خيرالله خيرالله / إعادة انتخاب بوتفليقة... بين الأمل والتشاؤم!

1 يناير 1970 05:22 م
هل يبعث التجديد للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة بعض الأمل في تغيير نحو الأفضل في الجزائر؟ قبل كل شيء، بغض النظر عن صحة الأرقام المتعلقة بنسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية الجزائرية، أو بتلك التي حققها بوتفليقة والتي فاقت التسعين في المئة، لا شك أن الرئيس الجزائري فاز حقيقة في الانتخابات نظراً إلى امتلاكه شعبية كبيرة أولاً، وإلى أن لا منافس جدياً له ثانياً وأخيراً. قد تكون نسبة المشاركة مبالغاً فيها ولكن أن يحرز بوتفليقة نسبة تزيد على تسعين في المئة من أصوات المقترعين، فهذا أمر أكثر من طبيعي، خصوصاً متى يكون في مقدم منافسيه شخص مثل السيدة لويزة حنون تمثل حزباً صغيراً «تروتسكيا». بالكاد يتذكر العالم لينين، فكيف الأمر بتروتسكي الذي كان على يسار الزعيم الشيوعي بعد انتصار الثورة البولشفية في العام 1917؟
من الناحية العملية، كان بوتفليقة المرشح الوحيد في انتخابات الرئاسة. كان الآخرون الذين نافسوه مجرد أدوات زينة في بلد استعاد بعض عافيته بفضل الرئيس الجزائري الذي استفاد إلى أبعد حدود من ارتفاع أسعار النفط في الأعوام القليلة الماضية بما مكّن الجزائر من إيفاء ديونها الخارجية، ومن تنفيذ مشاريع تنموية، وضخ سيولة في السوق. كانت الأعوام العشرة الأخيرة في الجزائر أعوام خير مقارنة مع الأعوام العجاف التي تلت الاضطرابات التي اندلعت في اكتوبر من العام 1988، والتي أنهت عملياً عهد الرئيس الشاذلي بن جديد، الذي اضطر لاحقاً إلى الاستقالة بعد رفض العسكر قبول نتائج الانتخابات في العام 1992، وهي الانتخابات التي فاز فيها الإسلاميون بفارق كبير.
لا يمكن القول ان ارتفاع أسعار النفط كان السبب الوحيد الذي ساعد بوتفليقة في أن يتحول إلى أشبه بمنقذ للجزائر. يعود الفضل الأساسي في التحسن الكبير الذي طرأ على الوضع الداخلي، إلى المؤسسة العسكرية، والأمنية التي شنت حرباً لا هوادة فيها على التطرف الديني والإرهاب. استطاعت المؤسسة العسكرية، والأمنية خوض حرب طويلة النفس على الإرهاب والعصابات المسلحة التي تتستر بالدين، والتي سمحت لنفسها بارتكاب مجازر في أنحاء متفرقة من البلاد. كانت المؤسسة العسكرية، والأمنية تدرك منذ البداية أن الحرب على الإرهاب ستكون طويلة، ومضنية لكنها قبلت التحدي.
لا شك أن وصول بوتفليقة إلى الرئاسة في العام 1999 بدعم من العسكر، ومن بقايا المؤسسة البيروقراطية الحاكمة خلال عهدي بومدين والشاذلي، أي ما يسمى حزب «جبهة التحرير الوطني»، كان بمثابة عودة الحياة إلى مؤسسة رئاسة الجمهورية. وفّر بوتفليقة أفقاً سياسياً للحرب على الإرهاب. وهذا أمر مهم جداً. امتلك الرئيس الجزائري ما يكفي من الدهاء لصياغة خطاب سياسي معتدل ظاهراً. ساعد هذا الخطاب، إلى حد كبير، في تحقيق نوع من المصالحة الوطنية انضم إليها إسلاميون معتدلون أرادوا الاستفادة من البحبوحة الاقتصادية، وحال الانفراج التي وفرتها أسعار النفط المرتفعة. ما لا يمكن تجاهله أن عهد الشاذلي بن جديد دخل في أزمة داخلية عميقة ذات طابع اجتماعي بسبب الهبوط الكبير في أسعار النفط في النصف الثاني من الثمانينات. انفجر الوضع في المدن الجزائرية في أكتوبر من العام 1988 بعدما ضاقت سبل الحياة بالمواطن العادي، وتفشت البطالة على نحو لا سابق له. وجاء انتخاب بوتفليقة رئيساً لولاية ثالثة في العام 2009 ليعكس تعلق المواطن العادي بالاستقرار النسبي الذي وفره الرئيس الجزائري في الأعوام العشرة الأخيرة. أنه استقرار مكّن بوتفليقة بفضل خبرته السياسية الطويلة من تحقيق بعض حلمه المتمثل بأن يكون هواري بومدين آخر.
أسس عهد بومدين، الذي امتد من العام 1965 إلى العام 1980، للجزائر الحديثة التي تتحكم بها المؤسسة العسكرية والأمنية، والبيروقراطية الثقيلة. نجح في توفير ثقل خارجي للجزائر، كان بوتفليقة من رموزه بصفة كونه وزيراً للخارجية في تلك الحقبة. كانت عائدات النفط والغاز تغطي كل الاخفاقات. كان الاخفاق الأول لعهد بومدين الذي أمسك بالبلد بيد من حديد في مجال التعليم. في عهده، نسي الجزائريون الفرنسية، ولم يتعلموا العربية. وكان الفشل الثاني في المجال الزراعي، والثالث على صعيد الصناعة. وضع بومدين الأساس لصناعة ثقيلة من دون التفكير ولو للحظة في كيفية تصريف ما ستنتجه المصانع الجزائرية. كان هناك فشل في كل مجالات التنمية. لكن الدور الإقليمي للجزائر، والعائدات من النفط والغاز ساهمت في تغطية الفشل... إلى أن حصل انفجار العام 1988.
الأكيد أن الجزائريين انتخبوا هذه المرة بوتفليقة رئيساً عن قناعة. ولكن يبقى السؤال هل استفاد الرجل من تجربة بومدين؟ هل عمل في الأعوام العشرة الأخيرة على وضع الأسس لدولة حديثة قادرة مستقبلاً على تنويع اقتصادها، بدل البقاء أسيرة أسعار النفط والغاز، التي عادت تتجه في الأشهر القليلة الماضية إلى الهبوط، هل يدرك أن تركته ستكون ثقيلة في ضوء الزيادة الكبيرة في عدد السكان، وهجمة الريف على المدن، واستمرار البطالة، وزيادة التطرف الديني، أم يعتقد أن في الإمكان تكرار تجربة بومدين في الستينات والسبعينات من القرن الماضي في الأعوام العشر الأولى من القرن الواحد والعشرين؟
باختصار، إن انتخاب بوتفليقة يبعث على الأمل، الأمل في التأسيس لمرحلة جديدة في الجزائر... في حال الاستفادة من تجارب الماضي القريب بما في ذلك أن الحرب مع الإرهابيين يمكن أن تعود إلى الواجهة في أي لحظة. هل استفاد بوتفليقة من تجربة الجزائر أم أن كل همه أن يبقى رئيساً، وأن ينتقم من الظلم الذي لحق به عندما لم يستطع خلافة بومدين في العام 1980؟ وقتذاك، اختار الجيش أحد ضباطه لخلافة بومدين مستبعداً بوتفليقة، ورجل المؤسسة الحزبية محمد صالح يحياوي. هل يعي بوتفليقة الآن أن مشاكل الجزائر لا يحلها الدور الإقليمي القائم على ابتزاز المغرب عن طريق نزاع الصحراء الغربية، وأن هذه اللعبة تجاوزها الزمن كما تجاوزتها الأحداث، هل يعي أن هناك مشكلة جزائرية اسمها البرامج التربوية، والنمو السكاني، وإيجاد فرص عمل للشباب الجزائري، والحرب على الإرهاب قبل أي شيء آخر، وأن هناك فرصاً عديدة يمكن الاستفادة منها عندما تتخلى الجزائر عن وهم الدور الإقليمي؟ ربما يعي بوتفليقة ذلك وربما لا. ما يدفع إلى التشاؤم الأحداث الأخيرة التي شهدتها الصحراء الغربية، ودفع الجزائر عناصر من جبهة «بوليساريو» التابعة لها للدخول إلى منطقة منزوعة السلاح، واستفزاز القوات المسلحة المغربية. هل تستمر عملية الهروب إلى الأمام، أم يقدم عبدالعزيز بوتفليقة على خطوة تعكس وجود رغبة جدية في التغيير من منطلق أن ما فشلت فيه الجزائر في منتصف السبعينات، وطوال عقد الثمانينات من القرن الماضي في الصحراء الغربية لن ينجح، ولا يمكن أن ينجح في العام 2009. بكلام أوضح، إن طريقة التعاطي مع المغرب، ومع قضية الصحراء تحديداً، ستظهر ما إذا كانت الجزائر قادرة على تجاوز عقد الماضي، وتفادي البقاء تحت رحمة صعود أسعار النفط والغاز وهبوطها!


خيرالله خيرالله
كاتب وصحافي لبناني مقيم في لندن