحقق في افتراض بأن سفينة كورية شمالية حملت في شهر ديسمبر الماضي شحنة كبيرة من اليورانيوم المخصب لايران. ادارة أوباما تجد صعوبة في بلورة سياسة واضحة للرد على هذا الاستفزاز.
صحيفة «نيويورك تايمز» أفادت الأسبوع الماضي أن ادارة أوباما قد تتنازل عن مطلب تجميد ايران لتخصيب اليورانيوم في فترة الحوار. ليس واضحاً ان كان هذا التقرير دقيقاً. الادارة مستعدة على ما يبدو بقبول صيغة «التجميد مقابل التجميد». ايران تجمد تخصيب اليورانيوم، وفي المقابل تجمد المباحثات على العقوبات المفروضة على ايران للفترة الزمنية المطلوبة. هذه احد القيود التي تثقل أرجل ميتشل. هو مخول بمعالجة «السلام الاقليمي»، ولكن ليس «التهديد الاقليمي».
شموئيل روزنر
«معاريف»