الشرطي الطيّب والشرطي السيّئ

1 يناير 1970 04:26 م
شاهدنا ما يكفي من أفلام الإثارة حتى نعرف مبدأ الشرطي الطيب والشرطي السيء. هذا يعني أن الشرطي الطيب لا يكون طيباً بالضرورة، وأن الشرطي السيء لا يكون كذلك حقاً. هذا تقاسم وظيفي بين الاثنين، ومتفق عليه سلفاً من أجل كسر عزيمة المتهم خلال التحقيق. ظهور افيغدور ليبرمان بدى مثيراً للتهديد. هذا يعود جزئياً لما قاله وصرح به والجزء الآخر بسبب مظهره.
معتقداته لا تتلاءم تماماً مع المتوقع من وزير الخارجية الإسرائيلي في هذه الآونة. هو لا يعترف بـ «انابوليس»، وهو ضد التنازلات عن مناطق، وعندما نضم ذلك إلى تمنيه لمبارك بأن يذهب للجحيم، والتهديد بقصف سد أسوان، يطرح السؤال هل هذا موقف الحكومة الجديدة، وهل كان ما صرح به منسقاً مع بيبي؟
وفقاً لتصريحات بيبي، من الصعب إعطاء جواب قاطع على هذه المسألة. لأن بيبي كان قد قال بأن حكومته ملتزمة بكل الاتفاقيات التي عقدتها الحكومات السابقة بما فيها «انابوليس»، و«خريطة الطريق». فهل كانت التصريحات المتناقضة منسقة فيما بينهما. إن كان الجواب بالنفي، فلماذا لا يدعو نتنياهو وزير خارجيته للانضباط الائتلافي ولا يقول له أنه يتسبب بالضرر الفادح لإسرائيل، وإن كان بيبي صامتاً فهل هذا دليل على أنه موافق على ما يحدث، أو الاسوأ من ذلك: يخاف منه؟ ذلك لأن بيبي وحكومته سيضطرون في مرحلة معينة لتحديد موقفهم من المسألة السورية أيضاً، لأن الجميع يقولون أن من مصلحتنا اخراج سورية من محور الشر. إلا أن هذه التسوية ستتحقق وفقاً لليبرمان من دون تنازل عن الجولان. هذا ليس ما يقوله بيبي لمبعوث أوباما جورج ميتشل. إذاً أين الحقيقة هنا؟
إن كانت التصريحات المتناقضة منسقة فهذه ليست بداية تشير إلى النزاهة والحكمة. إن كان بيبي لا يدعو وزيره للالتزام بالانضباط فهو يلحق ضرراً مهماً في مكانته كرئيس وزراء يتحلى بالمسؤولية، ويتطلع لعدم تكرار أخطاء فترته السابقة. «من يريد السلام ملزم بالاستعداد للحرب» قال ليبرمان مقتبساً مقولة رومانية شهيرة. لقد أحسن ايهود باراك صنعاً عندما خرج أخيراً من دير الصامتين، ووجه انتقاداته لتصريحات ليبرمان.
من المهم جداً أن لا تتذاكى الحكومة، وأن لا تصل إلى وضع سيبدأ فيه الأميركيون بإشهار أظافرهم. من المعروف أننا لا نجيد دوماً تفسير لباقتهم وكياستهم بصورة صحيحة. عندما يقول الناطق بلسان البيت الأبيض أن المحادثات كانت «صريحة» مع الرئيس فالمقصود هو أن هناك خلافات عميقة. أنا أذكر في أكثر من مرة أن مناحيم بيغن خرج من لقائه مع كارتر وقال أنها: «كانت محادثات ممتازة» بينما قال البيت الأبيض للمراسلين الإسرائيليين الذين يرافقون بيغن بأن معنى «مباحثات صريحة» هو عكس ما فسره بيغن.
عندما نغضبهم على سبيل المثال عندما أردنا بيع طائرات الفالكون التجسسية للصين نكون قريبين جداً من الشرخ. أصحاب الذاكرة الطويلة يتذكرون بفزع العقوبات التي فرضها الدكتور كيسنجر علينا تحت عنوان «إعادة النظر»، أو عندما رفض جيمس بيكر مقابلة سفيرنا زلمان شوفال بعبارة: «إن أصبح لديكم رد فهذا رقم هاتف البيت الأبيض».
الأيام التي تفاخرنا بها عندما قلنا أن إسرائيل هي ثروة استراتيجية للولايات المتحدة، بل وشبهنا أنفسنا من دون تردد بحاملات الطائرات المتقدمة للولايات المتحدة في هذه المنطقة، قد ولت إلى غير رجعة. انا لا أقول أننا تحولنا إلى عبء ولكن إدارة أوباما تتوقع منا أكثر من ذلك حتى تبلور هنا تحالفاً من الدول الإسلامية المعتدلة.
في هذه الأيام حيث توجد لأوباما أغلبية في الكونغرس، وتتركز أنظار العالم عليه، ليس بإمكاننا أن نضغط عليه من خلال تأثيرنا على مراكز القوى هنا. اللوبي اليهودي فقد ما يكفي من قوته في الإدارة الحالية. وإن لم نتبن فكرة الدولتين للشعبين فلن تسعف نتنياهو علاقاته القوية مع المحافظين الجدد، والانجليكان من المسيحيين الجدد الذين فقدوا في هذه الإدارة قوتهم ونفوذهم. ليبرمان يطرح علامة استفهام على التزام دولة إسرائيل بالسلام. وقد يتسبب بإشهار إدارة أوباما لمخالبها في وجهنا.
ما من شك أن بيبي قد اخطأ عندما لم يشكل تحالفاً مع «كاديما»، و«العمل» تاركاً ليبرمان في الخارج. مقابل ذلك حصل على فيل مشاغب في حانوت الخزف، ووزير خارجية يتعرض للتحقيق بتهمة الغش وتبيض الأموال. نتنياهو سيبرهن على أنه قد تغير عندما يتجرأ على وضع ليبرمان في مكانه.
يوئيل ماركوس
«هآرتس»