«2009 يعتبر عام التحديات لدول المنطقة»

«الوطني»: الكويت الاستثناء الوحيد في الخليج باتجاهها إلى خفض المصروفات الحكومية

1 يناير 1970 02:30 م
أشار بنك الكويت الوطني في الورقة البحثية لدول الخليج الصادرة أخيراً إلى أن اقتصادات دول الخليج ستعاني من ركود اقتصادي خلال هذا العام، متأثرة بشكل رئيسي بالتدهور الحاد الذي تشهده البيئة الاقتصادية العالمية. وتبعاً لذلك، فإن العام 2009 يعتبر عام التحديات لدول المنطقة.
ولكن ما يدعو للتفاؤل أن اقتصادات دول الخليج تمتلك المقومات اللازمة التي تؤهلها لمواجهة هذه العاصفة وتداعياتها. فالدور الاقتصادي الكبير الذي تلعبه الحكومات الخليجية في النشاط الاقتصادي سيوفر على الأقل نوعاً من الاستقرار الوظيفي للقوى العاملة، هذا إلى جانب أن وفرة التمويل الناجمة عن الفوائض المالية الضخمة المحققة على امتداد السنوات الماضية تمكن الحكومات الخليجية من تبني سياسات مالية توسعية دون تعريض ميزانياتها لأي ضغوطات تذكر. والهدف الأهم من ذلك أن تعوض الزيادة في المصروفات الحكومية عن الانخفاض الملحوظ في المصروفات الاستهلاكية والاستثمارية الخاصة نتيجة لتراجع الثقة بسبب الأزمة العالمية التي امتدت إلى المنطقة وأدت إلى تدهور حاد في الأسواق المالية والعقار وما نشأ عنها من انخفاض في الدخل والثروات والتوظيف.
ويرى معظم الخبراء الاقتصاديين بما فيهم المؤسسات المالية العالمية أنه لا بديل للمصروفات الحكومية لتحفيز النشاط الاقتصادي، حيث ان خيار استخدام أدوات السياسة النقدية فقط ليس كافيا عندما يكون التراجع في الطلب المحلي سببه انخفاض معدل النمو السكاني (مع تقلص حجم العمالة الوافدة) أو ربما عدد السكان، وكذلك الانخفاض الحاد للطلب على السكن أو المكاتب أو الأوراق المالية وارتفاع نسبة المساحات الشاغرة.
وكان معظم دول الخليج قد أعلنت بالفعل عن زيادة في حجم الميزانيات الحكومية للتعامل مع التحديات الاقتصادية المتصاعدة. وتتراوح نسبة هذه الزيادات إلى الناتج المحلي الإجمالي للقطاع غير النفطي ما بين 3 في المئة في البحرين و9 في المئة في السعودية. ويبدو أن الكويت تعتبر الاستثناء الوحيد لغاية الآن على هذا الصعيد، حيث ان مشروع ميزانية الحكومة للعام المالي 2009/2010 يظهر تراجعاً في حجم المصروفات الحكومية عن مستواها للعام المالي الأسبق. ومع ذلك، فإن المجال ما زال متاحاً لقيام الحكومة برصد اعتمادات إضافية، خصوصاً مع تنامي عدد الأصوات المطالبة للحكومة لاستخدام السياسة المالية لتحصين اقتصاد الكويت من تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية، بما فيها محافظ بنك الكويت المركزي وغرفة تجارة وصناعة الكويت. كذلك الحال، فقد تكون دول الخليج الأخرى التي أعلنت عن زيادة في حجم مصروفاتها للعام الحالي بحاجة إلى تبني المزيد من الإجراءات المالية بهدف المحافظة على إنجازاتها الاقتصادية المحققة خلال السنوات السابقة، خصوصاً في سلطنة عمان وإمارة دبي.
وأظهر التقرير أنه من المؤكد أن هيمنة القطاع العام في دول الخليج على النشاط الاقتصادي له ميزات إيجابية في الظروف الاقتصادية الراهنة، حيث ان ذلك سيرفع من فاعلية السياسة المالية وقوة تأثيرها. وبهذا الخصوص، فقد يوفر ذلك أيضاً فرصة سانحة أمام الحكومات الخليجية لمواصلة مسيرة الانفتاح والإصلاح الاقتصادي بهدف تحقيق الأهداف والرؤية طويلة الأجل التي تسعى نحوها، إلى جانب تمكين القطاع الخاص من لعب دوره المنشود في مسيرة التنمية والتقدم. وبالمقابل، فإن التخوف لدى البعض من تدهور المركز المالي لميزانيات دول الخليج قد لا يأخذ بعين الاعتبار أن تداعيات الأزمة الحالية على المنطقة قد تشكل خطراً أكبر فيما لو لم تقم حكومات دول المنطقة بزيادة مصروفاتها لسد الثغرة التي ستنشأ عن تراجع الطلب المحلي الخاص. وكذلك فإن هذه المخاوف لا تعير الانتباه إلى الاحتمال القوي بأن تعاود أسعار النفط ارتفاعها خلال العام المقبل بسبب خفض الإنتاج من قبل الأعضاء في منظمة «أوبك» بما يزيد على التراجع في الطلب، في حين لا يتوقع للإنتاج من خارج المنظمة بأن يعوض النقص المتوقع.
وحتى لو بقيت أسعار النفط قرب مستوياتها الحالية، فإن الجانب التمويلي لميزانيات الخليج لن يتعرض لضغوطات تذكر في حال اختارت الحكومات توفير محفزات اقتصادية إضافية، خصوصاً مع الأخذ بعين الاعتبار أن فوائض ميزانيات دول الخليج منذ العام 2003 قد تجاوزت 600 مليار دولار، أي ما يفوق إجمالي المصروفات الحكومية لعامين كاملين. ومن الواضح أن ذلك يمنح دول الخليج وضعاً مالياً مريحاً مقارنة بالكثير من الدول حول العالم. ومثل هذه الاعتبارات يجب أن تشجع حكومات دول الخليج على رفع حجم مصروفاتها هذا العام، مع التركيز على الإنفاق الرأسمالي لما لذلك من آثار إيجابية على مجمل النشاط الاقتصادي، خصوصاً أنشطة القطاع الخاص والاستهلاك الخاص.