علي الرز / بعضنا... وبعضهم!
1 يناير 1970
10:41 م
| علي الرز |
في كل زيارة يقوم بها الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي الى دولة افريقية يبشر امام الجماهير المحتشدة بأن الاسلام سيسود العالم وبأن على المسيحيين ان يصبحوا مسلمين. لكنه في زيارته الاخيرة لموريتانيا بدأ اكثر من متأكد من قرب تحقيق هذا الهدف اذ قال بالحرف الواحد: «ان تحول الشعوب الغربية الى الاسلام امر مفروغ منه».
هنا، زعيم عربي افريقي اسلامي يطالب المسيحيين باعتناق الاسلام ويقول ان ذلك سيصبح امرا واقعا عاجلا ام آجلا. لنتخيل، فقط لنتخيل، ان الرئيس الاميركي او الفرنسي او اليوناني او القبرصي او المالطي قال مثل هذا الكلام عن المسلمين، اي انه دعا المسلمين ليصبحوا مسيحيين معتبرا ان المسيحية هي الدين الحق الوحيد، وانه اعتبر التحول امرا مفروغا منه. ماذا يمكن ان يحصل؟
ستنظم التظاهرات في عموم العالم العربي والاسلامي احتجاجا على التصريحات المسيئة للمسلمين. ستكثر المطالبات بمقاطعة المنتجات الاميركية او الفرنسية او اليونانية او القبرصية او المالطية. ستتوجه حشود غاضبة الى سفارات هذه الدول وقنصلياتها وتحرقها وتحرق المباني المجاورة لها مع اعمال عنف ضد المتاجر والسيارات القريبة كما حصل في بيروت. ستطلب الحكومات رسميا من قادة هذه الدول الاعتذار العلني وستسوء العلاقات الديبلوماسية الى حين. سيسقط عدد كبير من القتلى والجرحى بهجوم يقوده مسلمون غيورون على دينهم ضد مسيحيين وغير مسيحيين كما حصل في باكستان وبنغلادش وبعض المدن الهندية ونيجيريا التي شهدت واحدة من ابشع المجازر العرقية الصغيرة خلال تظاهرات الاحتجاج على الرسوم الدنماركية.
قبل سنوات ارتكب رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني «معصية الألفية» عندما تجرأ وعبر بصوت عال عما يؤمن به، قال ان الحضارة الغربية المسيحية افضل من الحضارة العربية الاسلامية. قامت القيامة عليه وطولب بالاعتذار. اعتذر بعدما خرج مليون ايطالي الى الشارع منددين بكلامه معتبرين انه لا يجوز ان يصدر من قائد غربي في ظل صراع الحضارات خصوصا بعد «11 سبتمبر» التي ما زال عرب ومسلمون كثر يعتبروها نقطة جهادية بيضاء في ثوبنا الباهت. مليون مسيحي غربي يؤمنون في قرارة انفسهم بما قاله برلسكوني ومع ذلك نددوا بتصريحه لانه يتنافى وسياسة التهدئة الحضارية المطلوبة، بينما لم نر مئة عربي او مسلم تظاهروا ضد 11 سبتمبر وقراصنة 11 سبتمبر والفكر الذي قاد الى 11 سبتمبر.
هذا هو الفارق الحقيقي ليس بين الحضارات وانما بين الموروث السياسي والثقافي عندنا وعندهم. بين تقدم الحس الانساني على ما عداه من سياسات حكومية وشعارات دينية وبين تراجعه واختبائه وتحصنه خلف السياسات الحكومية والشعارات الدينية.
ولو اخذ العرب والمسلمون زمام المبادرة في التصدي للانحرافات الفكرية والشذوذ الشرعي وغلبوا منطق الانسان على منطق الحكومات والسياسات والشعارات لما وصلنا الى مرحلة رغبت فيها الدول الاخرى في رسم سياسات تظهر ابشع ما عندنا ثم تحارب ابشع ما عندنا، اي التطرف والارهاب، مستخدمة وسائل متشابهة مع تلك التي تحاربها، اي التطرف والارهاب ايضا.
جن جنون العرب على ما حصل في سجن ابو غريب وهم على حق في ذلك، واهتزت اميركا عن بكرة ابيها لصورة جندية وجندي يعذبان احد المعتقلين باساليب جنسية، وحكمت المحاكم الاميركية بسجنهما 8 و9 سنوات. لكننا لم نقرأ تنديدا عربيا واحدا للقبور الجماعية التي اكتشفت بعد سقوط بغداد وهي تضم اكثر من نصف مليون قتيل.
لم نسمع عن ندوة واحدة عقدت لا قبل اطاحة صدام حسين (حلبجة) ولا بعد اطاحته (مجازر الجنوب). لم تهتز الدول والمجتمعات العربية لمنظر التلال الرملية الصغيرة المرصوصة وعلى كل منها عبارة «بلا» (اي بلا هوية او عنوان) وبين احداها بانت جثة امرأة كانت حاملا وعلى بطنها جنينها الذي استخرج بسكين قبل قتلها...
هل تعرفون لماذا؟ بكل صراحة، لان القاتل عربي ومسلم، ولان عقدة الاخصاء التي اصابت مفاصل اساسية في المجتمع العربي تجعل تركيز الهجوم على جرائم اسرائيل واميركا وهي كثيرة، أسهل واقل كلفة واكثر انسجاما مع الخطاب الرسمي والاعلام الرسمي والمزاج الشعبوي.
المشكلة ليست في الحكومات فقط ولا في الاحزاب الحاكمة. المشكلة مشكلة قيم حقيقية تنتشر افقيا وعموديا في المجتمعات العربية والاسلامية. نتضايق من تصريح ضد المسلمين يقوم به قس اميركي وغالبية خطب المساجد تلعن النصارى واليهود، بل يرد احد المشايخ على طلب حكومي بالتخفيف من الهجوم على الاديان الاخرى بالقول: «لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق»، رغم ان القرآن الكريم تحدث عن المودة مع اهل الكتاب وعن فضائل الرهبان والقساوسة.
اليوم، لم يرد احد من العرب والمسلمين على كلام القذافي حتى وان كان مؤمنا بجوهره مثلما فعل الايطاليون في ردهم على برلسكوني. في المقابل، لم تخرج تظاهرة واحدة في اي عاصمة غربية منددة بكلامه. لم تحصل اعمال عنف. لم تقطع العلاقات الديبلوماسية. لم تقاطع البضائع العربية على قلتها وندرتها. لم يعاتب احد جاره المسلم... لان الغرب مشغول بأمور اهم تتعلق برقي الانسان وتنمية مجتمعه ولا وقت عنده ليضيعه في التعليق على تصريحات كهذه بل لا عقد نقص لديه تجبره على المبالغة في ردود الفعل.
هناك فارق بلا شك. فارق يصنعه انسان... فارق عنوانه انسان.
alirooz@hotmail.com