ستة محللين سياسيين أجابوا عن سؤال أفغاني صعب
هل يمكن الحوار مع «طالبان»؟
1 يناير 1970
09:52 م
| أحمد زكريا الباسوسي * |
أثار إعلان الرئيس الأميركي باراك أوباما في مطلع شهر مارس عن إمكانية إجراء حوار مع العناصر المعتدلة من حركة «طالبان»، وما تلاه من زيارة المبعوث الأميركي الجديد لأفغانستان، ريتشارد هولبروك، في الخامس من إبريل تساؤلات عدة في الأوساط الأكاديمية والسياسية كافة حول ماهية هذا الحوار، وأطرافه، وشروطه، وتوقيته، والمشكلات التي قد تثار بشأنه. وفى إطار الإجابة عن تلك التساؤلات أجرى جايشيري باجوريا، من مجلس العلاقات الخارجية، حواراً مع ستة محللين سياسيين حول إمكانية إجراء هذا الحوار وفرص نجاحه من عدمه.
خيار قابل للتطبيق
يفرق شوجا نواز، مدير مركز «جنوب آسيا» التابع للمجلس الأطلنطي الأميركي، بين الاستراتيجية التي يجب أن تتعامل بها الولايات المتحدة مع المتمردين في كل من أفغانستان وباكستان. في ما يتعلق بأفغانستان أكد نواز على أن مسألة الانخراط في حوار مع حركة «طالبان» هي أحد الخيارات القابلة للتطبيق للتعامل مع الأوضاع المتردية، حيث ان ذلك يسمح لها بعزل العناصر المتطرفة عن تلك التي تم إقحامها في حركة التمرد، سواء أكان عن طريق التهديد أم الحوافز، كما أن إعلان الولايات المتحدة عن رغبتها في التحاور مع أعدائها سوف يحسن من صورتها على المستوى المحلى. وأن على الولايات المتحدة السعي لإحداث حالة من الانشقاق بين قادة المجاهدين، لاسيما قلب الدين حكمتيار وجلال الدين حقاني من جانب، والملا محمد عمر من جانب آخر مستغلة في ذلك التنافس القائم في ما بينهم حول السلطة في العاصمة الأفغانية «كابول».
أما على الصعيد الباكستاني، فيشير نواز إلى ضرورة انتهاج الولايات المتحدة سياسة مغايرة عن نظيراتها في أفغانستان، وتتمثل في دعم الجهود الباكستانية الداخلية في عزل العناصر المتطرفة عن طريق استمالة السكان، سواء في المناطق القبلية أو المستقرة بالقرب من الحدود الشمالية الغربية، وذلك بتقديم دعم مالي مباشر للمشروعات الاجتماعية أو المشاركة في توفير الخبرات اللازمة لمكافحة المخدرات عن طريق السفارة الأميركية في باكستان، وذلك بهدف تقليل نفوذ حركة «طالبان» في البلاد.
ويقول جايشيري باجوريا انه يتفق مع الرأي السابق لا سيما في ما يتعلق باختلاف الوضع بين كل من أفغانستان وباكستان، وذلك على اعتبار أن الوضع في باكستان يعتبر أكثر استقراراً إذا ما قورن بنظيره في أفغانستان حتى وإن تواجدت حركة طالبان فيها، وبالتالي فإن استراتيجية الحوار تعتبر أكثر ملاءمة في أفغانستان نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية فيها وارتفاع نسبة الخسائر بين قوات حلف الشمال الأطلنطي، على الجانب الآخر يعتبر أسلوب الاستقطاب والاستمالة أكثر ملاءمة لباكستان.
من الأسفل إلى الأعلى
يؤكد توماس جونسون مدير مركز «دراسات الثقافة والصراع» في البحرية الأميركية، على أهمية الدخول في حوار مع حركة «طالبان» كجزء من الاستراتيجية الأميركية الرامية لمكافحة التمرد، لكنه في الوقت ذاته يرى أن هذا النهج مفعم بالمخاطر، وذلك استناداً إلى سوابق هذا الشأن، فمنذ عام 2006 حاولت مجموعة الدول المشاركة بقوات في أفغانستان إضافة إلى السعودية، الدخول في حوار مع حركة «طالبان» إلا أن كل تلك المحاولات لم تبؤ بالفشل فحسب بل امتدت آثارها إلى ارتفاع مستوى العنف في البلاد، ذلك فضلاً عن زيادة نسبة الخسائر التي تكبدتها قوات التحالف.
ووفقاً لجونسون فإن فكرة الحوار مع «طالبان» هي مسألة خلافية، فبينما ترى مجموعة من القوى الدولية لا سيما المملكة المتحدة، إيطاليا، فرنسا والنرويج جدواها، تشكك مجموعة دول إقليمية أخرى خصوصا روسيا، الهند وإيران في نتائجها.
يسوق معسكر الرفض اعتراضه على أن قوات التحالف في الوقت الحالي تعاني من موقف ضعف في أفغانستان، وبالتالي أي حوار من هذا القبيل سيصب في مصلحة حركة «طالبان». على الجانب الآخر يرى المؤيدون والذي ينتمي جونسون إليهم، أن هذا الحوار مع من أسماهم بالمعتدلين من «طالبان» سيسهم بشكل كبير في إضعاف وشق الصف داخل الحركة.
وفى إطار صعوبة تحديد العناصر المعتدلة في «طالبان» وتعقيد هيكلها التنظيمي، يشير جونسون إلى أن الحوار لابد من أن يبدأ من المستويات الأقل بين القادة، أي من القادة على المستوى المحلى، ثم ينتقل إلى المستويات الأعلى في الهرم التنظيمي للحركة. كما يؤكد جونسون أن هذا النهج قد يعتبر سلاحاً ذا حدين على اعتبار أنه قد يقحم الولايات المتحدة في علاقات مع مجرمين، أو قادة يتمتعون بقدر كبير من الفساد.
ومن أجل ضمان نجاح محاولات الحوار، يرى جونسون ضرورة تلافي بعض الجماعات أثناء الحوار لاسيما القيادي قلب الدين حكمتيار على اعتبار أنه متعطش للسلطة، وغير جدير بالثقة على حد وصف جونسون، ذلك بالإضافة إلى الجماعات المهشمة من قبل نظام الرئيس كرزاي خاصةً ما يطلق عليه «الحلف الشمالي».
يعلق باجوريا بأن تواجه فكرة الحوار من الأسفل إلى الأعلى تحدياً رئيساً يتمثل في أنه وفقاً لنظام اتخاذ القرار داخل الحركة فهو في ظاهره قائم على الشورى، أما في باطنه فهو ديكتاتوري وما يكرس ذلك أن الشورى وفقاً للمنظور الطالباني معلمة وليست ملزمة، فالقرارات المهمة يتخذها الملا محمد عمر وله الحرية الكاملة في الأخذ بآراء مجلس الشورى أو رفضه. كما أن الملا محمد عمر يتمتع بصلاحيات واسعة، حيث اختارته «طالبان» أميراً لها في أغسطس 1994، وبايعه 1500 عالم من علماء أفغانستان عام 1996 أميراً للبلاد ولقبوه بأمير المؤمنين، وله حقوق شرعية فلا تجوز مخالفة أمره، كما لا يجوز عزله إلا إذا خالف التعليمات الدينية، أو عجز عن القيام بمسؤولياته، ويبقى في منصبه حتى الموت. وبالتالي فإن مسألة تأثير القادة على مستوى المحليات هو أمر يغيب عنه الواقع.
لن يؤتي ثماره
لا يرى روبرت تمبلر مدير «مشروع آسيا» في مجموعة الأزمات الدولية أي جدوى من الحوار مع حركة «طالبان» الآن في أفغانستان، استناداً إلى أن أي حوار من الموقف الأضعف لن يؤتي ثماره المرجوة، ولكن على العكس من ذلك سوف يؤدي إلى تداعيات وخيمة لعل أبرزها إضفاء مزيدٍ من الوهن للسلطة الشرعية، ومزيدٍ من الدعم والقوة لحركة «طالبان»، ذلك فضلاً عن إمكانية تزايد فرص حدوث مزيدٍ من الانشقاقات الداخلية الأفغانية.
وفى هذا الصدد، يؤكد تمبلر على أن مسألة الحوار مع حركة «طالبان» لا تزال تفتقد كثيراً من الأسس يأتي في مقدمها، أن مؤسسات السلطة الأفغانية تعاني من ضعف شديد لا سيما أجهزة الشرطة والقضاء والسجون، ذلك بالإضافة إلى نقص الموارد المالية الحكومية، كما أشار إلى وجود عدد من المسائل والأسئلة التي لم يتم التطرق إليها، وبالتالي لم يتم الإجابة عنها وهو الأمر الكفيل بهدم فكرة الحوار من أسسها في حالة عدم حدوث قدر من التوافق حولها بين الأطراف المنخرطة في الحوار، منها على سبيل المثال وليس الحصر؛ إمكانية التزام «طالبان» بالدستور من عدمه، إمكانية حدوث عفوٍ عامٍّ عن المتمردين من عدمه، وهل ستحتفظ طالبان بسلاحها أم لا؟
كما شدد تمبلر على أن أي حوار مدفوع من قوة خارجية مثل الولايات المتحدة سوف يبوء بالفشل ولن يؤدي بأي حال من الأحوال إلى التوصل لأي اتفاق يرضي الأطراف كافة، وفى هذا الإطار وضع تمبلر أساسين مهمين يتوقف عليهما نجاح الحوار مع «طالبان» من عدمه، الأول: أن يكون هذا الحوار داخليّاً بالأساس أي أن يكون حواراً أفغانيّاً - أفغانيا من دون تدخلات خارجية ووفقاً للمبادئ الأفغانية المتفق عليها عبر الزمن، أما الثاني: فيتعلق بضرورة إيجاد دولة أفغانية صلبة ما يمنحها القدرة على استيعاب المتمردين.
ويتفق باجوريا كُليةً مع هذا الرأي قائلاً ان أي حوار في ظل غياب كل تلك المقومات السابقة لن يحدث آثاره المرجوة، بل من المتوقع أن يحدث آثاراً سلبية قد تزيد من تدهور الأوضاع.
من هم الأشرار
تشير هيلاري ساينوت الباحثة في «المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية»، إلى أن إحدى الصعوبات الرئيسة لمواجهة التحديات سواء في باكستان أو أفغانستان هي تحديد من أسمتهم بـ «الأشرار» الذين يضطلعون بمهمة زعزعة الاستقرار في المنطقة. كما تؤكد ساينوت أنه من الأخطاء الشائعة قصر من يعارضون وجود القوات التابعة لحلف شمال الأطلنطي وقوات الأمن الداخلية في كل من أفغانستان وباكستان على تنظيم «القاعدة» وحركة طالبان فقط.
فعلى مستوى الممارسة، تتضمن المعارضة جماعات مختلفة لكل منها دوافعها الخاصة منها على سبيل المثال تنظيم «القاعدة» والجماعات السلفية المتطرفة التي ستقاوم فكرة الحوار على أساس أنه قد يقلل من نفوذها، والجماعات التي أجبرت على تطبيق القواعد البشتونية وتلك التي فقدت أبناءها من جراء الحرب وعانت كثيراً من غياب الفرص البديلة، وبالتالي على الولايات المتحدة أن تعمل على إجراء الحوار مع تلك الجماعات التي قد تقتنع بإلقاء سلاحها والاندماج في المجتمع والسعي وراء تحقيق السلام. كما تؤكد ساينوت، على أن تحقيق السلام والاستقرار لن يتحققا من خلال القوة فقط، بل لابد مما أسمته «الانخراط الانتقائي»، والمفاوضات، وبذل مزيد من الجهد لإجراء المصالحة.
التركيز على أهداف معقولة
يؤكد ميشيل سيمبل، النائب السابق للممثل الاتحاد الأوروبي الخاص لأفغانستان، على أهمية إدماج من أسماهم ببرجماتي «طالبان» في النظام السياسي الأفغاني وذلك كأساس لإنجاح الاستراتيجية الأميركية في أفغانستان، كما وضع ثلاثة أسس رئيسة من أجل ضمان نجاح عملية المصالحة وهي كالتالي... أولاً: أن تلك العملية يجب أن تتم من خلال الفهم العميق لطبيعة أسلوب وديناميكيات العمل السياسي للمتمردين، ثانياً: كما أنه لابد أن تأخذ في الاعتبار الخبرة الأفغانية السابقة في التحاور وإدماج مع المعارضة. ثالثاً: ضرورة التركيز على أهداف معقولة وقابلة للتطبيق على أرض الواقع.
ورداً على مزاعم فشل محاولات الحوار السابقة، أكد سيمبل أنه قد تم ارتكاب أخطاء كثيرة في الماضي منذ إسقاط نظام طالبان في عام 2001 والتي أدت بدورها لتعبئة مجموعة كبيرة من المتمردين، كما أشار سيمبل إلى افتقاد محاولات المصالحة السابقة لعنصرين مهمين مكلمين لبعضهم بعضاً، الأول: غياب أي خطوات جادة للتحاور مع قادة التمرد من قبل الغرب، ثانياً: غياب أي جهود حثيثة من قبل المتمردين للتحاور مع الغرب.
كما نصح سيمبل المسؤولين الغربيين بضرورة العمل بجدية على تحديد من أطلق عليهم برجماتي «طالبان»، الذين يمكن التعامل والتحاور معهم حتى تحقق عملية التحاور أهدافها المرجوة المتمثلة في إدماجهم في الحوار ثم استبعادهم من السلطة.
وفى سياق متصل، أكد سيمبل أنه على الولايات المتحدة إذا استطاعت وضع مبادرة مصالحة جديدة، تقوم على استيعاب العناصر المتمردة، وحمايتها من مضايقات قوات الأمن سواء الداخلية أو الخارجية، وتوفير فرص عمل فإن ذلك سيسهم بشكل كبير في إقناعهم بإلقاء أسلحتهم، ما سيؤدي لإقرار السلام الدائم والشامل.
أما على الصعيد الباكستاني وكنتيجة للترابط الشديد بين حركة «طالبان» في كل من أفغانستان وباكستان، فيشير سيمبل إلى أن نجاح الولايات المتحدة في أفغانستان في استيعاب والقضاء على حركات التمرد هو المفتاح الرئيس لإنهاء تلك الأزمة في باكستان. بعبارة أخرى يرى سيمبل أن القضاء على مفهوم الجهاد في أفغانستان سوف يؤدي بالضرورة للقضاء عليه في باكستان.
ثنائية المصالحة السياسية والمفاوضات
في إطار التفرقة بين مقتضيات المصالحة السياسية وفكرة المفاوضات مع «طالبان»، يشير الديبلوماسي الأفغاني السابق مسعود عزيز إلى أن تحقيق الاستقرار في كل من أفغانستان وباكستان يتطلبان توفير مصالحة سياسية واسعة النطاق بحيث تتضمن تمثيلاً شرعيّاً وعادلاً للطوائف والعرقيات كافة، حيث أكد عزيز أنه بالنسبة لباكستان يلزم إدماج المناطق القبلية في النظام السياسي الباكستاني، أما بالنسبة لأفغانستان فيلزم توفير تمثيل حقيقي للعرقيات كافة في النظام السياسي الأفغاني.
أما حينما يتعلق الأمر بالمفاوضات مع «طالبان»، فيؤكد عزيز على ضرورة معرفة البنية التشريحية للحركة، حيث تنقسم حركة «طالبان» وفقاً لعزيز إلى أربعة أقسام، الأول: تنظيم «القاعدة»، الثاني: من أسماهما «Qaliban» واللذان يمثلان معاً القوام الأساسي لقوات «طالبان» والتي يصعب التفرقة بينهما، وفى هذا السياق ينصح عزيز بعدم خوض أي مفاوضات مع هاتين المجموعتين. أما القسم الثالث فيتكون من مجموعة من تجار المخدرات، والمرتزقة، والمجرمين بحيث يجب استئصالهم وعدم التفاوض معهم، رابعاً: المعتدلون من «طالبان» الذين يعانون من ويلات الحرب، وقهر المتطرفين من حركة «طالبان» سواء في أفغانستان أو باكستان.
وبالتالي ينصح عزيز بضرورة التركيز على تلك المجموعة الأخيرة في إطار صياغة استراتيجية جديدة للتفاوض معهم وحمايتهم ما يسهم في عزل المتمردين عن تلك القاعدة الشعبية التي تساندهم ما يؤدي إلى إضعاف حركات التمرد وإقرار حالة الاستقرار في البلاد.
وفى إطار تحديد أهداف وتوقع نتائج المفاوضات، استبعد عزيز إمكانية إعطاء الملا عمر مكانا في الحكومة الأفغانية، وإنما العمل على توفير السبل الممكنة كافة لتمكين السلطات المحلية من الوصول إلى المدن والقرى كافة لتوفير مستوى أمني مرتفع، ما يهيئ المناخ لإنشاء مجالس محلية تكون قادرة على تحديد احتياجاتها تعمل بالتعاون مع السلطات المحلية والمساعدات الدولية على إنهاء حالة الفقر، وانعدام الأمن، وقهر العناصر المتمردة.
لكنني أرى أن مسألة تحديد المعتدلين في حركة «طالبان» أمر في غاية الصعوبة خاصةً بعد إعلان القيادي ذبيح الله مجاهد بأن «طالبان» ليس بها معتدلون، وأن إجراء أي محادثات بينها وبين حكومة كابول لن تكون ممكنة إلا إذا وافقت الحكومة الأفغانية على شروط «طالبان» بشأن سحب القوات الدولية من البلاد مؤكداً أن «طالبان» لن تتخلى مطلقاً عن تسلحها.
وفى السياق ذاته، صرح قاري محمد يوسف المتحدث باسم «طالبان» حين سئل عمَّا إذا كان الملا محمد عمر زعيم «طالبان» سيعلق على اقتراح الرئيس أوباما بأن: «هذا لا يستوجب أي رد أو رد فعل لأنه غير منطقي.» وأضاف «أن «طالبان» متحدة ولها زعيم واحد، وهدف واحد، وسياسة واحدة، ولا أعرف لماذا يتحدثون عن «طالبان» المعتدلة وماذا يعني ذلك؟».
* عن «تقرير واشنطن»