دعا إلى بلورة سياسية تعزز الانتماء الواحد الذي لا يرجحه أي انتماء آخر
ثامر العلي: الهوية الوطنية الخليجية تواجه تهديدات كثيرة تستلزم سنّ سياسات حكيمة وعاجلة لحمايتها وصونها
1 يناير 1970
01:02 ص
كونا - أكد نائب رئيس جهاز الامن الوطني الكويتي الشيخ ثامر العلي ان الهوية الوطنية الخليجية «تواجه تهديدات كثيرة تستلزم سن سياسات حكيمة وعاجلة لحمايتها».
وشدد العلي في كلمة ألقاها أمام مؤتمر «الهوية في الخليج العربي... التنوع ووحدة الانتماء» الذي عقد في المنامة أن الهوية الوطنية الخليجية «تعاني من تهديدات تستلزم وضع سياسات حكيمة وعاجلة من شأنها أن تحميها وتضع حدودا لتلك التهديدات والهواجس التي تضر بعملية حمايتها وصونها».
وقال في هذا السياق اننا «نرى من الاهمية وحسب القاعدة الكويتية ان هذا الامر يتطلب رؤى جديدة وسياسات فاعلة وحلولا استراتيجية ومزيدا من النقاش والحوار الفكري الجاد لتنعم المجتمعات الخليجية بهوية وطنية واحدة وبانتماء واحد اوحد لا يرجحه أي انتماء اخر، لان ازدواجية الانتماء وتعدديته وما تفرضه من ولاءات متقاطعة ومتعارضة يمكن أن تضر بنسيج المجتمع الخليجي ووحدته وتماسكه وهويته المراد حفظها وصونها».
وأشار الى أن «موضوع الهوية الوطنية صار يشكل احدى أهم القضايا الرئيسية في الساحة الفكرية الخليجية والعربية ما يدفع بنا الى التساؤل حول مفهوم الهوية الوطنية وأهميته وأبعاده».
وأضاف أنه «يمكن القول ان الهوية الوطنية هي وعي للذات والمصير التاريخي الواحد وهي قاسم مشترك واحساس فطري بالانتماء الى جماعة بفعل السمات والمصالح المشتركة سواء عبر اللغة أو الدين أو الثقافة أو الحضارة أو التاريخ أو الجغرافيا أو الذاكرة المشتركة».
وأوضح أن مفهوم الهوية الوطنية «بدأ يطرح عالميا على أكثر من صعيد وعلى أكثر من مستوى، ولكن على المستوى الخليجي لا يزال المفهوم من أكثر المفاهيم صعوبة وتعقيدا عند النخبة الفكرية والسياسية لان بلورة الرؤى وصياغة الحلول والبدائل النظرية والواقعية الخاصة بالهوية الوطنية الخليجية وماهيتها وسبل صونها تتطلب حوارات مكثفة ودورية من أجل تحقيق مساهمة فعلية في مسار حماية وتعزيز وتقوية الهوية الوطنية المنشودة».
وقال انه «حين الحديث عن الهوية الوطنية لا يمكن اغفال مفهوم الانتماء الوطني الذي يرمي الى الانتساب الى وطن ودين ومشاعر ووجدان واظهار الاعتزاز والفخر بالانتساب لهذا الوطن عبر الانضمام له والتضحية من أجله والمشاركة في بنائه».
واضاف الشيخ ثامر العلي ان الانتماء «يعتبر حاجة من الحاجات المهمة التي تشعر الفرد بالروابط المشتركة بينه وبين أفراد مجتمعه وتبرز قيمة وضرورة الهوية الوطنية وجعلها هدفا يسعى الجميع للمحافظة عليه، اذ ان الحفاظ على الهوية الوطنية هو من المسلمات التي يجب ان يعمل على تعزيزها وتقويتها».
وأوضح أن المقومات الاساسية للهوية هي بمنزلة «مصانع الانتاج للقيم العليا التي تتمثل بالعدالة والمساواة والحرية التي اعتبرها الدستور الكويتي دعائم المجتمع لتبقى تلك القيم معيارا رئيسيا لترجمة الهوية في الواقع العلمي، وبالتالي فإن الهوية لأي مجتمع لا بد وان تكون مرتبطة بالممارسات والسلوكيات العامة في المجتمع».
وأضاف أن هذه الممارسات «إما أن تكون مستقرة على القيم فتكون المقومات الوطنية منسجمة مع الهوية أو أن تكون هذه الممارسات متناقضة مع الهوية الوطنية والقيم»، موضحا أنه حينما «يحل ذلك التناقض لا يقتصر الأمر على السلوكيات في الاطار الفردي فحسب وانما يكون ذلك منعكسا على السلوك الجماعي في اطار المجتمع ما ينعكس بالضرورة على أداء الدول، وهي أخطر حالة يمكن أن تواجهها الدول بحيث تكون مخرجاتها المتمثلة في الاداء العام متناقضة مع مدخلاتها ما ينعكس على جميع الجوانب التنموية فيها».
واشار إلى أن هذا الاضطراب بين المخرجات والمدخلات المنبعثين للتناقض القائم بين المقومات والقيم «يحدث انعكاسا خطيرا على التنشئة الاجتماعية والسياسية للمواطن الذي يتأثر بالبيئة المحيطة به».
وقال انه «حين النظر الى الهوية الوطنية الخليجية، نجد ان الخليجيين نجحوا بتثبيت هويتهم الخليجية وتقويتها وتعزيزها وذلك من خلال انشاء مجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي يعتبر تنظيما اقليميا محدود العضوية يربط بين الدول الاعضاء بعلاقات خاصة وسمات مشتركة ومتشابهة ويمتد نشاطه الى مختلف مظاهر التعاون سواء في المجالات السياسية او الاقتصادية او الاجتماعية رغبة في تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الاعضاء وصولا الى وحدتها وتعميق وتوثيق الروابط والصلات واوجه التعاون القائم بين شعوبها في مختلف الميادين».
وأوضح أنه لا بد من الاشارة هنا الى ان «القرب الجغرافي بين الدول الاعضاء والظروف السياسية والامنية والمتغيرات الاقليمية الحادة التي شهدتها المنطقة والتي ادت الى التحرك الجاد لانشاء مجلس التعاون كون ان حالة عدم الاستقرار الاقليمي الناتجة عن المتغيرات الاقليمية والدولية التي رأت فيها دول المجلس بأنها تشكل تهديدا لامنها واستقرارها لم تشكل الدوافع والأسباب الاساسية لانشاء المجلس».
وبين نائب رئيس جهاز الامن الوطني الكويتي أنه «لولا اشتراك دول الخليج في خلفية تاريخية واحدة وتشابه انظمة الحكم فضلا عن تمتع شعوبها بقوة الاحساس بالانتماء والمصير المشترك واعتناقهم لدين واحد وتحدثهم بلغة واحدة، ناهيك ان الدول الخليجية تجمعها قيم وتقاليد وعادات متشابهة ومتطابقة ترفع من مستوى امتزاجها وتجانسها وتوحدها لما خرج المجتمع الخليجي بذلك المشروع التنظيمي».
وقال انه «عند الحديث عن الهوية الوطنية الخليجية اليوم واهمية المحافظة عليها وضرورة صونها، تبرز لنا بعض الامور المستحدثة التي من شأنها ان تؤثر على مدى عمق الانتماء الخليجي واستمراريته وافضليته، فمما لاشك فيه فان الهوية الوطنية تتأثر بصورة مباشرة وغير مباشرة بالحراك السياسي والاجتماعي والاقتصادي لاي مجتمع وان الظروف الاقليمية والسياسية المحيطة بالمجتمع تلعب دورا واضحا في تقوية أو ضعف تلك الهوية الوطنية».
واكد أهمية ان تكون الهوية الوطنية الخليجية «تتسم بالانسجام والتمازج الفكري لاي فرد من أفراد المجتمع الخليجي دون تغليب أي أولويات أخرى من شأنها أن تتعدى المستوى الوطني او القطري، كما يجب أن يشكل الانتماء الوطني الخليجي أكثر الولاءات الرئيسية رسوخا في فكر وعقيدة أبناء المجتمع الخليجي».
وأشار الى أنه في واقع الامر فان الهوية الوطنية الخليجية «تعاني اليوم من عدة هواجس تشكل خطرا عليها وعلى ديمومتها وقوتها».
وقال: «لعل أول هذه الهواجس يتمثل في مشكلة الخلل في التركيبة السكانية في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أصبحت لهذه المعضلة تداعيات سياسية وأمنية واجتماعية وثقافية ودينية من شأنها أن تعرقل عملية تعزيز الهوية الوطنية الخليجية». وأضاف أن التركيبة السكانية المختلة بطبيعة الحال «يمكن ان تترك أثارا ومخاطر كبيرة على الهوية الوطنية الخليجية، فالأعداد الهائلة من العمالة الوافدة في دول الخليج العربية لها تداعيات وتبعات خطيرة ليس على أمن وسلامة الدول الخليجية وابنائها فحسب وانما على الهوية الخليجية وخصوصيتها».
واوضح أن الهاجس الثاني «يتمثل في الممارسات الممقوتة تاريخيا وحضاريا والتي تقف على اركان بُغض الآخر بسبب الدين أو الاصل أو الجنس أو اللون، وكما تقدم فان هويتنا في الخليج عموما قائمة على التعددية والتسامح مع الآخر».
وقال انه «كما ان موجة العولمة قد اجتاحت العالم فان هناك رياحا للعنصرية قد عبرت الحدود بين الدول وهي تحمل بذورا للتفرقة على اساس الاصل والفئة والدين، وقد ادت الى اقتتال ومذابح ومآس لم تسلم منها دول العالم بما في ذلك بعض الدول العربية المحيطة بنا».
وأضاف «لقد عبرت حدود دولنا تلك الرياح وحملت بذور التفرقة بين أطياف مجتمعاتنا على أساس المذهب وعلى اساس العرق وعلى أساس الفئة مما لا شك فيه فان تلك الانشقاقات ستكرس العنصرية البغيضة وتهدد اركان ودعائم الهوية الوطنية ولربما تقود الى عنف متقابل ان لم يتم التصدي لها وفق منظور عقلاني وواقعي ومؤسسي».
وأكد أهمية «بلورة سياسية تعزز الانتماء الواحد الاوحد الذي لا يرجحه أي انتماء آخر، لأن ازدواجية الانتماء وتعدديته وما تفرضه من ولاءات متقاطعة ومتعارضة يمكن ان تضر بنسيج المجتمع الخليجي ووحدته وتماسكه وهويته المراد حفظه وصونه».
واقترح تحديد المدخل القانوني المؤسسي «فمن المهم ان تقوم الدولة باستحداث تشريعات خاصة وموجهة من أجل حماية مقومات الهوية وقيمها». كما دعا الى «التكامل بين ما هو رسمي وتقليدي وتطوعي، إذ لاتزال العائلة والقبيلة والطائفة من الموروثات الاجتماعية التي لا يمكن تهميشها أو تجاوزها بسهولة في الحياة العملية، وكما الاعتراف بوجودها لا يعني الاعتراف بسيادتها ويعني اهمال تأثيرها أو التقليل من دورها».
ورأى ادخال تعديلات على البيئة التعليمية اذ ان جميع الآليات والرؤى التي تمت الاشارة اليها «لا يمكن ان تنمو وتشع بأضوائها البراقة ما لم تتم رعايتها في ظل بيئة تعليمية راقية تهيئ البيئة الملائمة لاي مشروع وطني رائد يخدم الدولة ومكوناتها، ومن هنا تبرز قاعدتان اساسيان هما تحديث مناهج ومؤسسات التعليم بشكل يتواكب مع كل ما هو حديث، والثانية تتمثل في ضرورة التوسع في البيئة التعليمية بحيث لا تكون مقتصرة على المؤسسات التعليمية بل في شتى مناحي الحياة ومنها الاسرة والمدرسة والجامعة والمجتمع وبيئة العمل والمسجد وغيرها».