نص / أنا وأنت .. والغيرة

1 يناير 1970 06:50 م
| مأمون المغازي |
يا حبَّ العمرِ بدا قلبي بالنورِ يُضيءُ مِنَ الشوقِ، ويُقاربُ عمقَ الوردِ بنشوتِهِ ، إِنْ حَلَّ على قَدَرٍ قُرْبٌ. أتأملُ آيَ الحبِّ بعينيكِ، أتبتلُ في محرابِهِما وفي النَّبْضِ ، لتكوني نبضَ حياتي، وأكونَ القدرَ المحتومَ برحلتكِ، أنا كُلُّ تراتيلِ غرامِ النغمِ الأبَديِّ ، وأنا أغنيةُ النورِ وسيرَتُهُ، عتَّقْتُ هوايَ بحبسِ الشوقِ ولا مِثليَ ما بين الناسِ أو الجنِّ، مغرورٌ. لا بأسَ إذا قلتِ، فأنا المفهوم الجسدي لحَدثِ الحب فهو بي يمشي على قدمِ، فالكلمُ القُدسيُّ تراتيلُ الغارقِ في الصَّبوَةِ يتطهرُ، والطهرُ حكايةُ مَنْ رغبَ الخُلدَ، والخلدُ السيرةُ يذكرُها الزمنُ، ويبقى الناسُ يقولون: يا ليتَ المِثلَ بالمِثلِ.
قدْ عِشْتُ الحبَّ كَأني هُوَ، وَعِشتُكِ حُبًا لا يَبلى، وَلَبستُ غَرامَكِ يَتجددُ كَتَجدُّدِ روحي في النَّوْمِ، تَذْهبُ تَستَغْفِرُ بارِئها وَتَهْجعُ مِنْ عَبَثِ الجَسَدِ، لِتعودَ فَيكْمِلَ رِحلَتَهُ، والرّوحُ النّورُ بلا أَفَلٍ. مَنْ يَعشَقْ روحًا يَرْقَ بِها إِلى حَيثُ الرؤيةُ تحتجِبُ وَيَراهُ النّسّاكُ أَميرَهُمُ، والنّاسِكُ في الحُبِّ بَدا لِلنّاسِ كَمَنْ فَقَدَ تَعَقُّلَهُ، لَوْ يُخْرجْ ما في جُعْبَتهِ لَقيلَ المَسُّ طَوى عَقْلَهُ، وَإنْ قالَ: رأيتُ النارَ تُطهرُني لَقيلَ: الجَنةُ مِن حَولِك. أَلا تَدْري ؟ انْظُرْ واخْتَرْ مِنْ بَينِ الأَغْيارِ، وإنْ تُرِدْ نُؤْتكَ ثَلجًا أوبَرَدًا، فيلْوي عنهُم لا يَدري غيرَ الحزنِ يُسليهِ ، لَو يَعلم من قالَ: الحبُّ بَرى عَقلهُ ما يَسكُنُهُ مِن الصِّدقِ لَحاوَل أنْ يَسلُكَ مسْلكَهُ، فلا شِرْكَ بِمَحبوبٍ (جَنَّنَهُ) هَل مَلكَ أُناسٌ رِزْقَهُم؟!
أَنا حُبٌّ صيغَ مِنَ الأَزَلِ، وَيَقينِي أِنّي في الأَبَدِ، وَحبيبي كلٌّ مِنْ كُلّي لَوْ سافَرَ عَني يَحتَجِبُ لا يَبْعدُ قَدْرَ الأُنمُلَةِ، فالروحُ الوَحدةُ فينا، وَلِباسُ الطُّهرِ والسَّكَنِ لا يعرفُ تِرحالاً أو بُعدًا، فاللُّقيا كانتْ في الأَزَلِ، وشَربنا الكأسِ الصافِيةَ فَروتْنا لا نَظْمأُ أبدًا.
تواريخُ العشاقِ فرائدُ عِقدٍ، لا سيرةَ تشبهُ ما حُكِيَ، فَليَحْكِ الناسُ حَكايانا، وليرجمْ بعضٌ بالغيبِ، ولتخلَعْ تلكَ الأَورِدةَ وتقولَ: هديةُ من يأتي ليقولَ القولَ المعسولَ لأرشُفَهُ، والأُخرى تقولُ حكاياتٍ عن حبٍ ما كان ولن يأتيَ، ولتبقَيْ في الخِدْرِ مُؤَمَّنَةً بالحبِّ المبنِيِّ على العهدِ: أنْ أنتِ فريدةُ هذا الزمنِ، وأني لا مِثلي ولا بَعدي.
أتقربُ للعشقِ بكلِّ ما تُنضِجُ نارُ البُعدِ وما تُنضِجُ نارُ اللقيا على وَعدٍ، فلا نحنُ اخْترنا البُعدَ ولا نحنُ نُقدِّرُ ما يأتي، إِنْ نرسمُ أيامًا في قصرٍ؛ فالقصرُ على الأيامِ سيُحملُ نَحْوَ مهاجعِ قلبينا، هجعا بجوابِ الشوقِ ينادينا يا عِشقًا صيغَ من الفُلِّ، والصُّبحُ حكاية نورٍ يجمعُنا، والليلُ مُتَّكأُ القلبِ الناعِمِ في الأَمَلِ، والفجرُ الأُغنيَةُ الحُلْوةُ بضياءِ يولَدُ مِنْ عتمَةٍ قَدْ كانَ يُناضِلُ لِيخرجَ مِنْ رحم غَسَّلهُ مِنْ رحلَةِ يَومٍ يصنعُهُ، وتقولُ الحاسِدَةُ: رُويْدًا... لا يَأمنْ أحدٌ للزمنِ. ويقولُ الحاسدُ: إياكَ أنْ تأمنَ قلبًا مِنْ قولِ الحُبِّ يصوغُ هواهُ بالقولِ.
الغيرةُ تأتي كالسَّيلِ، لا تعرفُ أخضرَ مِنْ حطبٍ، وَتزيحُ الصَّخرَ فَيدمغُنا، يا ويحَ الغيرةَ إنْ ثارَتْ، وتخطَّتْ كُلَّ الْمَعقولِ إلى الوَهْمِ، وَالظَّنُّ فاتِحَةُ الشَّكِ ، يَأتي بِالصُّوَرِ وَبِالسِّيَرِ لِيَصوغَ حِكاياتِ البُعْدِ، ويُفرِّقَ بينَ القلبَيْنِ في مَسْرَحِ ظُلَمٍ قَدْ نُصبَ؛ فَيَخنِقَ أَنفاسَ الوَردِ، ويَرْوِي أشواكَ الــ نَفقَ الطَيْرُ وزاغَ القَمَرُ. مَنْ رامَ الحُبَّ سَعى سَعيًا لِيُنقّيَ القلْبَ مِنَ الظُّلَمِ ، وَيصنع شمسًا لا تأفُلُ؛ فاليومُ الواحِدُ أعوامٌ، والعامُ الخَيرُ مِنَ السَّنةِ، والسَّنَةُ تَمرُّ كما يجْري نَهرٌ مِنْ أرضٍ في أرضٍ لِينبتَ خَضِرًا يَتلَونُ، والثَّمَرُ دَومًا يعلو عن الشوكِ ويحميه . أرأيتم شوكًا قد أُغمِدَ في قَلبِ الثَّمَرِ؟
لَوْ أَنَّ تِجارَةَ مَنْ تَربو غَيرتُهُ قَدْ رَبِحتْ لَنَدُرتْ في السوقِ الْغِيَرُ، أَوْ أَنَّ البِئْرَ تَرْقُبُ شارِبَها لغاضَ الماءُ ولمْ يَسقِ مَعَ الوردِ صخورًا، أَوْ سَلكَتْ أَمواهٌ قلبَ الأَرضِ مِنَ القُنَنِ، السُّحبُ تَتَباعدُ حينًا وَحينًا تَتَعانَقُ في الأُفُقِ، لَوْ غارتْ الريحُ على المُزْنِ خَنَقَتْها، فلا سَقَتْ البيدَ ولا الوَحْشَ؛ أرأيْتِ الكَوْنَ الممْسوكَ بالحُبِّ؟ يَغارُ فَيَجْمَعُ أَرجاءَهُ في حِضْنٍ أقْوى مِنَ الجَذْبِ. لوْ أنَّ القلبَ تَيقَنَ أنَّ المَحْبوبَ لَهُ راعٍ لاتَّخذَ الْعرشَ العُلوِيَّ، ولنظرتْ عيْنُ المَحبوبِ إلى النّاسِ كَمنْ يُحْصي الْورْدَ ، فالناسُ صُنوفٌ عِطْرُهمُ، إِنْ فاحَ أَذاعَ المَخْبوءَ، والعطْر الحقُّ قد يندُرُ، والَمسخُ مِنَ العطْرِ بِلا ثَمَنٍ.
وسنَبقى نَبْحثُ في الحُبِّ وفي نَحنُ، وَفي مَدلولاتِ الغيرةِ والنَّبْضِ ، وَسيبقى العُمْقُ حِكايتُنا ، لأَنا نَسجٌ يَتفَرَّدُ. في اليَوْمِ وفي اللّيْلِ رُبوعٌ وَربيعٌ وَحكايَةُ عِشقٍ أَبَديةٌ، والوردَةُ تَنمو لا تَذبُلُ، إنْ غارَ الحاسِدُ قالَ كَما قدْ قالَ القاعُ عَنْ القِمَمِ، وإنْ غارَ القَلبُ بِعقلٍ يَتفكرُ فالحُب الأقوى ويَنتصِرُ، مَحبوبٌ غارَ فَأرجَعَهُ للجادَةِ صِدقُ مَنْ انْتَخَبَ مِنْ بَينِ الناسِ لِيُسْلمَهُ روحًا؛ فالشّطرُ يعود لِمُكمِلهِ، فالحبُّ يَقينٌ أَزليٌّ نتنسَّكُ فيه فَنِرتَفِعُ عَن دُنيا الزَّيْفِ وَيرفَعنا وَالرؤْيَة تَحلو مِنْ فَوقِ.
www.arweqat-adb.com