شخبط شخابيط


لم تخل ذاكرتنا ونحن صغار وشباب من شعارات كثيرة تكتب على جدران الكويت تشبها بشعارات مماثلة على جدران العواصم العربية. شعارات قومية ونضالية ووطنية واسلامية وحزبية و«تقدمية» تتحدث تارة عن فلسطين وطورا عن مصر وأحيانا كثيرة عن مواضيع أخرى مثل الحرب الايرانية - العراقية والدخول السوري الى لبنان وزيارة المغفور له انور السادات الى القدس. شعارات تبقى على الجدار فترات طويلة ثم يتضح انها نوع من «الشخابيط» لأن شيئا منها لم يتحقق، وسرعان ما يأتي «مناضلون جدد» بهويات جديدة فيكتبوا فوق القديمة شعاراتهم الجديدة لتتحول الجدران الى لوحات سيريالية تتداخل فيها الكلمات بشكل طريف احيانا... لكنه شكل قاس يعكس حال التخبط من «فوق» والضياع من «تحت».
انتقلت «الشخابيط» من الجدران الى المواقف السياسية في الكويت، خصوصا في ايامنا هذه التي لا نعرف معها اين يبدأ القرار واين ينتهي... وان كنا نعرف كيف ينتهي.
يؤخذ القرار وكأنه شعار يرسم على الجدار لا كوسيلة تنفيذية تجد طريقها الى التطبيق، ثم يأتي من يرسم شعار الرفض على شعار القرار او شعار التعديل على القرار، ثم يرد على ذلك بتغليظ اصحاب الشعار الكتابة على الجدار رافضين التدخل في سلطاتهم، ثم يفاجأ المارة من امام الجدار بعد ايام بشعار انسحابي وتنازلات تتجاوز ما طالب به المعترضون... مع توقيع قد يكون باسم «الجبهة الشعبية للتعاون مع المجلس» او «القيادة العامة لتهدئة الاوضاع».
تخبط من فوق... وضياع من تحت. لا المحيطون بمن اخذ القرار يعرفون لماذا اخذه ولماذا اصر عليه، ولا الناس باتت مقتنعة بجدوى اي قرار او بنصيب اي قرار من التنفيذ. لم تعد القصة قصة «شخابيط» على الجدران صارت قصة هيبة حكم، كفاءة ادارة، فاعلية قرار... باختصار صارت قضية نظام سياسي المطلوب تطويره في كل الاتجاهات كي ننتقل ككويتيين من سياسة «الشخبطة» الى رحاب الانجاز.
مل الكويتيون وهم ينتظرون الفرج. صاروا كلما سمعوا بمشروع تطويري في مجالات النفط او الاستثمار او التعليم او الصحة او التجنيس يضعون اياديهم على قلوبهم انتظارا للازمة المقبلة التي ستشل البلاد لاسابيع واشهر. لم يعد الكويتيون يقولون من اصاب ومن اخطأ، انتقلوا الى مرحلة الانسحاب من الحياة العامة بل الى مرحلة القرف من الحياة السياسية. صار جل همهم ان يهدي الله السلطتين لايجاد حل لأزمة مصيرية اسمها الازمة المالية، وان يهدي الله السلطتين لايجاد حل لأزمة القروض لأن عائلات كويتية كريمة كثيرة باتت مخنوقة وتبحث عن ضوء في نهاية النفق. وهذان الملفان يجب ان يكونا ناقوسا يدق باستمرار امام آذان اعضاء السلطتين وضمائرهم لانهما ملفان يتعلقان بالوجود نفسه لا بتطوير مصفاة ولا بتغيير ارصفة ولا بشق نفق ولا ببناء مدرسة.
وفي زحمة السجال على قانون الاستقرار الاقتصادي او على جدولة قروض المواطنين (والجدولة هي الاسم الاصح) تبرز اقتراحات نيابية واعدة ومشاريع عادلة وكريمة ومدروسة ومنتجة. مشاريع لا علاقة لها لا بمصالح خاصة ولا بالصوت العالي ولا بالصياح. مشاريع همها انصاف الناس قبل محاباة الحكومة او معارضتها. مشاريع قابلة للتنفيذ تساعد الناس ولا ترهق الموازنة لان المبالغ سترد وتعدل بين من سدد دينه ومن لم تساعده الظروف على ذلك. مشاريع عملية يمكن ان تفك كربة الآلاف وترسم الفرح على وجوههم لا ان ترسم شعارات على الجدران بين «شخابيط» السلطتين.
نتمنى على الحكومة ان تقدم، وللمرة الاولى، على التعامل مع المشاريع البناءة لحل الازمتين الماليتين باسلوب الانفتاح المدروس والاستعداد الكامل لمساعدة الناس لا بأسلوب الشعارات فقط، لأن «الشخابيط» على الجدران لن تبقى «شخابيط»، فقد يأتي يوم تنهدم فيه الجدران وتضطر الحكومة اضطرارا الى تنفيذ قرارات لم تتخذها... وهو يوم نتمنى ألا نراه.
جاسم بودي
انتقلت «الشخابيط» من الجدران الى المواقف السياسية في الكويت، خصوصا في ايامنا هذه التي لا نعرف معها اين يبدأ القرار واين ينتهي... وان كنا نعرف كيف ينتهي.
يؤخذ القرار وكأنه شعار يرسم على الجدار لا كوسيلة تنفيذية تجد طريقها الى التطبيق، ثم يأتي من يرسم شعار الرفض على شعار القرار او شعار التعديل على القرار، ثم يرد على ذلك بتغليظ اصحاب الشعار الكتابة على الجدار رافضين التدخل في سلطاتهم، ثم يفاجأ المارة من امام الجدار بعد ايام بشعار انسحابي وتنازلات تتجاوز ما طالب به المعترضون... مع توقيع قد يكون باسم «الجبهة الشعبية للتعاون مع المجلس» او «القيادة العامة لتهدئة الاوضاع».
تخبط من فوق... وضياع من تحت. لا المحيطون بمن اخذ القرار يعرفون لماذا اخذه ولماذا اصر عليه، ولا الناس باتت مقتنعة بجدوى اي قرار او بنصيب اي قرار من التنفيذ. لم تعد القصة قصة «شخابيط» على الجدران صارت قصة هيبة حكم، كفاءة ادارة، فاعلية قرار... باختصار صارت قضية نظام سياسي المطلوب تطويره في كل الاتجاهات كي ننتقل ككويتيين من سياسة «الشخبطة» الى رحاب الانجاز.
مل الكويتيون وهم ينتظرون الفرج. صاروا كلما سمعوا بمشروع تطويري في مجالات النفط او الاستثمار او التعليم او الصحة او التجنيس يضعون اياديهم على قلوبهم انتظارا للازمة المقبلة التي ستشل البلاد لاسابيع واشهر. لم يعد الكويتيون يقولون من اصاب ومن اخطأ، انتقلوا الى مرحلة الانسحاب من الحياة العامة بل الى مرحلة القرف من الحياة السياسية. صار جل همهم ان يهدي الله السلطتين لايجاد حل لأزمة مصيرية اسمها الازمة المالية، وان يهدي الله السلطتين لايجاد حل لأزمة القروض لأن عائلات كويتية كريمة كثيرة باتت مخنوقة وتبحث عن ضوء في نهاية النفق. وهذان الملفان يجب ان يكونا ناقوسا يدق باستمرار امام آذان اعضاء السلطتين وضمائرهم لانهما ملفان يتعلقان بالوجود نفسه لا بتطوير مصفاة ولا بتغيير ارصفة ولا بشق نفق ولا ببناء مدرسة.
وفي زحمة السجال على قانون الاستقرار الاقتصادي او على جدولة قروض المواطنين (والجدولة هي الاسم الاصح) تبرز اقتراحات نيابية واعدة ومشاريع عادلة وكريمة ومدروسة ومنتجة. مشاريع لا علاقة لها لا بمصالح خاصة ولا بالصوت العالي ولا بالصياح. مشاريع همها انصاف الناس قبل محاباة الحكومة او معارضتها. مشاريع قابلة للتنفيذ تساعد الناس ولا ترهق الموازنة لان المبالغ سترد وتعدل بين من سدد دينه ومن لم تساعده الظروف على ذلك. مشاريع عملية يمكن ان تفك كربة الآلاف وترسم الفرح على وجوههم لا ان ترسم شعارات على الجدران بين «شخابيط» السلطتين.
نتمنى على الحكومة ان تقدم، وللمرة الاولى، على التعامل مع المشاريع البناءة لحل الازمتين الماليتين باسلوب الانفتاح المدروس والاستعداد الكامل لمساعدة الناس لا بأسلوب الشعارات فقط، لأن «الشخابيط» على الجدران لن تبقى «شخابيط»، فقد يأتي يوم تنهدم فيه الجدران وتضطر الحكومة اضطرارا الى تنفيذ قرارات لم تتخذها... وهو يوم نتمنى ألا نراه.
جاسم بودي